أظن أنه لزاما علي وكما دفعني خلافي مع المستشارين حسام الغرياني وأحمد ومحمود مكي حول ما جرى من إعلان دستوري ولجنة تأسيسية، فإن شرف الخصومة تفرض علي اليوم ، وفي العلن كذلك، أن أقول كلمتي هذه في العلن أيضا. لا أنكر أني شعرت بالاستغراب المشوب بالانزعاج والضيق عندما أصدرت النيابة العامة قرارها بضبط وإحضار المستشار أحمد مكي من أجل سماع شهادته في شأن وقائع تزوير الانتخابات القديمة، فالرجل نائب رئيس محكمة نقض وعضو مجلس قضاء أعلى ، ولا أظن أن النيابة العامة كانت في حاجة لإصدار أمر بالقبض على شاهد له قدره أفنى عمره في القضاء ، ولا يغير من موقفي هذا أني خالفته أو اختلفت معه، واليوم وفي العلن كانت صدمتي مروعة عندما سمعت بخبر القبض على المستشار محمود رضا الخضيري. واتسع ذهولي عندما سمعت أن الرجل منسوب إليه الاشتراك في تعذيب أحد عشر شخصا!! اختلفنا نعم، ولكنني ومنذ أن كنت معه في خندق واحد ضد نظام مبارك لم يخطر على بالي ولا في خيالي أنه سيأتي يوم يصدر الأمر بضبطه وإحضاره على خلفية رأي أو موقف حتى ولو لم يعجبني والمسألة مسألة مبدأ، الحقيقة أن الصدمة زلزلتني وأغرقتني في الألم والإشفاق. هوا في إيه؟؟!! محمود رضا الخضيري القاضي الكبير هو رجل عاشرته وأكلت في بيته أكثر من مرة ونمت بجواره على الأرض من أجل استقلال القضاء . أختلفت معه فيما بعد حقا ولا أزال، ولكني عرفته لا يقول إلا ما يحسب إنه الحق، حتى ولو خالفته في الرأي . الرجل حنون القلب تماما ودوما وتحملنا وتحمل خلافنا معه، ولم يقس يوما على أحد ولو بكلمة، ولم يتردد في الاعتذار لوزير العدل الأسبق عندما أساء إليه. كيف ينتهي به الأمر مقبوضا عليه ومرحلا بأمر من النيابة العامة وكأنه مسجل خطر ؟!! بل وكيف يمكن أن يتهم بتهمة كهذه أصلا؟ أريد أن أفهم ما الذي فعله محمود رضا الخضيري القاضي نائب رئيس محكمة النقض حتى يمر بتجربة كهذه في عمره هذا وصحته هذه ؟ بل ويمتد قلقي إلى مصر كلها، مصر التي هي آخر النهار أكبر وأعظم أداة تعذيب لكل من تجرأ ووقع في حبها ثم أراد أن يقدم البرهان. خشيتي على مصر كبيرة، خشية من دافع عن الحرية وحقوق البشر في أن يعيشوا في كرامة، وفي كل مرة اشم رائحة انتكاسة، انتكاسة يباركها هذه المرة من كثيرون من أفراد هذا الشعب وحتى إعلامييه الذين لا يرون من قانون التظاهر سوى خصومهم وليس مستقبلهم هم ومصيرهم في ظله، سقطوا في الغيبوبة وأعمتهم الرغبة في الانتقام غير عالمين أنهم إذا وافقوا على فعل الجلاد بخصومهم اليوم فقدوا الحق في الإعتراض عليه غدا، أقول لكل من سوف يغضبه كلامي اليوم ما تستعجلش ، دورك جاي يكرة،.. والله العظيم سيجيء وهل يسمعني أحد يا عالم يا هوه؟ . لا أناقش قرار النيابة ولكن مخاوفي مشروعة، وأتذكر أيام مبارك وبمقياس النتيجة يقتحمني هذا السؤال الغاضب، ضبط وإحضار؟؟!! هوا ليه كلما حاولنا أن نتقدم خطوة للأمام نجد أنفسنا قد عدنا عشر خطوات للخلف؟ تعذيب واحتجاز قبل ثلاث سنوات ؟ أقسم بالله أني لم أعرف عن المستشار الخضيري أنه خبير في المصارعة اليابانية! ولماذا؟ ومن هو صاحب الإرادة السامية داخل النيابة أو حتى خارجها الذي أمر أن يفعل ذلك بقاض كبير ولم يرحم سنه أو صحته ؟ ولماذا الآن ؟ الرجل لم يفعل شيئا ذا بال منذ فض رابعة، هرعت إلى اليو تيوب أبحث عن مبرر وسمعت الرجل يتكلم من فوق منصة رابعة، ولم أجد في كلامه ما يمكن أن يكون محلا لمؤاخذة جنائية. لماذا يقبض عليه هكذا؟ هل هو قاض مرتش؟ هل هتك عرض أحد أو مس شرف أحد؟!! في الأيام القديمة حتى القاضي المرتشي كان يؤخذ يهدوء حرصا على هيبة القضاء نفسه، فكيف بقاض كبير ورمز يؤخذ بقرار من النيابة العامة وكأنه مسجل خطر؟ حتى المسجلين خطر يؤخذ في الحسبان عامل كبر السن لديهم عندما تطبق عليهم الإجراءات القضائية، ما هي الرسالة التي تريد النيابة العامة أن تنقلها للناس فيما تفعله بشيوخها الذين بلغ بهم الكبر عتيا؟ هل هذا يليق؟ هل هذا ملائم؟ إلى أين أنتم ذاهبون بنا.؟ بل وبالقضاء نفسه وفي بلد رئيسها قاض ؟!!أقول لمن يهمه الأمر أني لست في خصومة مع أشخاص ، ولكن خصومتي مع الحق الذي أحاول أن أكون معه أينما وقع،ولم أتردد في إعلان موقفي من قتل المحجوزين في سيارة الترحيلاات بالغاز حتى ولو إخوان! واليوم أقول للمستشار محمود رضا الخضيري، نعم مواقفي منك تتغير أما محبتي فلا. للمرة المليون بعد الألف ، إذا ضحيت بأمنك لقاء حريتك سيجيئك الأمن ولو بعد حين، أما إذا ضحيت بحريتك في سبيل أمنك فقدتهما معا إلى الأبد، إني ألعن كل يوم رأيت فيه مصريا يظلم أو تنتهك إنسانيته أيا كان، تتوالى علينا الحكومات والدول وأما القهرة على مصر فواحدة، هي هي ولها ذات الون والطعم والرائحة لا تتغير أبدا ولا تريد . وأقول للمستشار الخضيري الحبيب سلامتك ألف سلامة يا حبيبنا، ما توصلش لكده أبدا ، لم أكن أتمنى أن أحيا لأرى مثل هذا اليوم ، ولم أكن أتمنى أن أحيا لأرى قاضيا كبيرا أيا كان يفعل به هكذا لأنه لم يرتكب جريمة سوى أنه قال رأيا ، أظنني لم أكن أتمنى أن أحيا من بابه يا بلد .. ولا حول ولا قوة إلا بالله! اشرف البارودي