فوجئت باختيار مصر للسودان للمباراة الفاصلة بين مصر والجزائر، وقلت للصديق مجدى كامل، مدير إذاعة جول إف إم، عندما أبلغنى بالخبر، إن حساسية السودانيين تجاه مصر لا تقل عن الجزائريين. ثم كان الشعور بالصدمة لدى الكثيرين فى مصر عندما وجدوا نسبة كبيرة من السودانيين تشجع الفريق الجزائرى. وهو ما يعنى أننا فى مصر لا ندرى شيئا عن الخريطة النفسية لشعوب المنطقة أو حتى الجار القريب فى جنوب الوادى.. دعك من الأطراف البعيدة فى المشرق أو المغرب العربى. وإذا كان ذلك مقبولا من رجل الشارع، فإنه يصبح مدعاة للتساؤل حين يتورط كبار المسؤولين فى اختيارات خاطئة تستند إلى شعارات أكثر منها خطأ لقراءة الواقع. وأنا لا أقصد بهذا الكلام الإساءة للإخوة فى السودان، فهم شعب طيب بالفعل، وتُكن أغلبيتهم مشاعر صادقة تجاه مصر وتنظر إليها بإكبار. لكنهم مثل بقية الشعوب العربية، تحكم علاقتهم ومشاعرهم تجاه مصر عوامل كثيرة تختلط على هواة تبسيط الأمور. لذلك تجدنا نختزلها فى عبارات مثل: هذا الشعب يحبنا أو هذا يكرهنا، كما حدث مع الجزائر، حيث فُسرت تصرفات جماهير الكرة الجزائرية على أنها كراهية لمصر من الجزائريين بشكل عام. ثم كانت فرصة للبعض لإسقاط ما حدث فى الخرطوم على كل العرب، فأصبحوا جميعا يكرهون مصر وبالتالى علينا أن نعود إلى أصولنا الفرعونية، أو أن نمد جذورنا شمالا تجاه أوروبا، كما لو كانت أوروبا تفتح ذراعيها لنا. لكن هل يكرهنا العرب بالفعل؟ إننى أفضل هذه الصيغة بدلا من سؤال البعض: لماذا يكرهوننا؟ فالأول يحتمل الإجابة بنعم أو لا، أما الثانى فيحسم الإجابة بالكراهية التى يبحث عن أسبابها، ثم ينتهى الأمر إلى تكرار أكليشيهات تنطوى على مجاملة الذات بدلا من مواجهة النفس بالحقائق.والحقيقة أننى لا أجد هذه الكراهية التى يتحدث عنها البعض تجاه مصر. أقول ذلك بعد معاشرة استمرت قرابة عقدين من الزمن للعديد من الجنسيات العربية داخل الولاياتالمتحدة. أما ما يتحدث عنه الكثيرون من مشاعر عدائية ضد مصر، فهو أقرب إلى «الحساسيات» منها إلى الكراهية. وإذا كنا جادين فعلا فى معالجتها فإننا ينبغى أن نتعامل بصراحة مع أسبابها التى يمكن تلخيصها فيما يلى: أولا: العامل السياسى، المرتبط بتوجهات مصر الإقليمية بعد اتفاقية كامب ديفيد، واستخدمت من قبل القوى المناوئة لتشويه صورة مصر العربية. ثم كانت أزمة غزة الأخيرة التى رسخت الصورة السلبية عن الدور المصرى وارتباطه بقوى خارجية، لذلك لم يكن غريبا أن يستخدمها المشجعون الجزائريون فى لافتاتهم بأم درمان. ثانيا: مع وجود فراغ إقليمى لمؤسسات الدولة الرسمية فى مصر، فإنه كان يفترض أن تملأ النخبة المصرية هذا الفراغ، لكن هذه النخبة مع معارضتها القوية لسياسات الحكومة داخليا، فإنها حافظت على ارتباطها بها فى أغلب سياساتها الخارجية، كما يقول الدكتور منذر سليمان، بحيث لم يعد هناك تمييز كبير بين الحكومة والشعب بشأن تلك السياسات. ثالثا: مع غياب الدور «الملهم» لمصر الناصرية، كما يصفه الكاتب كمال الطويل، فإن القوة الناعمة لمصر تراجعت أيضا من حيث التأثير الثقافى والفنى والعلمى لمصر فى المنطقة. رابعاً: هذا التراجع لا يمكن أن يكون فى ذاته مدعاة للكراهية، لكن ما يجعله يأخذ صورا عدائية أحيانا هو لغة المنّ التى كثيراً ما يستخدمها المصريون، فتعظم مما قدمت مصر للدول المحيطة وتقلل فى الوقت نفسه من قدرهم. خامساً: نحن لا ننظر إلا للجانب الإيجابى من الدور المصرى، ولا نرى الجانب السلبى من وجهة نظر الآخرين. فهناك مثلا نسبة من السودانيين الذين يرون ذلك الدور «استعماريا» أو على الأقل كان مرتبطا تاريخيا بالاستعمار البريطانى. وحتى بين السودانيين الذين يكنون مشاعر طيبة تجاه مصر، فإنهم يرون نظرة فوقية تستفزهم فى تعامل المصريين معهم، لذلك يسعدهم أن يحدث ما يقلل من تلك «العنجهية» المصرية حتى لو كانت مباراة كرة. سادسا: بقى أمر آخر هو دور الإعلام المصرى، فمع انتشار الفضائيات أصبح من الضرورى أن يراعى إعلامنا امتداد جمهوره ليشمل قطاعات جديدة من الشعوب العربية، إلا أنه ظل يخاطب نفسه بنفس اللغة الشوفينية التى تحدثنا عنها. بل إنه عندما حاول مهاجمة تصرفات جماهير الكرة الجزائرية مؤخرا، استخدم لغة تحقير تجاه الجزائر، كدولة وشعب وثقافة، بما جعل كثيرا من أبناء المغرب العربى يشعرون بالتوحد مع الجزائريين، كما يقول الإعلامى المغربى محمد الوافى. كل هذا لايعنى أن الصورة قاتمة تماما، فلايزال لمصر رصيد كبير من مشاعر المودة والتقدير رغم ما ذكرت، ولايزال الشعب المصرى بلهجته وأغانيه وأفلامه هو الأقرب لأغلب الشعوب العربية، وهو رصيد علينا ألا نفرط فيه، أو على الأقل فيما بقى منه!