سوتشي مدينة روسية تقع علي البحر الأسود ويسكنها نحو340الف نسمة لم تكن الأضواء مسلطة عليها قبل أن تختارها اللجنة الاولمبية في عام 2007 لاستضافة دورة الألعاب الاولمبية الشتوية. وتتميز مدينة سوتشي، الواقعة على الساحل تحت قمم القوقاز المكسوة بالجليد، بالنخيل والطقس اللطيف. لكنها تفتقد سحر منتجعات البحر المتوسط الأخرى لأن معظم المدينة تسيطر عليها البنايات الأسمنتية التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، هذا بخلاف افتقادها للشواطئ الرملية حيث لا يوجد بها سوى شواطئ الحصى. الاولمبياد الشتوي اكسب منتجع سوتشي شهرة واسعة واكتسب منتجع سوتشي لاحقا شهرة واسعة بفضل استضافته الأولمبياد الشتوي للمرة الأولى في مدينة شبه استوائية من ناحية ولأن هذا الأولمبياد سيكون الأعلى تكلفة من نوعه في التاريخ الرياضي من ناحية أخرى. وتركزت معظم التكلفة التي تبلغ 50 مليون يورو وتم إنفاقها في موسكو عن طريق الحكومة والمستثمرين المشاركين في الحدث على الطرق العامة وخطوط السكك الحديدية الموصلة إلى ما يوصف ب "الكتلة الجبلية" بمنتجعي روزا خوتور وكراسنا يا يوليانا الواقعين على مسافة 75 كيلومترا جنوب شرق سوتشي حيث ستجرى المنافسات الثلجية ومنافسات التزحلق على الجليد.. وحظي منتجع سوتشي نفسه بمتنزه أولمبي هائل بموقع مطل على البحر في وادي "أميريتي سوتشي " حصن عسكري إبان الاحتلال الروسي للقوقاز وتأسست مدينة سوتشي في القرن التاسع عشر كحصن عسكري روسي في فم نهر سوتشي، وذلك في ظل الاحتلال الروسي للقوقاز. وظلت الحروب دائرة بين الروس والسكان الأصليين من قبائل الشركس حتى عام 1864 ، عندما قرر غالبية السكان الأصليين في النهاية أن يهاجروا إلى الإمبراطورية العثمانية. وكانت منطقة سوتشي يقطنها الأوبيخ ، وهم فئة من الشركس ماتت لغتهم عام 1992 بموت آخر متحدثيها توفيق إزينتش في قريته بتركيا. واحتل مستوطنون من العرقية الروسية وغيرها، مثل اليونانيين والإستونيين، الأراضي التي تركها الشركس. كما يصل حجم الجالية الأرمينية في سوتشي حاليا إلى 20% من عدد السكان. أما قرية بلاستونكا التي تقع في التلال أعلى المدينة فسكانها من أصل جورجي. سوتشي " مقر لاستقبال أصحاب المقام الرفيع وإبان العصر السوفييتي، أصبحت سوتشي منتجعا شهيرا خاصة مع اتخاذ ستالين منزلا هناك. واستمرت هذه العادة في روسيا ما بعد العصر السوفييتي حيث أصبحت سوتشي بمثابة المقر الصيفي لرؤساء روسيا ويقضي الرئيس الحالي لروسيا، فلاديمير بوتين، الكثير من الوقت في سوتشي حيث يفضل استقبال ضيوفه الأجانب من أصحاب المقام الرفيع هناك في مقره الصيفي "بوشاروف رتوشي وممنوعة علي الطبقة المتوسطة وباعتباره منتجعا سياحيا، ارتفعت أسعار المعيشة بدرجة كبيرة في سوتشي لدرجة أن سكان الطبقة المتوسطة من الروس يفضلون السفر إلى تركيا بدلا منه. ولكن المدينة تعتبر وجهة للعسكريين الروس والعاملين في الخدمات الأمنية الممنوعين من السفر باعتبارهم "يحملون أسرار الدولة." اختيار" سوتشي "من احد انجازات بوتين ويفترض أن يعكس حفل الافتتاح المقرر يوم الجمعة المقبل على الإستاد الحديث بهذا المنتجع الروسي إنجازات روسيا الجديدة تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، أقوى شخصية في العالم بحسب مجلة "فوربس" الشهيرة. والحقيقة أن استضافة روسيا للأولمبياد الشتوي للمرة الأولى في التاريخ يعتبر إنجازا ينسب للرئيس الروسي بوتين الشغوف بالرياضة والحائز على الحزام الأسود في رياضة الجو دو. ولعبت كلمات بوتين، التي ألقاها باللغة الإنجليزية أمام اللجنة الأولمبية الدولية في اجتماعها بجواتيمالا في تموز/يوليو 2007 ، دورا بارزا في التصويت لصالح ملف سوتشي ومنح هذا المنتجع حق الاستضافة. اولمبياد " سوتشي "الاعلي تكلفة في التاريخ ورغم هذا، واجه بوتين سيلا من التقارير السلبية بشأن الاستعدادات النهائية للأولمبياد وخاصة فيما يتعلق بإستاد "فيشت" الذي يقع بين القمم الجبلية الجليدية في القوقاز وشاطئ البحر الأسود حيث كان لا يزال في المراحل النهائية للعمل به قبل أقل من ثلاثة أسابيع على انطلاق فعاليات الدورة. وبلغت تكلفة هذا الإستاد 750 مليون دولار ولكنها تبدو تكلفة بسيطة للغاية إذا ما قورنت بالتكلفة الإجمالية لاستضافة هذا الأولمبياد والتي تبلغ 50 مليار دولار أمريكي لتكون هذه الدورة هي الأعلى تكلفة في التاريخ. ويفضل بوتين ومسئولو الحكومة الروسية التحدث حاليا عن تكلفة أقل كثيرا من هذه التكلفة الإجمالية وهي 4ر6 مليار دولار ولكن هذه التكلفة لا تتضمن الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية العملاقة مثل الطرق وخطوط السكك الحديدية والفنادق التي كان تشييدها أمرا ضروريا لاستضافة الأولمبياد في سوتشي خاصة وأن هذا المنتجع والجبال المحيطة به لم يكن بها من قبل أي منشآت لممارسة الرياضيات الشتوية. صادرات البترول والغاز تحل محل الضرائب في روسيا وعلى عكس ما يحدث في الديمقراطيات الغربية، لا تثير حصيلة الضرائب من دافعي الضرائب جدلا عاما في روسيا خاصة وأن معظم الناس في هذا البلد لا يسددون حتى الحد الأدنى (13 بالمائة) من ضريبة الدخل بينما تعتمد عائدات الدولة في المقام الأول على صادرات البترول والغاز. ورغم هذا، يبدو المال مجرد أحد الأمور الجدالية التي تثيرها أول دورة أولمبية في إحدى دول الاتحاد السوفيتي السابق. وكانت الحكومة التي تهيمن بشكل قوي على تنظيم هذه الدورة مصدرا لعدد آخر من القضايا الجدالية وأبرزها القانون الذي يحظر "دعاية المثليين" والذي وقع عليه بوتين في الصيف الماضي وأثار عاصفة من الانتقادات حول العالم. هجوم المعارضة يجعل بوتين في موقف دفاع كما هاجم النقاد والمعارضون هذه الدورة ووجهوا اتهامات بوجود فساد إضافة لانتقاداتهم للظروف السيئة لعمال البناء مع تجاهل حماية البيئة وحقوق الإنسان بما في هذا الإجراءات الصارمة ضد الناشطين الروس وكذلك الإجراءات الأمنية المشددة ومنها حظر المظاهرات تقريبا وفرض مراقبة شاملة من قبل الاستخبارات الروسية. كل هذا وضع بوتين في موقف الدفاع. وفي كانون أول/ديسمبر الماضي، أصدر الرئيس الروسي عفوا سياسيا ليطلق سراح عضويتين محبوستين من فرقة "بوسي ريوت" و30 ناشطا من منظمة "جرينبيس" أو "السلام الأخضر" الذين احتجوا على تنقيب شركة "جاز بروم" الروسية عن النفط في المنطقة القطبية الشمالية. وبدا هذا العفو السياسي والصفح عن قطب النفط السابق ميخائيل خودوركوفسكى كخطوات نحو تحسين الوضع. ويجمع معظم المراقبون على أن بوتين، الذي لعب دورا أساسيا أيضا في دعم استضافة روسيا لأحد سباقات بطولة العالم لفور مولا-1 في منتجع سوتشي أيضا واستضافة روسيا لكأس العالم 2018 لكرة القدم، استثمر بشكل هائل في جلب الأحداث الرياضية الكبرى إلى روسيا. ويري الخبراء أن نجاح هذه الإحداث الرياضية سوف تنعكس إيجابا علي نجاح سياسة بوتين وفشلها سوف يؤثر بالسلب علي شعبيته. فهل سيلعب الملف الرياضي دورا هاما في شعبية بوتين.؟