تنشر الدراسة بالتعاون مع «رؤى مصرية» لا تزال العلاقات المصرية – الخليجية تعاني اختلالا جوهريا برغم تطورها الهائل على مدى السنوات من 2011 – 2015، وتتركز جوانب النقص والاختلال بالأساس في المفاهيم والإدراكات، وذلك ناتج عن عدم إخضاعها للدراسة العلمية، حيث لم يتجه الجهد الفكري والبحثي السياسي على الجانبين المصري والخليجي إلى دراسة هذه العلاقات على نحو علمي وموضوعي. فى الأغلب جرت دراسة العلاقات المصرية - الخليجية ضمن دراسات العلاقات العربية والنظام العربي بشكل عام، ومن ثم جرى تفويت فرص تأسيسها وبنائها على أسس استراتيجية؛ فتشهد هذه العلاقات خصوصية تفوق أية علاقات استراتيجية بين دول الإقليم، لكنها ليست مؤسسية، وإنما تركت بالأساس إلى الأعراف والأصول، وجرى التعامل معها بحسب كل أزمة وحالة. لقد اكتفى الجانبان المصري والخليجي بالعلاقات الرسمية، ولم يخضعا العلاقات لجهد بحثي وعلمي تحليلي، يستشرف نقاط ضعفها ويحلل أزماتها، ويساعد على توجيهها وترشيدها. وقد يستغرب البعض من أنه على الرغم من عمق العلاقات لا توجد دراسات، أو أوراق بحثية تحليلية للمصالح المشتركة، ولا لنوعية التفاهم المصري الخليجي بشأن قضايا استراتيجية مثل أمن الخليج وإيران والبحر الأحمر، وأنه في الوقت الذي توجد مئات الدراسات الأمريكية المحدثة الخاصة بأمن الخليج من وجهة نظر أمريكية، ومن مراكز دراسات أمريكية؛ فإنه يندر أن نعثر على دراسة تحليلية خاصة بأمن الخليج من وجهة نظر مصرية خليجية مشتركة، وفي الأغلب تتسم الكتابات في هذا الشأن بالانطباعات الشخصية وتتلون بالأيديولوجيا. لقد اعتبرت القيادات أن هذه العلاقات اختصاص حصري لها، ولا يجب تناولها بالخير أو الشر، لذلك تتسم أغلب الكتابات عن العلاقات المصرية الخليجية إما بالرسمية أو بالمجاملات، ولقد استمر هذا الحال حتى الثورات العربية، التي فرضت على الجانبين مواقف اختبار وامتحان، كان على كل جانب أن يقدر بدقة خصوصية علاقته الاستراتيجية بالآخر، وانطلقت القيادات في تجسير الفجوات، والتعبير عما يكشف عن مواقف تساند استراتيجي غير مسبوقة. وهو ما جعل بعض الباحثين في مصر يتفاجئون بمستوى ومضمون المواقف الخليجية بعد 25 يناير و30 يونيو بعد سنوات حرب أكتوبر التي اعتقد بعض المصريين والعرب بعدها بتراجع المعاني العربية، وأيضا ما جعل بعض الباحثين في الخليج يتفاجئون بمستوى ومضمون الاستجابة المصرية الإيجابية مع دول الخليج بعد هذا التاريخ. ومع كل هذا التقدم لا تزال العلاقات تعاني غياب المؤسسية وعدم الانتظام، وهو ما تسعى هذه الورقة لمعالجته. أولا: جوانب التقدم المحرز من أبرز التحولات النوعية في علاقات مصر بدول الخليج عقب ثورة 25 يناير و 30 يونيو، ما يلي: 1- تجاوز البروتوكولية والرسمية: خلال الأعوام الخمسة الماضية تجاوزت العلاقات المصرية - الخليجية المظاهر البروتوكولية والرسمية، لقد وجدت مظاهر متعددة على ذلك، ليس آخرها عقد مباراة السوبر بين فريقي الأهلي والزمالك في الإمارات، والاحتفال بعيد ميلاد الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي في مصر، وقدوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مطار القاهرة واستقباله في طائرته الملكية من قبل الرئيس السيسي الذي حرص على تقبيل جبهته. وهذا الجزء الشخصي والخاص جدًا الذي شهدته العلاقات لم يكن مفتقدًا في السابق، لكنه ترافق بعد ثورتي يناير ويونيو بتنامي إدراك حقيقي بضرورة التقارب السياسي. وهذه المعاني أعطت الثقة لدى المواطن العادي بالتقارب المصري الخليجى، وبعودة روح جديدة إلى العلاقات العربية. وإلى حد كبير، لا يجري النظر إلى المواقف الخليجية التي تبدو متدخلة في أخص الشئون المصرية باعتبارها تدخلا في الشئون الداخلية، ثقة من المواطن المصري والقيادة بأن هذه الدول تحمل الخير لمصر. 2- تقارب إدراك الأمن القومي: لم يبلغ التقارب في إدراك مهددات الأمن القومي بين مصر ودول الخليج المستوى الذي بلغه بعد 25 يناير. وعلى سبيل المثال، وضع الملك عبدالله بن عبدالعزيز علاقات بلاده مع الولاياتالمتحدة على المحك، وتبني مواقف ضد المواقف الأمريكية مخاطرًا بعلاقات بلاده الخاصة بالولاياتالمتحدة، وتركيا، وقطر، وكان الموقفان السعودي والإماراتي حجر الزاوية في إعادة فرض مصر لذاتها على الساحة الدولية، الأمر الذي انتهى بتبوأ القاهرة لمقعد غير دائم بمجلس الأمن في أكتوبر 2015. ولم يبرز التقارب المصري الخليجي فقط بشأن الإخوان والإرهاب، وإنما أيضا برز في التمارين العسكرية المشتركة التي تكثفت وتنوعت في العامين الأخيرين مع السعودية، والإمارات، والبحرين، وفي التمويل الخليجي لصفقات عسكرية لحساب مصر، مما كشف عن إدراك خليجي مضاعف لأهمية مصر الاستراتيجية للخليج.
3- ملامح على الديمومة الاستراتيجية: في مقابل التقارب الاستراتيجي الرسمي والاستثنائي، تعرضت العلاقات المصرية الخليجية لما يشبه الحرب من قبل كتائب إلكترونية، استغلت وقائع وثغرات خلاف محدودة، وسعت إلى تضخيمها على جانب إخوان مصر، كما واجهت هجوم جماعات مناظرة وشخصيات متعاطفة مع الإخوان على جانب الخليج، عملت على ضرب أسس التقارب من خلال بث وتضخيم الشائعات، والهجوم على أنظمة دولها لدعمها ما سَّمته ب "نظام الانقلاب" أو نظام السيسي". وإزاء كل هذه الهجمات والشائعات فقد صمدت العلاقات. وكان أكثر مظهر على صمودها تجاوزها الهجمة الشديدة على الجانبين، التي ترافقت مع تولي الملك سلمان الحكم في السعودية؛ حيث تكرر الحديث عن تعاطف الملك الجديد مع الإخوان، وعن حلف سني يضم تركيا والسعودية، وقطر، وعن تغيير السعودية سياساتها الخاصة بدعم مصر، وجرى استغلال تسريبات سياسية لقيادات مصرية تتعرض لدول الخليج. ومع ذلك، فإن أيًا من مضمون العلاقات لم يتغير، بل شهدت مظاهر أكثر كثافة على التحالف. ثانيًا: ملامح القصور القائمة 1- التجاوزات غير المحسوبة: على الرغم من هجمة الشائعات المستمرة التي تنال من التحالف المصري - الخليجي، فلم تكن هناك جهود، أو تحركات رسمية لإنهاء هذه الهجمات. البعض يبرر ذلك بحرية الصحافة والإعلام، وأنها لا تعبر عن الموقف الرسمى، وإنما أصوات معارضة، لكن كل طرف رسمي لديه إدراك -ولو خطأ- بأنه لا يمكن السماح بذلك دون توجيهات رسمية. أحيانًا تصل الهجمات على الطرف الآخر، مستوى لا تشهده العلاقات الخليجية مع الولاياتالمتحدة. وجزء من هذه الإشكالية في العلاقات البينية ناتج عن عدم فهم للخصوصيات والأوضاع الداخلية لكل طرف. فالصورة الداخلية لأنظمة الحكم في دول الخليج مهمة جدًا، وهي لم تعتد في العلاقات البينية مع القاهرة، على هجمات في ظل فضائيات تخل بصورة النظم في الداخل، والهجوم على صورة ملك، أو شيخ، أو أمير، أو أسرة حاكمة في الخليج، من أكثر ما يثير الغضب والاستياء الداخلي. بينما لا يزال بعض الإعلاميين في مصر يتناولون زعماء الخليج على الفضائيات المصرية دون مراعاة الحساسيات الخاصة بالشعوب ووضعية الحكام. وعلى جانب الخليج برزت هجمات من بعض الأقلام لم تفرق بين الدولة والجيش في مصر، وبرز منها تعاطف من قبل نخب خليجية قريبة من أنظمة الحكم مع الإخوان، وحدثت هجمات مماثلة على القيادة والدولة المصرية من دون دراسة وإلمام حقيقي بحالة الدولة، والموقف الشعبي المصري من الإخوان، وحقيقة دور الجيش في حماية ثورة 30 يونيو، وليس تحريكها أو التحريض عليها. 2- غياب المأسسة الاستراتيجية: يقصد بالتأسيس الاستراتيجي للعلاقات، توافر مجموعة مؤسسات ومراكز وبؤر تفكير استراتيجية تطرح رؤى مشتركة بشأن مجالات العلاقة. هناك قدر من الاعتيادية التي لا تخرج بالعلاقات عن المألوف من علاقات عربية، على الرغم من الخصوصية الشديدة في العلاقات بين مصر ودول الخليج، وصحيح أنه يوجد لجان ومجالس فنية وأمنية وسياسية مشتركة بين مصر وكل دولة خليجية على حدة، ولكن ليس هناك أطر، أو هياكل استراتيجية مؤسسية تجسر الفجوة بين اللجان والمجالس الفنية المتخصصة التي يشارك فيها في الأغلب، دبلوماسيون أو متخصصون، ويمكن لهذه الأطر والهياكل أن ترفد هذه اللجان الفنية بالأفكار والرؤى الاستراتيجية القادرة على القفز بالعلاقات إلى مجالات أكثر رحابة وخيالا استراتيجيا وأمنيا وسياسيا. وخلال السنوات الخمس الماضية تأسست العديد من مراكز الدراسات التي تعمل لمصلحة الأهداف المشتركة، ونشأت العديد من المراكز المختصة بتمويل خليجي داخل مصر وخارج مصر، ولكن حتى الآن فإن أغلب هذه المراكز يتجنب طرح قضايا العلاقات المشتركة بين مصر ودول الخليج، وأغلبها يركز على الإرهاب والتحديات الأمنية وجمع المعلومات، وليس على آفاق المصالح وأفكار ورؤى التقارب ومجالات العمل المشتركة. وعلى سبيل المثال، فإن نتائج علاقات مستمرة بين مصر والمملكة على مدى 80 عاما من عمر الدولة السعودية في حاجة إلى دراسة لاستخلاص الأنماط العامة للعلاقات، ودراسة وفحص فترات التقارب والتباعد، وآليات ومجالات العمل لأجل المكاسب المشتركة، وترويض قضايا الخلافات، وهي جميعها قضايا يمكن أن تكون مجالا لمشروعات بحثية وعلمية كبيرة، تعود بالنفع على البلدين.. وعلى غرار ذلك عشرات القضايا الخليجية المصرية المشتركة القابلة للبحث والدراسة. 3- المدركات السلبية وعراقيل النخب: جزء من نوبة الأزمات المتكررة في العلاقات المصرية الخليجية يعود بالأساس إلى الإدراكات السياسية للنخب؛ حيث تفتقد العلاقات المصرية الخليجية إلى نخبة للتفكير الاستراتيجى، أو "نخبة استراتيجية" تتحرك في شأن هذه العلاقات، صحيح أن هناك مفكرين لامعين على الجانبين يؤمنون إيمانًا راسخًا بالعلاقات الاستراتيجية بين مصر ودول الخليج، وهم موجودون في مصر وكل دول مجلس التعاون الخليجي، وهم يستميتون في الشرح والتوضيح والتفصيل ويلعبون دورًا مهمًا في تخفيف الاشتباكات خلال الأزمات، لكن على خلاف العلاقات السعودية الأمريكية التي تشهد وجود نخب على الجانبين ولوبيات نفوذ ومصالح عاملة لأجل إدامة التحالف الاستراتيجي، فإن العلاقات المصرية الخليجية تفتقد إلى نخب التفكير الاستراتيجي التي تعمل بمؤسسية، وانتظام، وبؤر البحث والتفكير، التي يمكنها أن تلعب دور منصات لإطلاق الأفكار والمشاريع لبث الروح والنشاط في هذه العلاقات، ويبدو أن هناك عزوفًا رسميًا عن الاستثمار في هذا النوع من النشاط البحثي رغم أهميته. وبعيدًا عن مواقف بعض الكتاب والمثقفين الذين قد يتخذوا مواقف ناقدة ضد الأنظمة الحاكمة فى الخليج. وبعيدًا عن بعض النخب في الخليج التي يستصحب العديد منها مواقف متحاملة أو متربصة ضد مصر، انطلاقًا من عواطف إخوانية، أو توجهات عولمية، وباستثناء كتّاب المجاملات والإنشاء والمديح، ليس هناك نخبة تعمل على البناء الاستراتيجي في العلاقات. وفي الأغلب هناك عقد ومركبات نقص وذكريات وانطباعات شائعة لا تقدم في الأغلب صورة جيدة عن الآخر. فهناك مدركات سلبية لدى بعض القطاعات من النخبة السياسية والإعلامية المصرية بشأن الخليج، ناتجة عن شيوع انطباعية جامدة لا تتغير، رغم التغير الهائل في دول الخليج، وهناك نظرة سلبية للمال الخليجي، ويشعر بعض المصريين بالاستفزاز من بعض السلوكيات الخليجية الاستهلاكية، وتنتشر مقولات عن المعلم المصري الذي علَّم الخليج، وأفضال مصر على الخليج، وليس هناك معرفة مصرية كافية بمدى التغير العلمي والتعليمي والثقافي والفكرى، الذي حققته دول الخليج في مجالات متعددة. وعلى جانب الخليج هناك أيضًا تصورات ومدركات سلبية عن مصر لدى قطاعات من النخبة التي تعلمت في الغرب خصوصا، فمصر لا زالت دولة وكيانًا يصعب تجاهله، ولا تزال تمتلك الإشعاع الثقافي رغم التراجع الاقتصادى، ولديها من الخصوصية والقوة ما يمكنها من فرض وجودها فى كل الأحداث الإقليمية. ويمكن القول أن بعض عناصر النخبة الخليجية الجديدة التي تعلمت في الغرب تميل إلى تجاهل حقيقة مكانة ودور مصر الثقافي والحضاري في الأمة العربية، ولديهم إحساس بأنهم الأكثر تواصلا مع العالم، وأن فى مقدورهم تجاوز مصر والاستغناء عنها أو عن دورها، غير أن الأمانة تقتضى هنا أن نشير إلى أن هذا يظل محدودا ولا ينعكس إلا في كتابات نفر قليل من عناصر تلك النخبة. ولعل من أهم نتائج المدركات السلبية المتبادلة بين النخب على جانبي مصر والخليج، أنه الآن أصبحت رؤى القيادات السياسية والأنظمة أكثر تطورًا من مدارك النخبة، بل تبدو النخب وكأنها تجاهد لملاحقة التطورات في فكر القيادات، وأنه في الوقت الذي لا تزال فيه قرائح النخب مترددة، وتحيط أطروحاتها بالكثير من عناصر التشكيك وضعف الثقة، فإن تطورات العلاقات الرسمية بين الجانبين تتجاوز الكثير من العقد. وهو ما يجعل العلاقات تدخل أحيانًا في مطبات شديدة وعنيفة، بسبب الإدراكات والانفعالات غير المبررة للنخبة، وتجد الأنظمة السياسية نفسها في مواجهتها فجأة، ومن دون قصد أو سابق إنذار، بسبب بعض عناصر النخبة، التي بعضها لا يعرف، أو ربما يعرف، ولكن ليس لديه تقدير للمصالح الوطنية لبلاده. 4- نقص المنتديات واللقاءات والخبرات: ينتج أغلب مشكلات العلاقات المصرية – الخليجية من النقص في تلاقح القدرات، والتواصل العلمي والبحثي والسياسي، وعلى سبيل المثال، فإنه بينما شهدت العقود الماضية عقد مئات ورش العمل، والندوات الخاصة بالعلاقات الأمريكية الخليجية، وبعلاقات دول المجلس بحلف الناتو، فإنه يندر العثور على مؤتمر، أو ندوة، أو ورشة عمل بحضور مصري خليجي مشترك بين الجانبين، ولذلك ليس غريبا أن يستغرب الكثيرون في مصر من المواقف الخليجية من سوريا، والتشدد الخليجي في التمسك بمطلب الإطاحة بالرئيس الأسد، ويرون ذلك تدخلا في الشئون الداخلية لدولة مستقلة، بينما بعض الخليجيين يستهجنون الموقف المصري الفاتر إزاء دعمهم في اليمن، أو موقف مصر المخالف لوجهة النظر الخليجية في سوريا، ويرون ذلك "نكرانًا للجميل"، بينما يشير بعض المصريين أن الدعم الخليجي لا يعني التوافق مع الخليج في كل شيء، ولا يعني بيع موقف مصر والتبعية للخليج. وما لم يجر التبادل في الخبرات، وإيجاد أرضية للتفاهم المشترك والتباحث، بالإقناع عبر رواق وبيت سياسي ثقافي مصري خليجي، فسوف تظل هذه الإشكاليات قائمة عند كل أزمة مستقبلية، وما أكثرها. لذلك تبدو الحاجة إلى بناء منتديات فكرية وثقافية تؤسس وتجدد هذه العلاقات وتحافظ على الأصول، وتطلع كل جانب على صورة الآخر الحقيقية، وليس الانطباعات المتراكمة، التي لم تعد صحيحة على الإطلاق. ثالثاً: التأسيس الاستراتيجي للعلاقات إذا كان هناك من سعي جدي للتأسيس الاستراتيجي لعلاقات مصرية - خليجية على أسس صحيحة تتجاوز عقد وأخطاء الماضي، وتنطلق من إدراك حيوية هذه العلاقات للأمن المتبادل، وأن الخليج ومصر هما بالأساس دعامتا العالم العربي، فإن هناك مجالات ثلاثة أساسية للتحرك المشترك خلال الآجال القصيرة، والمتوسطة والبعيدة: 1- في الأجل القصير: التفاهم الاستراتيجي في القضايا العاجلة: فهناك قضايا حالة وعاجلة في العلاقات الخليجية المصرية، تتعلق بالحوار حول الحالة الراهنة للمنطقة العربية، ووضعية تنامي العنف والظواهر الإرهابية والتصدي لتيارات الخروج على الدولة ونشر الفوضى، والسؤال الأساسي الذي يثار هنا هو: هل الحالة الراهنة واستمرار دعم جماعات الجهاد يمكن أن ينتهي بسوريا موحدة تحت أي نظام كان؟ وهل هناك قدرات لضبط الأوضاع في سوريا بما يحقق المصلحة العربية إذا جرت الإطاحة بنظام الأسد؟. وثانيًا إذا لم يكن لدى العرب قدرة على فرض موقف على الولاياتالمتحدة لأجل بناء تحالف يطيح بنظام الأسد، وإذا كانت المواجهة العربية للتدخل العسكري الروسي يمكن أن تقود إلى مواجهات عبثية مع روسيا وإيران، ومعارك ممتدة لو سعت الدول العربية لتكرار سيناريو دعم الجهاد أمام "قوات الغزو" الروسية، فهل من الأجدى التمسك بذات المواقف؟. وإذا كان من الممكن التسليم بضرورة الإطاحة بالنظام السوري، أليس من الأجدى أن يطرح ذلك كهدف مستقبلي؟ وهل وضع العرب تصورات لضبط الأحوال في سوريا في فترة سقوط النظام؟ وهل جرى التفكير في إسرائيل في ظل كل هذه السيناريوهات؟ هنا من المهم التأسيس لحوار استراتيجي مصري خليجي، قائم على رسم سيناريوهات المستقبل في ضوء الأخطار القائمة، وفي ظل الاستمرار في المواقف الراهنة، أو مسارات تغييرها المتعددة، وكيف يمكن إعادة تأهيل سوريا للتعايش ضمن محيط الارتكاز. الاستراتيجي العربى، وليس التموضع ضمن الهلال الشيعي. وضمن السياق نفسه، يمكن استنساخ أنماط حوارية من تلك العينة في مختلف قضايا الخلاف المصرية السعودية، والمصرية الخليجية كبداية للتوفيق بين أطر التفكير الاستراتيجي، بشأن مواجهة الإرهاب، وحفظ الأمن الداخلي، والكيان الوطني للدولة. وفي مثل هذه النوعية من الحوارات، لا تكفي الحوارات الرسمية بين وزارات الخارجية التي تتسم في الأغلب بالدبلوماسية، كما لا تكفي الحوارات بين أجهزة الاستخبارات والأمن التي تغرق في الدقائق والمعلومات، وتقلص قدرات الخيال، والتفكير الاستراتيجي، وإنما ينبغي الاستناد إلى حوارات خلفية بين النخب السياسية والثقافية التي تقوم بأدوار القوة الناعمة في العلاقات، وتعمل على الإقناع بالمواقف، والوصول إلى حلول وسط في فسحة من التفكير الهادئ. 2- في الأجل المتوسط: تأسيس منتدى للتفكير الاستراتيجي المشترك: صحيح أن العلاقات العربية بشكل عام لها العديد من الأطر المؤسسية التي تضطلع بمهمة التفكير والحوار متعدد الاهتمامات، وهناك مراكز دراسات عربية تهتم بالحال العربي بشكل عام، ولكن تتسم جهود مراكز الدراسات العاملة في المنطقة بالمغالاة في المناطقية، والتركيز على دراسات الحالة، وليس على العلاقات البنائية المشتركة، وتنتشر مراكز الدراسات الوطنية التي تبحث في المصلحة الوطنية البحتة بنظرة ضيقة الأفق، أو مراكز الدراسات والتفكير التي تتجاوز الحالة الوطنية، وتقترب جهودها من التحليق في الإطار العربي العام، ومن ثم تبتعد عن مجال التنفيذ وتقديم التوصيات الإجرائية والعملية، وهنا من المهم لمراكز الدراسات والأبحاث المصرية والخليجية أن تسعى لسد الفجوات القائمة في التفكير البيني، عبر شراكات بحثية على جانبي الخليج ومصر، لأنه وعلى مدى ما بين 10 – 20 عامًا تحتاج - المنطقة العربية، والاستقرار السياسي على جانبي مصر والخليج - إلى تحالف استراتيجي متعدد الأوجه. ويمكن لهذا المنتدى الاستراتيجي أن يعقد ورش عمل، وندوات عالية التخصص، يطرح من خلالها أفكار عملية للقادة بشأن إمكانات، وأشكال وصور التعاون العسكري والمدني في الدول العربية المنهارة خلال الفترة المقبلة، وتوزيع المهام والأدوار في مناطق الأزمات العربية، وسبل الحفاظ على قوة الدفع فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في ظل فترة الاضطراب العربي، وكيف يمكن التعامل مع سوريا ما بعد الأسد، ونوعية المشاركات العسكرية في أماكن النزاعات العربية، وكيفية تفكيك تنظيمات الجهاد المتعددة والمنتشرة على امتداد العالم العربي، وأفضل السياسات المقترحة لمواجهة التطرف، وأشكال التعاون المطلوبة في الفترة المقبلة لحماية جيل الشباب من غواية أفكار العنف والتطرف، وسبل مواجهة كتائب الجهاد المتوقع عودتها من سوريا، وقطع خطوط اتصالها بمثيلاتها في اليمن، وليبيا، والعراق، ولبنان. وعلى غرار ذلك عشرات القضايا التي تشغل مستقبل مصر ودول مجلس التعاون الخليجي معًا. 3- في الأجل البعيد: التأسيس العلمي والتعليمي للعلاقات: ويتطلب ذلك إدخال الترابط والتشبيك بين أنظمة التعليم ومراكز العلم والجامعات والمناهج الدراسية، ضمن خطط إعادة البناء والإصلاح. فكل من مصر ودول الخليج معرضة لأخطار شديدة، وموجات متعاقبة ومتكررة من العنف الداخلي، يصعب تحديد فترة محددة لنهايتها، على مدى سنوات طويلة. وإزاء ذلك من المهم العمل على مدى زمني بعيد لتغيير أفكار الشباب، والتركيز على تأكيد القيم الوطنية، وفي ظل ذلك من المهم عدم الاكتفاء فقط بدراسة جغرافيا الدول العربية وتاريخ المنطقة، وإنما التاريخ والبنيان السوسيولوجي والاجتماعي والوطنى، وتكريس الدراسات والمناهج التي تشكل عقلية ووعي الأجيال الجديدة بأهمية الآخر، والتوعية بخصوصياته الاجتماعية والسياسية. ويتطلب ذلك كبداية إعداد دورات و"كورسات" مشتركة وعاجلة لبعض النخبة من الشباب على الجانبين. فإذا كانت تجارب ودعوات الوحدة العربية قد تراجعت إزاء حالة اضطراب عربي عام، فعلى الأقل العمل على دعم البنيان المركزي في المنطقة، الذي يتضمن دول مثل: مصر، ودول الخليج، والأردن، والمغرب. وهناك عشرات الأفكار التي يمكن العمل عليها ضمن هذا السياق.