اعتاد الغرب عموما.. والولايات المتحدة وإسرائيل تحديدا.. طرح هذا السؤال بصورة عكسية: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ وأفاضوا فى إجراء الاستفتاءات والاستطلاعات والدراسات لمعرفة الأسباب الكامنة لهذه الظاهرة. ولكننا هنا ننظر إلى ذات القضية من منظور مختلف.. من وجهه نظر الآخر الذى يكرهنا. فعلا وقولا.. ويعلن هذا جهارا.. نهارا.. ويطبقه فى كل شىء. لذا فإن السؤال الذى يفرض نفسه هو: هل هذه الكراهية متبادلة بين الطرفين «العرب والغرب»؟ وهل هى ذات جذور عميقة يستحيل استكشافها وعلاجها؟ والأهم من ذلك كيف نتجاوز هذا الميراث الطويل من العداء والكراهية.. وكيف نضع الأساس لعلاقة صحية وصحيحه تقوم على المصالح والتفاهم والحوار؟ بداية يجب أن نحظى بالشجاعة الكافية ونعترف بأننا نتحمل جانبا غير يسير من مسئولية هذه الكراهية. هذه هى نقطة الانطلاق للتقييم الموضوعى لهذه القضية. فأولا نحن - وللأسف الشديد أغلبنا - يمارس سلوكيات خاطئة على مستوى الأفراد والجماعات. هذه السلوكيات يراها الغرب.. والعالم بأسره.. فى هذا «الكوكب - القرية». فلم يعد هناك من شىء أو تصرف أو قول مستورا أو خافيا.. لم نعد نستطيع أن «نكفى على الخبر ماجور» كما يقول المثل العامى الشهير فكل شىء مكشوف لأقصى درجة والعالم يشاهدنا على الطبيعة عندما يزورنا أو نذهب إليه. وللأسف الشديد يرى كثيرا من السلوكيات الخاطئة ويسأل ويتساءل: هل هذا هو الإسلام؟ هل الإسلام يدعو المسلمين إلى القيام بهذه السلوكيات؟ أى أننا نقدم صورة سلبية لأنفسنا بأنفسنا. فنسهّل على الآخرين مهمة العداء والكراهية. أيضا عندما يبحث الغرب عن العرب والمسلمين على خريطة التقدم التكنولوجى والعلمى والحضارى فللأسف الشديد لا يرى سوى تخلف وتراجع مقيت وشائن بعد أن كان العرب والمسلمون سادة وقادة للعالم بأسره فى مختلف المجالات وليس العلوم فقط.. هكذا سجل التاريخ الذى اعترف به المؤرخون والمستشرقون المنصفون. ولكن لإيضاح الصورة بموضوعية شديدة يجب أن نفرّق بين الإسلام كعقيدة وفكر ونهج شامل وبين ممارسات المسلمين التى لا تعبر غالبا عن جوهر هذه الديانة السماوية السامية. فنحن للأسف الشديد مسلمون بالاسم.. دون الفعل.. مسلمون مع وقف التنفيذ. وإذا أردنا للآخرين أن يقدروننا ويقيموا لنا اعتبارا وقيمة وحسابا.. فيجب أن نحترم أنفسنا ونلتزم بمبادئنا وعقيدتنا أولا. السبب الثالث من أسباب الكراهية هو التمزق العربى والإسلامى الذى نشهده الآن. ومنذ عقود ويبدو أنه سوف يستمر لفترة غير قصيرة وربما يتعمق وتزداد الآلام والجراح انطلاقا من الشواهد التى نراها.. والحقائق التى نلمسها على أرض الواقع. فالعرب لا يتحركون ككتلة واحدة. بل ممزقون مشتتون لا يفيقون من غفوتهم. ومن سباتهم العميق الذى استمر قرونا. ونحن بهذا التمزق والضعف والهوان نقوى أعداءنا ونمنحهم أسلحة ذهبية مجانية نعم نحن ندعم إسرائيل وكل الأعداء بهذا التمزق والضعف.. وهم يجيدون استغلال هذا الواقع المزرى ويلعبون على أوتار الخلافات والأزمات بل يقومون بتأجيجها وصنع المزيد منها! أيضا من أسباب كراهية الغرب لنا أننا فاشلون إعلاميا خاصة فى الإعلام الموجه إلى الطرف الآخر.. فنحن لا نجيد فنون الإعلام والعلاقات العامة الحديثة ونتحدث بلغة واحدة غالبا.. وكأنه حوار الطرشان. لا نسعى للآخر.. لا نحدد استراتيجية إعلامية حقيقية قابلة للتنفيذ.. فقط اجتماعات ولجان على أعلى المستويات دون النزول إلى أرض الواقع وتحقيق اختراق مهم فى هذا المجال الذى يسيطر الغرب واليهود تحديدا على أدواته وتمويله وطاقاته البشرية.. وليس عيبا أن نستعين بأهل الخبرة فى هذا المجال. خاصة إذا كانت هذه الخبرات غير متوافرة لدينا. وأن نقوم ببناء أجيال من الخبراء البارعين فى فنون الإعلام والعلاقات العامة الحديثة. ليس عيبا أن نتعلم من أعدائنا، ولكن العيب الأكبر والأخطر هو أن نستمر على جهلنا وفشلنا. وحتى لا نتمادى فى جلد الذات فإن الطرف الآخر - الغربى عامة والأمريكى والإسرائيلى خاصة - يتحمل جانبا أكبر من أسباب هذه الكراهية.. فالجذور عميقة.. عميقة.. وتعود لسنوات سحيقة.. تعود لقرون.. وليس عشرات السنين ولا ترتبط بالقضية الفلسطينية وحدها.. رغم أنها هى أبرز وأهم قضايا العرب المعاصرة. هذا العداء المستحكم والكراهية المتجذرة تعود إلى الحملات الصليبية ثم الغزوات الاستعمارية التى تلتها. وكلاهما «الحملات والغزوات» يترابطان عضويا وتاريخيا وعقائديا وأيديولوجيا.. هذه حقائق لا ينكرها المؤرخون والساسة فى العالم بأسره ويجب ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال ونتجاهلها نحن أيضا. فهذه الحملات والغزوات انطلقت من رؤى عقائدية وفكرية خاطئة. وتركت بصماتها التاريخية العميقة على شعوب العالم الإسلامى والعربى.. ومازال أغلبنا يتذكر بمرارة وحسرة آثار هذه الغزوات التى خلفّت عداءات كثيرة وأزمات مستمرة حتى الآن. أيضا قام الاستشراق والمستشرقون بدور خطير فى تغذية هذه الروح الخبيثة وإذ كاء نيران الحقد والكراهية المتبادلة يما قدموا لشعوبهم وقادتهم من أفكار خاطئة ورؤى مريضة عن العالم الإسلامى.. فانطلق هؤلاء القادة - جهلا وحقدا وكراهية - يخططون ويغزون دولنا على مدى قرون فتحول القلم إلى أخطر أداة للقتل والتدمير.. نعم لقد كانت أقلام المستشرقين الخبثاء أحد الأسباب الأساسية التى صنعت هذا الحقد الأسود والتاريخ المرير الذى يلقى بظلاله الكئيبة على علاقات العرب والغرب حتى الآن. التعليم الغربى حافل بالمعلومات الخاطئة عن العرب والمسلمين. بل عن الإسلام عقيدة وتاريخا وقادة عظاما أثروا الحضارة البشرية فى كل المجالات فجاءت كتبهم ومناهجم حافلة للأسف الشديد بهذا الخبث الذى لم يذهب جفاء حتى الآن. فالجندى الغربى والإسرائيلى الذى يغزو ويقاتل يأتى مشحونا بهذه الأفكار المريضة.. بل إن صناع الشر يذّكون هذه الروح فيه لأنه مقاتل بلا قضية ويحارب بلا هدف فيجب أن يصطنعوا له قضية ويختلقوا له هدفا.. ولكنهم غالبا يفشلون. وليس أدل على ذلك من محاولات الانتحار والانهيار بين الجنود الأمريكيين فى أفغانستان والعراق. الإعلام الغربى يقوم بدور أخطر فى خلق روح العداء والكراهية وتأكيدها وعندما يكاد يخرج صوت عاقل ومتحضر وموضوعى حتى يتوارى أو يتم اخفاؤه بمنتهى القسوة والقمع والاستبداد حدث هذا مرارا مع كبريات وسائل الإعلام الأمريكية وآخرها ال CNN التى أطاحت بمذيع شهير لمجرد إشارته إلى شخصية يهودية.. مجرد إشارة طردته فورا من جنة الحرية المزعومة! الأهم من هذا كله فإن ممارسات الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل تحديدا .. ممارساتهم اليوم تؤكد روح الكراهية والعداء فأغلب الأزمات فى بلاد العرب والمسلمين وأكثر الغزوات تقريبا ضدهم. وإذا حدث خروج عن النص وشملت هذه الأزمات دولة غير عربية أو غير إسلامية فالمجرد ذر الرماد فى العيون.. ولإكمال الصورة حتى لا يقال إن هذه الغزوات والحملات مقصورة علينا.. فرغم كل ما فعلته كوريا الشمالية وما امتلكته من أسلحة نووية لم يستطع الغرب أن يقوم بأى تحرك جاد ضدها! وبغض النظر عن كل هذا.. وبعد استعراض «بعض» أسباب الكراهية والعداء المتبادل بين العرب والغرب يبقى السؤال الأهم: كيف نخرج من هذه البئر العميقة السحيقة؟ بالطبع لا يمكن أن نعيش هكذا إلى الأبد. فنيران الكراهية تأكل بعضها كما تأكل أصحابها وعلى قوى الخير- وهى ليست قليلة رغم تمزقها- أن تبادر بدور إيجابى من أجل التلاقى والتفاعل والتفاهم. هذه هى البداية الأولى التى تنطلق من التعارف.. أى أن يتعارف كل الأجيال خاصة الشباب فى مناخ صحى إيجابى يفيدهم وربما يكون الشباب هم مفتاح الأمل لعلاج هذا المرض العضال ويجب على الكبار ان يساعدوهم ولو بالصمت على أقل تقدير.