الضغوط الحالية علي مصر: الوقيعة بين المسلمين والأقباط.. والوقيعة مع دول حوض النيل بخلاف النص المحكم المكتوب لخطاب الرئيس، وهو يخضع لمراجعته مرات عديدة، فإن النص الشفوي المرفق لبعض العبارات التي قال بها بين فقرات خطابه، كان يحمل مدلولات مهمة للغاية، لا سيما حديثه المتكرر عن الشائعات.. تلك التي وصف بعضها بأنها (تأليف وتلحين)، وقد خاطب النواب ثلاث مرات علي الأقل حول ذلك قائلاً: لاتلتفتوا للشائعات. المجلس الجديد، المنتخب قبل أيام، الذي تشارك مع مجلس الشوري في اجتماع مزدحم اضطر أمانة مجلس الشعب إلي أن توفر مقاعد اضافية وشاشات كبيرة لعدد من أعضاء المجلسين الذين لم يتمكنوا من دخول القاعة الرئيسية فاحتواهم البهو الفرعوني، هذا المجلس لاحقته شائعات (قصر العمر) وأنه لن يكمل مدته.. لكن محتوي خطاب الرئيس برمته ومضامينه المختلفة، وهو الذي من حقه دستوريًا حل المجلس، أطاح بهذه الشائعات.. فالأعباء التي وضعها علي كاهل النواب الجدد تحتاج إلي ما يزيد علي مدة المجلس الحالي نفسه.. وقد لا تكفيها سنة واحدة. إذ بخلاف القانون الأشهر للتأمين الصحي، وهو المدرج في برنامج الرئيس الانتخابي، فإن الخطاب تحدث عن مجموعة أخري من القوانين، بما في ذلك بعض مما لم يرد في برنامج الرئيس نفسه، ويتخطاه إلي ما هو أبعد، وقد تكلم الرئيس بالأمس في الخطاب الذي استغرق 45 دقيقة عن تطوير قوانين لتنظيم التجارة الداخلية والمعاملات التجارية وطرح مزيد من التسهيلات للمستثمر الصغير قبل الكبير، وقانون لتنظيم استغلال أراضي الدولة وبما يوفر لها الحماية من التعديات، ويوفر للمستثمرين واحدًا من أهم عناصر الاستثمار، ومشروع قانون لتحقيق أقصي استفادة من الأصول المملوكة للدولة، ومشروع قانون الإدارة المحلية، ومشروع قانون لحماية المياه الجوفية. بصورة إجمالية، بدا الخطاب مختلفًا، ليس فقط في مضمونه، ولكن كذلك في قدر الأريحية التي ألقي بها الرئيس خطابه، وتبادله الدعابات والتحيات والمصافحات مع مجموعات مختلفة من النواب، وبما عكس طبيعة الهيئة البرلمانية الجديدة.. التي حرص الرئيس علي أن يصنفها علي أنها: (أغلبية ومعارضة ومستقلين). ولا شك أنه لا يخفي علي أحد التلميحات الأولية في صدارة الخطاب، تلك التي وضع بها الرئيس نواب الشعب في مسار عريق لم يبدأ اليوم، مذكرًا أن هذا هو البرلمان الرابع والعشرين منذ افتتاح المبني في عام 1924، وأن هذا هو الفصل التشريعي العاشر، وأن مصر تسمو فوق الأشخاص والأحزاب، وأن الهدف هو خدمة الشعب والمواطن.. وليس بعيدًا عن هذا مداعبة الرئيس للنواب الشرعيين حين تحدث معهم ضاحكًا عما يسمي بالبرلمان الموازي. • دور الدولة خطاب الأمس، تميز عمليًا عن خطابات الافتتاح للدورات البرلمانية بأنه ظهر محوريًا، وناقلاً لمرحلة جديدة، ركز فيه الرئيس علي ترسيخ مفاهيم تطرق إلي بعضها من قبل، ولكنه أفاض في توصيفها بالأمس، ما يعني مركزيتها في تفكيره، ومن ذلك يمكن الوقوف أمام ما يلي: • الدولة المدنية الحديثة: التي تقوم علي تعميق الوسطية والاعتدال. • إعادة تعريف دور الدولة: وهو حديث يعود بنا إلي ما كان يتداول في مناقشات التعديلات الدستورية في عام 2007، ما يعني أننا بصدد تفعيل للنصوص، وأن الرئيس يركز علي صياغة سياسية واقتصادية واجتماعية للعقد الاجتماعي الذي تضمنه الدستور.. بشأن الدولة (كمحفز ومنظم ورقيب). • توسيع المشاركة الشعبية. • لا تهاون في مصالح الأمن القومي لمصر وسيادتها ومصالحها العليا. • الإصلاح المستمر.. في جميع محاوره. • انطلاقة جديدة للاقتصاد.. وهو المعني الذي كان الرئيس قد ركز عليه في اجتماعه الموسع مع الحكومة ثم مع مجلس المحافظين قبل ما يزيد علي ثلاثة أشهر. • التركيز علي البعد الاجتماعي للتنمية، باعتباره من أهم أدوار الدولة، لحماية الأقل حظًا والوقوف إلي جانب الفقراء والأولي بالرعاية. • القبول بالرؤي المتعددة والاعتراف بها، ليس فقط فيما بين الأحزاب المختلفة، بل إقرار الرئيس بوجودها في داخل حزب الأغلبية.. وقد قال الرئيس إنه يرحب بذلك.. لكنه دعا للتفاعل مع الاختلافات تحت قبة البرلمان.. وقال: أشجعه وأدعو إليه. • انطلاقة جديدة ركز الرئيس علي المسألة الاقتصادية، ووضع هدفًا للنمو بحيث يبلغ معدل ال8%، لكنه توقع لبرامج العمل في السنة المقبلة أن تصل إلي 6%، وأن تحقق بالتالي 700 ألف فرصة عمل، بخلاف تلبية الاحتياجات التي تقوم بها الدولة تجاه محدودي الدخل.. مستندًا إلي اقتصاد قوي.. صمد أمام أزمتين عالميتين، وحافظ علي مستوي العجز والدين الداخلي، وقال الرئيس: لم نمد أيدينا لأحد.. مشيرًا إلي المعاناة التي تعرضت لها منطقة اليورو في أوروبا، حيث تم تسريح العاملين وخفضت إعانات البطالة، وانهارت الشركات. ومن الواضح أن الاهتمام سوف يزيد في المرحلة المقبلة لدعم هذا التطور الاقتصادي استنادًا إلي المشاركة بين القطاعين العام والخاص، واعتمادًا علي جذب مزيد من الاستثمارات المتنوعة عربيًا وأجنبيًا.. ورأس مال مصري خاص.. مؤكدًا أن الأولوية القصوي هي محاصرة البطالة وإتاحة المزيد من فرص العمل ورفع معدلات النمو والتشغيل.. وإقامة مناطق صناعية وتجارية وزراعية جديدة.. وقال الرئيس: إن هذا ليس مجرد أمنيات. الحديث عن ملامح الواقع الذي بلغناه استغرق مساحة في خطاب الرئيس ووقتًا يشير إلي أن مصر لديها الحق في أن تسعي إلي المزيد، تأسيسًا علي (رؤية واضحة وسياسات أثبتت نجاحها ودعائم مختلفة). وفي هذا السياق فإن الرئيس حدد تعريفًا جديدًا للأصول المملوكة للدولة.. واصفا إياها بأنها (تصبح مكملة للنشاط الاقتصادي للقطاع الخاص تفيد منه وتستفيد، وتشارك معه في رفع معدلات النمو وإتاحة فرص العمل).. مشيرًا إلي مشروع القانون الذي سوف يحيله إلي مجلس الشعب في هذا السياق. • الضغوط الجديدة وعلي قدر شمولية الخطاب المعتادة، فإن الرئيس توقف بالأمس أمام مسألة الطاقة، وقد قال هو بنفسه: إن مصر قد انتهت من دراسة أربعة مشروعات لمحطات نووية، وأنها سوف تعلن عن مناقصة المحطة الأولي خلال أسابيع.. وقال الرئيس إنه يتابع أولاً بأول خطوات تنفيذ البرنامج مع المجلس الأعلي للطاقة النووية.. والاتصالات التي أجريناها ونجريها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. والعديد من الشركاء الدوليين.. وأضاف مزهوًا: انتهينا من الدراسات الفنية ونحن ماضون في تنفيذ البرنامج متمسكين بحقوقنا الثابتة وفق معاهدة منع الانتشار متطلعين للعمل مع كل من يحقق مصالحنا بأعلي مستويات التكنولوجيا النووية والأمان النووي.. ودون مشروطيات تتجاوز التزامنا بمقتضي هذه المعاهدة. ولا بد أن العبارة الأخيرة للرئيس كانت تنطوي علي رسالة محددة إلي أطراف دولية مختلفة.. ولا بد أن لها ما وراءها.. وقد اعتمد الخطاب بالأمس علي رسائل من هذا النوع.. ومنها ما يلي ذلك الحديث النووي من أهمية حديث الرئيس الملمح للصخب الدولي حول وثائق ويكيليكس.. الذي قال فيه: ما نقوله في العلن هو ما نقوله وراء الأبواب المغلقة.. وقد أضاف الرئيس خارج نص الخطاب: (بيحرفوا شوية.. لكن هذا هو ذاك في السر والعلن). مسألة المشروطيات المرفوضة كان لها بعدها الأشمل من البرنامج النووي، وقد تحدث فيها الرئيس حين تناول مسائل الأمن القومي.. وقال: (لا نفرط أبدًا في سيادتنا أو استقلال إرادتنا، ولا نقبل مشروطيات وإملاءات، ولا نغفل للحظة عن أمن مصر القومي وأمان مواطنيها.. ونتعامل مع محاور الأمن القومي بجميع أبعاده.. كقضية واحدة.. قضية حياة ووجود ومصير.. لا نسمح لأحد بأن يزعزع استقرارنا.. أو يصرف انتباهنا عن قضايا الداخل المصري). وفي سياق التعريفات الجديدة فإن الرئيس ركز علي توصيف جديد لمشاغل مصر من تهديدات الإرهاب بما يستوجب التوقف عندها.. وقد قال في ذلك: (نحن لانزال في مواجهة مع قوي التطرف والإرهاب.. نواجه محاولات التدخل في شئوننا.. ومحاولات فتح جبهات جديدة لممارسة الضغوط علينا.. تارة بما يستهدف الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط.. وتارة بمخططات الوقيعة مع أشقائنا في دول حوض النيل). ولعلها المرة الأولي التي يضيف فيها الرئيس هذه المسألة مع دول حوض النيل علي أنها نوع من الوقيعة التي تستهدف الضغط علي مصر.. وهذا كلام مهم وجديد ولا بد من الانتباه إليه. متابعة شاملة ص 6-7