علي الرغم من قسوة الحياة التي نشكو منها، ونعاني من ويلاتها .. وعلي الرغم من التغيرات التي طرأت علي المجتمع المصري خلال العقود الماضية سلباً وإيجاباً .. وعلي الرغم من الميل إلي سيطرة القيم المادية علي كثير منا .. علي الرغم من كل ذلك، يظل لدينا إحساس راق بالمسئولية تجاه بعضنا البعض، خاصة علي المستويات القريبة مكانياً وعاطفياً.. المصريون يشعرون ببعضهم البعض، ويقفون وقت الشدة مع بعضهم البعض، ويقدرون أزمات الآخرين ويسعون إلي حلها .. وتظهر هذه الصفة أكثر في الريف، حيث ما زال الإنسان المصري محتفظاً بكثير من خصاله، وفي الأحياء الشعبية حيث يعرف الناس بعضهم البعض. والمسئولية الاجتماعية مفهوم نظري عام، لعل أهم مؤشراتها الواقعية هي ما يعرف بالكفالة الاجتماعية .. حيث يشعر كل منا بمسئوليته، ليس عن شخصه فقط، ولكن عن مجموعة من الأشخاص القريبين منه .. كل شخص في رقبته بعض ممن يعولهم .. وكل أسرة في رقبتها بعض الأسر الأخري، وكل مجتمع في رقبته بعض المجتمعات الأخري.. حتي الدولة نفسها، وهي مصر، تجدها في رقبتها بعض الدول الصغري التي تعتبر نفسها مسئولة عنها، ومتكفلة بمساعدتها مادياً ومعنوياً.. في الأحياء الشعبية في مصر، تبدو ظاهرة " الطبق الدوار"، ذلك الطبق الذي يخرج إلي بيت الجيران محملاً بخيرات الله، ويعود إلي البيت محملاً برد الطبق .. ويدور الطبق من بيت إلي بيت .. بحيث تجد في النهاية كل الجيران وقد تقاسموا ما لديهم من خير، وتذوقوا خيرات بعضهم البعض، في معني رفيع من معاني التكافل.. في رمضان، تبدو ظاهرة التكافل وكأنها الظاهرة الأكثر شيوعاً في مصر.. في كل شارع توجد أكثر من «مائدة رحمن».. وتصطف الكراسي والموائد في شكل نادر.. بحيث تشعر بأن المجتمع يشعر ببعضه البعض، وبأن أعصاب المجتمع كله متصلة بكابل واحد، لو تم خدشه من أي مكان يشعر به الجميع .. ظاهرة موائد الرحمن ظاهرة مصرية صميمة، وإنسانية ودينية في العمق. وفي عيد الأضحي، يتبدي مظهر آخر من مظاهر التكافل الاجتماعي، ظاهرة «اللحمة الموزعة».. فكل من يذبح يوزع علي الفقراء والأقارب .. في مشهد بديع إنسانياً ودينياً.. وقد حكي لنا القرآن عن مشهد من مشاهد التكافل .. «وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون».. إلي أن تم إقرار الأمر «وكفلها زكريا».. ويقول المفسرون إن الكفالة بمعني الضمان في المؤنة والقيام بالأمر، و المكفول عنه في الفقه من كان في ذمته دين، والمكفول له والمكفول به الدين، والكفيل من ثبت الدين في ذمته. وقال بعض المفسرين إن الله كفل زكريا بمريم، أو أن زكريا ضم مريم إليه لجهة القرابة التي كانت بينهما. وقد أشار الرسول الكريم إلي أهمية التكافل والتواصل بين المؤمنين «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي» و«لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه».. صلي الله عليه وسلم.