الحوار الوطني يناقش التحول من الدعم العيني إلى النقدي اليوم    غدا.. بدء صرف السلع المدعمة على البطاقات التموينية لشهر أكتوبر    اتجاه لتعميم مبادرة طرح «بيض المائدة» ب150 جنيهًا    حريق ضخم في مختبر كيميائي بولاية جورجيا.. إخلاء المنطقة وإغلاق الطرق    موقف الزمالك من تجديد عقد جوميز.. وسبب غضبه قبل مباراة السوبر الإفريقي    حالة الطقس اليوم.. سقوط أمطار ليلا وانخفاض في درجات الحرارة    اصطدام «توكتوك» بتريلا ومصرع سائقه في المنوفية    ملخص مسلسل برغم القانون الحلقة 12.. زوج إيمان العاصي يحاول إنهاء حياته    اغتيال أحد قادة حماس وعائلته في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    4 شهداء وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على دير البلح بقطاع غزة    زيادة قيمة الدعم النقدي في مصر.. ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية    القبض على أربعة متهمين بتلفيق سحر للاعب مؤمن زكريا: الحقيقة الكاملة وردود الفعل القانونية والدينية    موعد مباراة النصر السعودي ضد الريان اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    ضربات سريعة في القلب.. القصة الكاملة لدخول وخروج محمود كهربا من المستشفى اليوم    «هيئة الدواء» : شراكة استراتيجية مع«الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 30 سبتمبر    أوصى ببناء مقام.. سيدتان تدفنان دجالًا أسفل سريره تبركًا به في الفيوم    من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية فى صناعة الأدوية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    مصرع 4 أشخاص جراء مشاجرة على قطعة أرض بأسيوط    على عاطف يكتب: سياسة واشنطن إزاء إيران حال فوز ترامب أو هاريس    موظف أمام «الأسرة»: «مراتى عايزة 4 آلاف جنيه شهريًا للكوافير»    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    السعودية تعرب عن قلقها البالغ من تطور الأحداث في لبنان    الأهلي يلجأ للطب النفسي بعد خسارة السوبر الأفريقي (تفاصيل)    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د . أحمد صبحي منصور يكتب : عمر بن عبد العزيز فريد عصره
نشر في شباب مصر يوم 06 - 06 - 2016


د . أحمد صبحي منصور
( عصر تقسيم العالم إلى معسكرين )
1 وسط بحور الدماء في الصراع بين
( العرب ) وغيرهم شرقا في آسيا وغربا
( دار الحرب ) ، وفى صراع الأمويين مع خصومهم في الداخل ( في دار السلام ) ظهر على السطح شخصية فذّة تثبت إمكانية الإصلاح جاء عمر بن عبد العزيز : فريد عصره .
2 هو فريد عصره لأنه من الصعب جدا القيام بإصلاح وأنت قائد لقلعة تم تأسيسها على يد الخلفاء الفاسقين أصحاب الفتوحات ، من عظام وأشلاء ودماء مئات الألوف من البشر ، وتم تسويغ ذلك بالدين ، فكيف يمكن بالدين أن تُصلح هرما من الظلم والبغي ؟ ثم إن هذا الهرم كان متسقا مع ثقافة العصور الوسطى وجهالتها ، تلك الثقافة التي آمن بها أولئك الخلفاء الفاسقون وبها تمكنوا من تغييب شريعة الإسلام ، وإحلال شريعة العصور الوسطى تحت اسم الإسلام
من السهل على الفرد العادي المسئول عن نفسه تطبيق الإسلام عقيدة وشريعة أن يطهر قلبه من تقديس البشر ، لأن كل البشر يتبولون ويتغوطون ويبكون ويصرخون ويمرضون ويموتون ، ومن السهل عليه أن يطبق الإسلام سلاما وإحسانا فى تعامله مع الناس ، بأن يخاطب جانب الخير في كل الناس ، وبأن يرد السيئة بالتي هي أحسن فإذا بخصمه يضطر الى أن يتراجع ويتصرف كأنه ولىّ حميم :
( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت ). ولكن من الصعب جدا أن تقوم بإصلاح قلعة تأسست من الظلم . هي معركة انتحارية ، نتيجتها حاسمة ، أن القلعة ستقتلك ، وتعود إلى سيرتها الأولى . هذا بإيجاز هي ملحمة هذا الرجل الرائع عمر بن عبد العزيز ، الذي ظلموه فجعلوه خامس الخلفاء الراشدين ، وهو لا ينتمي إليهم ، فهم خلفاء فاسقون ، بل أفظع ، لأنهم روّاد البغي والظلم والفتوحات التي أسبغوا عليها اسم الإسلام ظلما وزورا وفجورا . من الظلم وضع عمر بن عبد العزيز مع أولئك الخلفاء الفاسقين ، لا فارق بين الراشدين أو الأمويين . لذا فهو فريد عصره
3 تنقية الروايات المكتوبة في ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) عمل علمى ثقيل ولذيذ ، فالروايات عنه تكاثرت بمرور القرون ، وفيها الخيالي وفيها الواقعي ، وفيها التضارب ، وفيها خرافات العلم بالغيب ، وفيها المبالغات ، وفيها ما يتفق مع ثقافة العصر . شخصية عمر بن عبد العزيز المتفردة والتي لم يسبقها أحد ولم يلحقها أحد كانت مُغرية للقُصّاص وللوُعّاظ فى العصر العباسى ، وهو عصر التدوين ، فالذي يريد الاحتجاج على ظلم الخلفاء العباسيين في عصره يؤلف قصة عن عمر بن عبد العزيز تخاطب الخليفة الظالم وتعظه ، وتقول له بطريق غير مباشر : (إنك أيها الخليفة العباسي الهاشمي لم تصل إلى عدل ذلك الخليفة الأموي ). ووصلت جاذبية عمر بن عبد العزيز إلى فقهاء العصر العباسى ، فنسبوا له أقوالا فى مسائل فقهية لم تكن متداولة أو حتى لم تكن معروفة في العصر الأموي ، ولم يكن لديه متسع من الوقت فى حكمه القصير ووسط مسئولياته الضخمة أن يتحدث فيها
4 لسنا هنا في معرض التفصيل ، ولكن نستشهد ببعض الروايات الكاذبة التي ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى فى ترجمته لعمر بن عبد العزيز : ( قال عمر بن الخطاب ليت شعري من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلا كما ملئت جورا )
( قال رأيت في المنام رجلا قاعدا عن يمينه رجل وعن شماله رجل إذ اقبل عمر بن عبد العزيز فأراد ان يجلس بين الذي عن يمينه وبينه قال فلصق بصاحبه فدار فأراد أن يجلس بينه وبين الذي عن يساره فلصق به فجذبه الأوسط فأقعده في حجره قال قلت من هذا قالوا هذا رسول الله وهذا أبو بكر
وهذا عمر ) ( كنت اسمع بن عمر كثيرا يقول ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر فيوجهه علامة يملا الأرض عدلا )
(قال ابن عمر إنا كنا نتحدث أن هذا الأمر لا ينقضي حتى يلي هذه الأمة رجل من ولد عمر يسير فيها بسيرة عمر بوجهه شامة قال حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال يزيد ضربته دابة من دواب أبيه فشجته قال فجعل أبوه يمسح الدم ويقول سعدت إن كنت اشج بني أمية ) ( قال سمعت سعيد بن المسيب وسأله رجل فقال له يا أبا محمد من المهدي فقال له سعيد ادخلت دار مروان قال لا قال فادخل دار مروان تر المهدي قال فأذن عمر بن عبد العزيز للناس فانطلق الرجل حتى دخل دار مروان فرأى الأمير والناس مجتمعين ثم رجع إلى سعيد بن المسيب فقال يا أبا محمد دخلت دار مروان فلم أر أحدا أقول هذا المهدي فقال له سعيد بن المسيب وانا اسمع هل رأيت الأشجع مر بن عبد العزيز القاعد على السرير قال نعم قال فهو المهدي )
(سمعت محمد بن علي يقول النبي منا والمهدي من بني عبد شمس ولا نعلمه الا عمر بن عبد العزيز ) ( قال قلت لمحمد بن عليان الناس يزعمون ان فيكم مهديا فقال ان ذاك كذاك ولكنه من بني عبد شمس قال كأنه عنى عمر بن عبد العزيز ) ( حدثنا مالك بن دينار قال لما استعمل عمر بن عبد العزيز على الناس قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس قيل لهموما علمكم بذاك قالوا انه إذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا ) ( راع كان لمحمد بن أبي عيينة قال كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاء والذئاب والوحش ترعى في موضع واحد فبينا نحن ذات ليلة اذ عرض الذئب لشاة فقلنا ما أرى الرجل الصالح الا قد هلك )
(قالت فاطمة بنت عبد الملك، رحمها الله، امرأة عمر: لما مرض عمر اشتد قلقه ليلة، فسهرنا معه، فلما أصبحنا أمرت وصيفاً له يقال له مرثد ليكون عنده، فإن كانت له حاجة كنت قريباً منه، ثم نمنا، فلما انتفخ النهار استيقظت فتوجهت إليه فرأيت مرثداً خارجاً من البيت نائماً، فقلت له: ما أخرجك؟ قال: هو أخرجني، وقال لي: إني أرى شيئاً ما هو بإنس ولا جن، فخرجت فسمعته يتلو: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} القصص: 83. قالت: فدخلت فوجدته بعدما دخلت قد وجه نفسه للقبلة وهو ميت.) ( بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز اذ سقط علينا رق من السماء فيه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار )
أولا كيف وصل هذا الرجل المتفرد إلى العرش المأوى ؟
1 كان مستحيلا أن يلي الخلافة شخص خارج أبناء عبد الملك بن مروان عبد الملك هذا بجبروته قتل عمرو بن سعيد الأشدق لكي يجعل الخلافة في أولاده ، ولنفس السبب كان على وشك التخلص من أخيه عبد العزيز . فكيف يصل ( عمر بن عبد العزيز بن مروان ) للحكم في وجود أبناء عبد الملك ؟ والذي لم يصل إليه مسلمة وهو أنجب أبناء عبد الملك ؟الجواب في الخليفة سليمان بن عبد الملك .
2 وقف عمر بن عبد العزيز ضد ابن عمه الخليفة الوليد بن عبد الملك حين أراد خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ، وتعرض عمر للأذى والسجن بسبب موقفه هذا . وكان الوليد قد حاول إرغام سليمان على التنزل فرفض ، وأيّد الولاة الأقوياء خلع سليمان ، وأهمهم الحجاج بن يوسف وآله ، وقتيبة بن مسلم الباهلى الفاتح فى تخوم الصين ، وعبد العزيز بن موسى بن نصير الذي وطّد حكم الأمويين في الأندلس بعد أن استوثق الخليفة الوليد من تأييد كبار دولته أرسل إلى سليمان ليأتيه ، تقول الرواية : ( فكتب الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم عليه، فأبطأ، فعزم الوليد على المسير إليه ليخلعه ..فمات قبل أن يسير إليه.). وعن موت الوليد المفاجئ وتولية سليمان تقول الرواية عن أحداث عام 96 : ( وفي هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي توفي فيه الوليد وهو بالرملة.) .
3 البلاط الأموي تخصص في فنون التآمر من عهد معاوية ، وكان التخلص من الخصوم بالسُّم وغيره أيسر وسيلة ، ووصل هذا إلى داخل البيت الأموي نفسه ، بقتل معاوية الثاني ، ثم بقتل مروان بن الحكم ، وبهذا مات فجأة الخليفة الوليد ، وهو على وشك عزل أخيه سليمان
4 سليمان بن عبد الملك كان عريقا فى التآمر ، وكان حقودا محبا للانتقام وبينما كافأ ابن عمه عمر بن عبد العزيز فإنه افتتح خلافته بالانتقام من الولاة الذين أيدوا خلعه . ونجا الحجاج من انتقامه ، إذ مات قبل أن يتولى سليمان الحكم ، فلم يجد سليمان وسيلة سوى الانتقام من آل الحجاج ، فسلّط عليهم خصومهم من آل المهلب . تقول الرواية عن عام 96 أول حكم سليمان بن عبد الملك : (وفيها عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق واستعمل يزيد بن المهلب ، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج ، وأمره بقتل بني عقيل وبسط العذاب عليهم وهم أهل الحجاج، فكان يعذبهم ويلي عذابهم عبد الملك بن المهلب ). ووصل انتقامه إلى أقصى الشرق فقتل بمؤامرة قتيبة بن مسلم أكبر قائد في أقصى الشرق عام 96 . وقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير في الأندلس في أقصى الغرب عام 97 .
5 وسليمان بن عبد الملك في عراقته بالتآمر أكتشف حركة الشيعة الكيسانية السرية ، وأستدعى أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ( حفيد على بن أبى طالب ) و ( أكرمه وقضى حوائجه ) ثم وضع له في الطريق (من وقف على طريقه فسمّه في لبن. ) . ولما أحس أبو هاشم بالسّم وأيقن موته سار إلى ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) وأفضى إليه بأسرار التنظيم العنقودي ، وكلفه بتولي أمره . وهذا التنظيم العنقودي الذي كان يدعو سرا غالى ( الرضي من آل محمد ) هو الذي تمكن في النهاية من إسقاط الدولة الأموية .
6 ودفع سليمان الثمن مبكرا في عام 98 ، تقول الرواية : ( بايع سليمان لابنه أيوب بولاية العهد، فمات أيوب قبل أبيه ) . مات هذا الشاب مبكرا ، ثم ما لبث أن لحقه أبوه الخليفة سليمان عام 99 ، تقول الرواية : (في هذه السنة توفي سليمان بن عبد الملك بن مروان لعشر بقين من صفر، فكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام،فتكون ولايته سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام ) . أحسّ بالسُّم الذي سقاه لضحاياه، فكان انتقامه الأخير بأن يجعل ولى عهده (عمر بن عبد العزيز). وبهذا تولى عمر بن عبد العزيز ، وتحقق المستحيل .!!
7 وحاول عمر بن عبد العزيز تحقيق مستحيل آخر ، هو إصلاح قلعة الظلم التي أسسها الخلفاء الفاسقون ، فلقي عمر بن عبد العزيز حتفه أيضا بالسّم عام 101 تقول الرواية : ( توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة.. )
( مات عمر بن عبد العزيز لعشر ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر) . كانت خلافة سليمان سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام )وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز (سنتين وخمسة أشهر ) ، وكلاهما مات في شبابه مسموما
ثانيا : عمر بن عبد العزيز في خلافته :
1 وضع منهاجه السياسي في أول خطبة له قالها في عبارات قصيرة واضحة ، تقول الرواية : ( خرج الى المسجد فصعد المنبر فحمد الله واثني عليه ثم قال أما بعد فانه ليس بعد نبيكم نبي ، ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب . إلا إن ما احل الله حلال إلى يوم القيامة وما حرم الله حرام إلى يوم القيامة إلا أني لست بقاض ولكني منفذ إلا إني لست بمبتدع ولكني متبع إلا انه ليس لأحد أن يطاع في معصية الله إلا إني لست بخيركم ، ولكني رجل منكم ، غير أن الله جعلني أثقلكم حملا )لم يكن وقتها كلام عن مصدر آخر غير القرآن الكريم ، هذا من الناحية الدينية ، أما من الناحية السياسية الإسلامية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . وأكد على ذلك :
( قام في مسجد دمشق ثم نادي بأعلى صوته : لا طاعة لنا في معصية الله )وأرسل كتابا بنسخة واحدة لكل الولاة وبدأ مبكرا بتطبيق العدل والسلام :
ثانيا : العدل
1 كتب عمر إلى والى الكوفة :
( أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين العدل والإحسان ) ومنع أشكالا من الضرائب : فقال : ( ولا تأخذن أجور الضرابين ولا هدية النوروز والمهرجان ولا ثمن الصحف، ولا أجور الفتوح ولا أجور البيوت، ولا درهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض ) الى أن قال له : ( ولا تعجل بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه ) ، كان للوالي الأموي قتل من يشاء أخذا بسنة زياد وابن زياد والحجاج فمنع ذلك عمر بن عبد العزيز
وكتب إلى والى المدينة بالمساواة بين الأمويين وبقية الناس : ( ولا يكن احد من الناس اثر عندك من احد ، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين ، فان أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء. بل آنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون من نازعهم)
2 واستبشر أهل البلاد المفتوحة خيرا
قال أهل سمرقند للوالي سليمان بن السرى : ( قتيبة ظلمنا وغدر بنا فأخذ بلادنا، وقد أظهر الله العدل والإنصاف فأذن لنا فليقدم منا وفد على أمير المؤمنين. فأذن لهم، فوجهوا وفداً إلى عمر. ) وقابل الوفد الخليفة عمر ، فكتب عمر إلى سليمان:
( إن أهل سمرقند شكوا ظلماً وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرج العرب إلى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة) وحكم القاضي بخروج عرب سمرقند إلى معسكرهم
3 وتوافدت الوفود من البلاد على دمشق ترجو الإنصاف ، فكان ينصفهم ويقول لهم :
( الحقوا ببلادكم فاني أذكركم أمصاركم وانساكم عندي إلا من ظلمه عامل فليس عليه مني إذن فليأتني ) ، وظل هذا التوافد إلى آخر عهده ، ففي آخر خطبة قال للناس : ( ايها الناس الحقوا ببلادكم فاني أذكركم في بلادكم وانساكم عندي الأواني قد استعملت عليكم رجالا لا أقول هم خياركم ولكنهم خير ممن هو شر منهم ، فمن ظلمه عامله بمظلمة فلا إذن له علي) أي أن يأتي ويدخل بلا استئذان
4 وتقول الرواية : ( لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل ارض ووضع الجزية عن كل مسلم ) كان الأمويون يأخذون الجزية من أهل البلاد المفتوحة حتى من أسلم منهم ، فمنع ذلك ، وكتب إليه ابن شريح والى مصر : (إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية ، فكتب إليه عمر أما بعد فان الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا فإذا أتاك كتابي هذا فان كان من أهل الذمة أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية فاطو كتابك واقبل ) أي عزله ورفض عمر امتحان من أسلم بالختان ، وقال :
(أنا أردهم عن الإسلام بالختان ؟
لو اسلموا فحسن إسلامهم كانوا إلى الطهرة أسرع فاسلم على يده نحو من أربعة آلاف ). وولى على شمال أفريقيا ( إسماعيل بن عبد الله ،وكان حسن السيرة، فاسلم البربر في أيامه جميعهم)
ثالثا : رد المظالم :
استأثر بنو أمية بالضياع ، واغتصبوا الأموال والعقارات من أصحابها ، ولتحقيق العدل كان التحدي الأكبر في إرجاع هذا كله الى بيت المال سواء كان مسلوبا فى عهد معاوية أو بعده
1 وبدأ عمر بنفسه وزوجته بمجرد بيعته تقول الرواية : ( فلما استقرت البيعة لعمر بن عبد العزيز قال لأمرأته فاطمة بنت عبد الملك: أن أردت صحبتي فردي ما معك من مال وحلى وجوهر إلى بيت مال المسلمين فإنه لهم، فإني لا أجتمع أنا وأنت وهو في بيت واحد. فرددته جميعه) ( ان عمر بن عبد العزيز لما استخلف نظر إلى ما كان لهمن عبد والى لباسه وعطره وأشياء من الفضول فباع كل ما كان به عنه غنى فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار فجعله في السبيل )
( لما رد عمر بن عبد العزيز المظالم قال انه لينبغي أن لا أبدا بأول من نفسي فنظر إلى ما في يديه من ارض أو متاع فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم فقال هذا مما كان الوليد بن عبد الملك اعطانيه مما جاءه من ارض المغرب فخرج منه ) (رأيت عمر بن عبد العزيز بدا بأهل بيته فرد ما كان بأيديهم من المظالم ثم فعل بالناس بعد )
2 وشمل هذا كل المظالم القديم منها والحديث : ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم من لدن معاوية إلى أن استخلف، اخرج من أيدي ورثة معاوية ويزيد بن معاوية حقوقا .) وشمل هذا كل الولايات : ( كتب إلينا عمر بن عبد العزيز بالعراق في ردا لمظالم إلى أهلها فرددناها )
3 ولم يكن المظلوم محتاجا لإثبات قاطع : ( وكان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة كان يكتفي بأيسر ذلك إذا عرف وجها من مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق البينة لما كان يعرف من غشم الولاة )
4 وإذا مات صاحب الحق يعطيه لورثته سواء كان صاحب الحق مسلما أو غير مسلم ، فكتب إلى والى المدينة : ( أن استبرىء الدواوين فانظر إلى كل جور جاره من قبلي من حق مسلم أو معاهد فرده عليه فان كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا فادفعه إلى ورثتهم )، واستمر يعيد الحقوق لأصحابها إلى أن مات : ( ما زال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات ),
5 هذا بالإضافة إلى إصلاحات في أحوال المساجين وبناء خانات لأبناء السبيل وترك سب ( علي بن ابى طالب ) على المنابر
ثالثا : السلام ووقف الحروب :
1 بدأ خلافته بعودة جيش مسلمة الذي كان يحاصر القسطنطينية ، وأن ينسحب من أرض الروم .وأمر أهل طرندة بالقفول عنها إلى ملطية وكانت طرندة تتبع الروم ، وقد استولى عليها الأمويون وأسكنوها مقاتلين عام 83 ، فأمرهم عمر بن عبد العزيز بالانسحاب منها . أي أوقف الحرب بين
( دار السلام ضد دار الحرب )
ونفس الحال في الشرق ، أوقف الحروب هناك و ( كتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم جيشه بن ذاهر، والملوك تسموا له بأسماء العرب وبقي ملوك السند مسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد ابن عبد الملك، فلما كان أيام هشام ارتدوا عن الإسلام ).
2 وهو اختيار للسلام قائم على القوة ، وليس الضعف ، وعندما أغار ( الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة، فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير، وقدم على عمر منهم بخمسن أسيراً )
رابعا : مع الأمويين
1 اعترضوا فهددهم بالتنازل عن الخلافة وأن يُرجعها شورى ، تقول الرواية : ( جاء بنو مروان إلى عمر فقالوا انك قصرت بنا عما كان بنا من قبلك وعاتبوه، فقال : لئن عدتم لمثل هذا المجلس لأشدن ركابي ثم لأقدمن المدينة ولاجعلنها أو اصيرها شورى ) ووسطوا عمته فلم تنجح وساطتها عنده وكان أحيانا يهددهم بالقتل ، تقول الرواية : ( أتى عمر بن عبد العزيز كتاب من بعض بني مروان فأغضبه فاستشاط غضبا ، ثم قال : إن لله في بني مروان ذبحاوايم الله لئن كان ذاك الذبح على يدي ." فلما بلغهم ذلك كفوا ، وكانوا يعلمون صرامته وانه إذا وقع في أمر مضى فيه )
2 وواقع الأمر أنه كان يتحاشى أن يلجأ إلى سفك الدماء . وقد طلب منه ابنه عبد الملك أن يقيم العدل بالقوة ، فقال له : ( يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ، ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف )!
أخيرا سبب قتل عمر بن عبد العزيز
1 خرج شوذب الخارجي ، وأمر عمر بعدم التعرض له طالما لم يسفكوا دما ودعاه عمر الى المناظرة وكتب له : بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.فكتب بسطام إلى عمر: قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرنك.)
2 وقد أفحمهما عمر في البداية ، إلا إنه عجز عن الرد حين حاججوه فى ولاية يزيد بن عبد الملك بعده بلا شورى من المسلمين . تقول الرواية : ( قال اليشكري: أرأيت رجلاً ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأمون، أتراه أدى الحق الذي يلزمه لله، عز وجل، أو تراه قد سلم؟ قال: لا. قال: أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق؟ قال: إنما ولاه غيري والمسلمون أولى بما يكون منهم فيه بعدي. قال: أفترى ذلك من صنع من ولاه حقاً؟ فبكى عرم وقال: أنظراني ثلاثاً فكان عمر بن عبد العزيز يقول: أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه، فأستغفر الله تقول الرواية : ( فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سماً، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات )
--------------
بقلم الدكتور/ أحمد صبحي منصور
من كبار علماءالأزهر سابقا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.