لم يكن قد مر على وصولى للدار البيضاء سوى ساعات قليلة حين رأيت الرجل على غذاء ضم عددا من الأكاديميين والكتاب ورجال الأعمال من بلدان عربية مختلفة، وكان السياسى الوحيد بيننا. كانت زيارتى الأولى للمغرب، وكنت أعرف الرجل شكلا دونما لقاء سابق، ولفت نظرى بساطته وقدرته على الاشتباك فى الحديث والسير به فى اتجاهات وقضايا يعز على السياسيين الخوض فيها. قضيت أسبوعين بالمغرب فى لقاءات وزيارات ومناقشات فى الشارع وبين النخبة، وحين أردت عمل جرد أو حساب ختامى للرحلة كانت النتائج كلها تقول إننى قد أحتاج فى الزيارة المقبلة لموعد مسبق من مكتب رئاسة الوزراء قبل لقاء آخر مع سعد الدين العثمانى، الذى أكتب عنه الآن، ولم يزل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذات التوجهات الإسلامية. سعد الدين العثمانى إذا أردت اختصار الحديث عنه بكلمات ربما كان الزعيم السياسى الوحيد الذى يملك هو وحزبه الكائن بحى الليمون وسط العاصمة الرباط أهم مفاتيح المشهد السياسى المنتظر فى بلد كالمغرب يبيت ناسه وليس لهم هم إلا انتظار التغيير، وقراءة سيرته ومسيرته العلمية والحركية ومعرفة رؤيته السياسية كل هذا كفيل إذا وضع فى السياق الراهن للمغرب بأن يؤكد أن الرجل هو فرس الرهان القادم، وحامل المفاتيح التى يمكنها فك شفرات المشهد السياسى الغارق فى القلق وترقب الانتظار. فالعثمانى ومعظم قيادات وكوادر العدالة والتنمية وربما بقية التنظيمات الإسلامية الأخرى مثل العدل والإحسان ومرشدها عبدالسلام ياسين من أصول أمازيغية، ومن ثم فمشكلة التعدد والتنوع وحقوق الأقليات اللغوية والعرقية لا تمثل لهم هاجسا كالذى تعانيه بقية الحركات الإسلامية فى البلاد العربية الأخرى بما فيها جارتهم الجزائر، وهو ما أتاح لهم تفكيك هذا اللغم ومنع مصادرة هذه القضية لمصلحة التيار العلمانى التغريبى، لذلك كان إسلاميو المغرب أقدر التيارات السياسية على إدارة هذا الملف بما يعيد بوصلة الحركة الأمازيغية إلى الداخل بعيدا عن الاحتماء بالخارج، فى ظل توافق عام مع جميع التيارات الأخرى على حماية ورعاية التنوع والتعدد ضمن وحدة التراب المغربى. مفاتيح الحل، التى يملكها العثمانى لا يستمدها من الجذور والأصول فقط، فتتبع سيرته ومسيرته يمكن أن يرسم صورة أكثر وضوحا للرجل المنتظر؛ فهو أحد القيادات التاريخية للحركة الإسلامية، التى صارت الرقم الأهم فى المعادلة السياسية الحالية، وليس طارئا عليها، ولعب دورا تاريخيا يعطيه من المشروعية ما لا يحظى به كثيرون التحقوا بالإسلامية بعدما أقلع القطار وتأكدت صحة الوجهة، وكان فى قيادته للحركة قادرا على معرفة حركة واتجاه الريح، وإدارة الدفة وسط الأمواج العاتية.