ظل نيكولا ساركوزى حتى اللحظة الأخيرة مقتنعا بقدرته على تحقيق «مفاجأة كبرى» إلا أن أزمة ديون اليورو التى أطاحت بعدد من القادة الأوروبيين من قبله كانت أقوى منه وجاءت نتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لصالح منافسه الاشتراكى فرانسوا أولاند وهو ما اعتبره المحللون والمراقبون عقوبة لساركوزى بسبب سوء إدارته للأزمة الاقتصادية أكثر منه قناعة بأولاند وكذلك رفض لسياسة التقشف التى كان ساركوزى يقودها مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فى جميع أنحاء أوروبا. وبهزيمته أمام أولاند - حيث حصل الرئيس المنتهية ولايته على 48% من الأصوات مقابل 52% لمنافسه الاشتراكى - دخل ساركوزى تاريخ الجمهورية الخامسة بوصفه الرئيس الثانى الذى يفشل فى تجديد ولايته بعد فاليرى جيسكار ديستان الذى خسر أمام الاشتراكى فرانسوا ميتران الذى حكم ما بين 1981 و1995. وجاء فوز أولاند لينهى حكم اليمين ويعيد اليسار إلى الإليزيه بعد غياب دام 17 عاما مستفيدا من موجة المشاعر المناهضة لساركوزى على خلفية أزمة اقتصادية قاسية تمثلت فى زيادة قياسية فى عجز الموازنة ونسبة بطالة فاقت العشرة بالمائة وانخفاض القدرة الشرائية للفرنسيين وازدياد مخاوفهم من الخضوع لخطة تقشف قاسية من قبل الاتحاد الأوروبى. كما خلف مشروع إصلاح نظام الضمان الاجتماعى ورفع سن التقاعد انتقادات واسعة لساركوزى، فضلا عن تراجع استقلالية فرنسا ومكانتها على الساحة الدولية خلال عهده، بالإضافة إلى الصورة التى لصقت بساركوزى كرئيس للأثرياء بسبب سياساته التى منحتهم العديد من الامتيازات والإعفاءات، وكذلك صداقته مع رجال المال والأعمال، وأسلوبه المتغطرس والفظ أحيانا، وأيضا ميله للاستعراض ولحياة الترف. وبالرغم من افتقاره للكاريزما والخبرة الكافية، فإن أولاند نجح فى كسب أصوات الناخبين من خلال تقديم نفسه كنقيض لساركوزى، فعندما سئل فى بداية حملته الانتخابية عن الصورة التى يود أن يجسدها رئيسا للجمهورية أجاب:«أريد أن أكون عكس ما عليه نيكولا ساركوزى»، أى أنه يريد أن يعيش كرئيس حياة عادية على عكس أسلوب البذخ الذى عرف به ساركوزى. كما ارتكز برنامج أولاند الانتخابى على الأخطاء التى ارتكبها ساركوزى حيث تعهد بخفض العجز العام للموازنة، ومحاربة البطالة عبر تأمين وظائف خاصة للشباب، وتحفيز النمو الاقتصادى، وخفض سن التقاعد ليصبح 60 عاما بدلا من 62، وفرض ضريبة بنسبة 75% على الأغنياء الذين تتخطى دخولهم المليون يورو. كما تعهد بمواجهة سياسة التقشف التى تقودها ألمانيا فى أنحاء أوروبا من خلال إعادة توجيه منطقة اليورو نحو النمو. وجاء تأييد رئيس البنك المركزى الأوروبى لمقترح أولاند بتعديل اتفاقية الموازنة الأوروبية لتضعف مساعى ساركوزى لإظهار نفسه بأنه الوحيد الذى يمتلك الخبرة الكافية لإخراج فرنسا من أزمتها الاقتصادية وتجنيبها فوضى اقتصادية مشابهة لتلك التى ضربت اليونان. وأجمع المراقبون والمعلقون على أن الخط اليمينى المتشدد الذى انتهجه ساركوزى خلال حملته الانتخابية فيما يتعلق بقضايا الهوية الوطنية والإسلام والأمن والهجرة أبعد عنه ناخبو الوسط دون أن يعطيه الدعم الانتخابى الكافى من جانب اليمين المتطرف. ومما لعب دورا حاسما فى هزيمة ساركوزى فى الجولة الثانية من الانتخابات هو فشله فى اجتذاب ما يكفى من أصوات ناخبى مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التى حصلت فى الجولة الأولى على نحو 19% من الأصوات حيث يرى المراقبون أن إعلان لوبان الامتناع عن التصويت لأى من المرشحين والذى فهم على أنه رغبة منها فى إسقاط ساركوزى ساهم فى إقناع عدد من ناخبيها بحجب أصواتهم عن ساركوزى .وبينما فشل الرئيس المنتهية ولايته فى إقناع أى من مرشحى الدورة الأولى بتقديم الدعم له، حظى أولاند بدعم واضح من اليسار الراديكالى وتيار الوسط وأنصار البيئة. وفوز أولاند يضع اليسار فى موقف أفضل للفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية الشهر القادم، وإذا ما حدث ذلك فسوف يمتلك الحزب الاشتراكى مقاليد السلطة بشكل لم يسبق أن حققه خلال تاريخه. ولكن من ناحية أخرى، وكما أشارت صحيفة الجارديان البريطانية، أصبحت فرنسا الآن بين خيارين إما أن ينجح أولاند فى قيادة البلاد والخروج من أزمتها الاقتصادية وإما ستخلو الساحة السياسية أمام اليمين المتطرف حيث إن استراتيجية لوبان كانت العمل على تسريع هزيمة ساركوزى أملا فى أن يؤدى ذلك إلى تفكك حزبه وتصدر حزبها الجبهة الوطنية المعسكر اليمينى مما يمكنها من الوصول إلى الحكم.