الإعلان فى الولاياتالمتحدة عن إصابة الآلاف بفيروس كورونا، أمر يثير مخاوف انهيار المنظومة الصحية، ليس فى أمريكا، بل فى جميع دول العالم، ما يؤكد ضرورة الانتباه، والاعتماد على التوعية الوطنية، ومواكبة الرؤية العالمية عن مصير العالم فى ظل فيروس كورونا، المستجد والمتحول، والمهلك على مستويات الصحة والسلامة العامة والاقتصاد والأعمال والتعليم، إضافة للتجارة والسياحة.. فالأمر يحتاج إلى التزام البيوت واتباع إرشادات وتوعية الدولة وفق طريقة إدارتها الأزمة.
شرق وغرب.. العودة!
«الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا» هذه مقولة أطلقها الشاعر الإنجليزى روديارد كبلنغ، معلنا نهاية الفكر الاستعمارى القديم، وهو الفكر الذى قد أسس لنوعية خطيرة من الاستعمار؛ يمكن أن نطلق عليه الاستعمار الطبى، وفيه تستمر السيطرة على مقدرات الشعوب، حتى الصحية منها.
ما يحدث فى جائحة كوفيد19، وانتشار خصائص المرض، دون وعى الأمم لما يعنى إعلان منظمة الصحة الدولية لمصيبة متواليات العدوى والإصابة وفترات الحضانة، ما شكل تنافرا دوليا من تشتت الاستجابة من عدمها فى حالات لدول يفترض أنها تمتلك منظمات صحية واسعة الطيف ولها برتوكولاتها الوطنية والدولية.
وبالمنظور الجيوسياسى، بات العالم يعود إلى سيادة الدولة الوطنية ونمو وتنمية مقدراتها وحالها فى الصحة والمرض، كما ظهرت أهمية دول تشترك فى بنيات وقوى سياسية وجغرافية وحضارية، حيث تأكد للجميع جدية الحاجة إلى التشاور فى خطط العمل للحد من انتشار الكورونا.
متوالية انتشار الفيروس
نتيجة لصعوبة ضبط عدوى كوفيد19، يواصل الفيروس، يوما بعد يوم، الانتشار وحصد الأرواح فى العديد من دول العالم، حيث تجاوز عدد المصابين بالفيروس، إحصائية يوم الثلاثاء 24 مارس، 400 ألف إصابة ليتضاعف العدد خلال 6 أيام.
وسجلت السلطات فى الصين منذ اكتشاف الفيروس 81171 إصابة، تعافى منهم 73159 شخصا، بالإضافة إلى وفاة 3277 مصابا، أما عدد الإصابات فى إيطاليا فقد بلغ 69176، توفى منهم 6820 شخصا، فيما شفى 8326 شخصا فقط، كما شهدت الولاياتالمتحدة ارتفاعا كبيرا فى عدد المصابين، حيث بلغت 51737 حالة، متجاوزة إسبانيا (39676) وألمانيا (32781) وإيران (24811) وفرنسا (22304)، إضافة لذلك ذلك، سجلت السلطات الفرنسية 240 حالة وفاة جديدة جراء فيروس كورونا المستجد، الثلاثاءالماضى ليصل العدد الإجمالى إلى 1100 بزيادة 28 %.
واقعيا، فإن الزيادة الأخيرة فى عدد الوفيات، جعلت فرنسا خامس دولة يجتاز عدد الوفيات فيها بسبب الفيروس حاجز الألف بعد الصينوإيطاليا وإيران وإسبانيا، بحسب مدير وكالة الصحة جيروم سالومون، فالعدد الإجمالى لحالات الإصابة فى فرنسا ارتفع إلى 22300 بزيادة 12 %خلال 24 ساعة.
وأضاف «سالومون» أن 2516 شخصا فى حالة خطيرة وبحاجة للعناية المركزة بزيادة 21 فى المئة وقال إن 8000 من أسرة المستشفيات مجهزة حاليا بأجهزة تنفس صناعى.
ترتيب دول العالم التى توفى فيها أكبر عدد من المصابين بفيروس كورونا، يعزز بلدان الشرق الأوسط، بإستثناء دولة الكيان الصهيونى التى تزيد اعداد الوفيات فيها بطريقة مثيرة للجدل، فقد مات 113 شخص فى يوم الخميس الماضى، بينما اعداد إلا صابات، قد تصل إلى حالة2000.
بؤس التنمية الاجتماعية المستدامة
سرعة العدوى والتنافر السياسى والصراعات العسكرية، وبدء ترهل الاتحاد الأوروبى بعد خروج ألمانيا المدوى، سبب انهيار المنظومة الصحية لبعض دول أوروبا.
وبحسب الباحث د. عبد الرحم الشقير، تعرّض العالم فى مطلع الألفية الجديدة إلى سلسلة من هجمات الفيروسات، حيث بدأت بفيروس سارس (2003)، وفيروس أنفلونزا الخنازير (2009) المعروف بفيروس «H1N1»، وفيروس الإيبولا فى غرب إفريقيا (2014)، وأخيرًا فيروس كورونا الجديد المعروف بكوفيد 19 نسبة إلى سنة ظهوره عام (2019).
كانت جميع الفيروسات السابقة تحت السيطرة بسرعة، وضحاياها يقاسون بالمئات، فى حين أن كورونا واسع الانتشار وعابر للحدود وفتك بعشرات الآلاف حسب موقع منظمة الصحة العالمية، وهذا ما جعل الدول تأخذ الأمر بجدية، وتعلن حالات الطوارئ، وتتبع إجراءات احترازية مشددة للحد من انتشاره، وصل بعضها إلى نزول الجيوش فى الشوارع وحظر التجول وإغلاق حركة النقل، وتفكيك الشبكات الاجتماعية.
مَن يهدد مَن؟
كوفيد19، يتابع البناء على أخطاء البشر، هناك من يصبو إلى قرارات سردية سريالية، عشوائية، وهو يتناسى غالبا أنه ومن خلال ارتفاع معدلات المهددات للبشرية بفعل ممارسات بعض الدول، مثل: إشعاع المفاعلات النووية، والتلوث، والفيروسات التى تفتك بالبشر.
ربما يكون «إريك كليننبيرج»، أستاذ علم الاجتماع الأمريكى فى مقالة بعنوان «نحن بحاجة إلى التضامن الاجتماعى، وليس التباعد الاجتماعى»، أكثر علماء الاجتماع والسياسة وضوحا بقوله: «يحتاج الأمريكيون إلى القيام بأكثر من مجرد تأمين سلامتهم». وهو عنوان اجتماعى يقصد به تأييد إجراءات إلغاء التجمعات فى المدارس والعمل والأماكن العامة، وحجر الأحياء والمدن، ومع تأكيده على أهمية التباعد الاجتماعى يرى ضرورة تفعيل التضامن الاجتماعى فى المجتمع الأمريكى من خلال مساعدة من لا يستطيع توفير الأغذية والمواد المطهرة والصحية من الفقراء.
يحتم كوفيد19 تفسيرات عن كيف نعيش فى مجتمع المخاطر، الذى يتسم بأن كوارث بلدان بعينها وأزماتها لا تكون حصرًا داخل البلد، بل تصبح عابرة للقارات، كما هى الحال مع الكوارث الطبيعية والبشرية، وبالتالى فنحن بحاجة إلى بناء منظومة من التضامن الاجتماعى من خلال السؤال عن الآخرين وتفقد أحوالهم وتقديم المساعدات دون انتظار طلبها.
إفريقيا.. بين الاحتواء أو الكارثة
رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس حذّر دول القارة السمراء بأن تتوقع السيناريو الأسوأ، فما هى أسباب هذا التحذير؟ كيف تتوزع خارطة الإصابات حتى الآن؟ وما مدى جهوزية النظام الصحي؟ وكيف سيؤثر كورونا على اقتصادات الدول الأفريقية؟
وتشير دراسة صادمة لمؤسسات الأممالمتحدة الانمائية عن وصل عدد الإصابات فى أفريقيا حتى تاريخ 23 مارس إلى 1369 إصابة موزعة على 45 دولة، واللافت للإنتباه أن ما يقارب نصف هذا العدد (679 إصابة) يتركز فى 4 دول عربية هي: مصر والجزائر والمغرب وتونس، فى حين لم تسجل 9 دول أى إصابة حتى الآن.
وللأسف، فالمعروف أن إشكاليات وتحولت الأوضاع الجيوسياسى فى دول أفريقيا، كشفت انه كانت لديها فرصة للتعاطى مع كورونا بشكلٍ أمثل باعتبار أن الوباء وصل إليها متأخرًا، إذ سُجلت الإصابة الأولى فى دول جنوب الصحراء بتاريخ 28 فبراير فى نيجيريا، لكن ما بعث على قلق منظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير منذ أسبوع، دون معرفة الأسباب الدقيقة والمباشرة خلف العدد القليل نسبيًا من الإصابات المعلنة فى دول جنوب الصحراء.
لوحظ أن أهم الأسباب التى تثير القلق، كالنقص الهائل فى اختبارات الكشف عن كورونا لمن تظهر عليهم عوارض المرض، نتيجة قلّة معدات الاختبار وضعف المختبرات، وهو ما دعا مركز مكافحة الأمراض (CDC) إلى التحرك بشكلٍ سريع، فقام بإرسال 100 خبير لتدريب وتأهيل طواقم 43 مختبرًا فى دول جنوب الصحراء كافة، إذ لم يكن يوجد عند اندلاع أزمة كورونا سوى مختبرين مؤهلين لإجراء الفحوصات فى كل المنطقة (نيجيريا والسنغال)، كما تمّ توفير 60 ألف عدّة اختبار لتوزيعها على الدول، بحسب وقائع سجلتها منظمة الصحة الدولية.
ما يؤكد، أن الدول التى سجّلت أكبر معدلات انتشار لفيروس كورونا فى أفريقيا، هى مصر وجنوب أفريقيا والجزائر والمغرب وبوركينا فاسو وتونس والسنغال، لديها النظام الصحى الأفضل بين كافة دول القارة السمراء، وتُصنّف من قِبل منظمة الصحة العالمية ما بين معتدلة إلى عالية الجاهزية والبنية التحتية.
من هنا، فإن المعركة بالنسبة الى القيمين على الأنظمة الصحية فى السواد الأعظم من دول أفريقيا هى معركة الاحتواء، الذى يشكّل خط الدفاع الأول والأخير، برغم ما كشف عنه الباحث فى مؤسسة الاقتصاد والاعمال د. مروان النمر عن أن هناك عديد نقاط الضعف فى معركة احتواء كورونا، والتى تتشارك فيها معظم الدول الأفريقية، فمازالت التجمعات والاختلاط قائمًا رغم التحذيرات، كما تجبر نسبة الفقر العالية شريحة واسعة من الناس على الخروج للعمل اليومي.
كما تمنع القدرة الشرائية الضعيفة لدى عدد كبير من المواطنين حصولهم على أدوية التعقيم، وتحول ندرة المياه دون قيام الكثيرين بغسل أيديهم بشكلٍ مستمر، إذ يفتقر 258 مليون إنسان فى أفريقيا إلى المياه الصالحة للاستعمال، أضف إلى ذلك، أن بعض الدول تعانى من أرقام عالية فى عدد المصابين بأمراض معدية، ولاسيما مرض نقص المناعة (الإيدز)، حيث يبلغ عدد المصابين بهذا المرض فى جنوب أفريقيا وحدها أكثر من 7.7 مليون مريض، مع وعى أن أفريقيا تمتلك أضعف - نظريا وعمليا- نظام صحى بين كافة مناطق العالم، إذ لا يتجاوز الإنفاق على الصحة فى الدول الأفريقية كافة نسبة 1 فى المئة من الإنفاق الصحى العالمى، وتبلغ فجوة الاستثمار فى القطاع الصحى الأفريقى لملاقاة أهداف التنمية المستدامة نحو 185 مليار دولار سنويًا.
وصول دول القارة الأفريقية إلى كارثة، يسمى بمرحلة الانتشار، فإن ذلك يُنذر بكارثة كبيرة، خصوصًا إذا انتشر كورونا فى المدن ذات الاكتظاظ السكانى والضواحى وأحزمة البؤس ومخيمات اللاجئين، حيث تتركّز نسبة عالية من الناس الذين يعانون من سوء التغذية أو مصابين بأمراض نقص المناعة.
تأتى هذه الصدمة فى وقت عصيب أصلًا لثلاثة من اقتصادات أفريقيا الكبرى، وهى جنوب أفريقيا التى تعانى ركودًا منذ فترة، ونيجيريا التى تعانى نقصًا حادًا فى الدولار ويُنتظر أن تخفض قيمة عملتها بنسبة 10 فى المئة، وغينيا الاستوائية التى تشهد نموًا بطيئًا جدًا.
مستقبل العالم
كعادتها منحت مجلة «فورين بوليسى» الفكر السياسى الاجتماعى فرصة فهم شكل التحولات التى سيظهر بها العالم بعد وباء كورونا، واستمزجت آراء عدد من الخبراء حول العالم، وخرجت بعدد من الاحتمالات، أبرزها أن العالم سيكون أقل انفتاحا، أقلّ حرية وأكثر فقرًا، عدا عن انهيار لمنظمات سياسية أممية.
وتدين المجلة فشل الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام فى قيادة العالم وتحول الدفة إلى الصين ودول جنوب شرق آسيا، فيما ستتغير موازين القوى فى النظام العالمى بشكل واضح جدا ما أدى إلى فشل المؤسسات الدولية فى القيام بدورها الذى كان متوقّعًا فى التحذير والتنسيق للحد من الأزمة، وتوقعت تفكك الاتحاد الأوروبى بعد الفشل على مستوى الأعضاء فى مواجهة الأزمة.