فاجأ الرئيس فلاديمير بوتين الداخل والخارج باختياره لأهم وابرز المنتجعات الصيفية لروسيا كعاصمة لاوليمبياد الألعاب الشتوية، بعيدا عن كل الاراضى الشاسعة المترامية الاطراف فى سيبيريا وشرقى روسيا، بكل ما تملكه من ثلوج ومناخ شتوى مثالي. وكان بوتين شارك بنفسه فى طرح ملف سوتشى لدى اختيار اللجنة الاوليمبية الدولية لعاصمة اوليمبياد 2014 فى جواتيمالا قبل ست سنوات مراهنا على ذلك بالكثير مما يملكه من موقع ومكانة . هنا ننقل عن بوتين ما قاله حول اسباب اختياره لهذه المدينة، فى معرض حديثه فى الشريط الوثائقى «فلسفة الطريق الوثير»، الذى يعرض غدا مع موعد افتتاح الدورة الاوليمبية للالعاب حيث اعاد الى الأذهان ما اعترف به اعضاء اللجنة الاوليمبية الدولية لدى اعلانهم موافقتهم على ترشيح سوتشي اننا نؤيد روسيا المعاصرة.. اننا نريد دعمها .. نحن فى حاجة الى مثل هذه الدولة، اننا وللاسف لم نر مثل هذا الاهتمام بدعم الحركة الاوليمبية فى بلدان اخرى كثيرة، بين تلك التى ترفل بالوفرة والنعيم. اما عن «المنافس الرئيسي» قال بوتين بإيجاز: اننى لن اتحدث عن نفسى.. اننى ساتحدث عن المنافس الرئيسى لروسيا.. ان لديها منافسا واحدا.. وهو «روسيا بكل ما لديها من مشاكل وهموم داخلية». لم تكن سوتشى بعيدة خلال الاشهر الاخيرة عن الكثير من مضاربات السياسة والاعيب رجالها، فضلا عن محاولات الابتزاز التى استهدفت روسيا لافساد فرحتها وتشويه كل ما بذلته قياداتها السياسية والاقتصادية والرياضية من جهود، سعيا وراء تكرار ما سبق وعايشته ابان استضافتها للدورة الاوليمبية الصيفية فى عام 1980، التى قاطعتها الولاياتالمتحدة وكثير من البلدان الغربية والعربية ومنها مصر بسبب الغزو السوفييتى لافغانستان. ويذكر المراقبون انه وما ان اقترب موعد انعقاد الدورة الاوليمبية مع حلول السابع من فبراير الجارى حتى تعالت الاصوات فى محاولة لايجاد المبررات القانونية والسياسية المناسبة لافساد اجواء الدورة، ولا نقول احباط انعقادها. فثمة من راح يندد بما يقولون انه تقييد ل «حقوق المثليين»، فيما ظهر آخرون يروجون لانتهاك حقوق الانسان وتقييد حريات المعارضة دفاعا عن ممثلى بعض منظمات المجتمع المدنى وحرية تمويلهم من الخارج. وكان الرئيس بوتين وراء اقرار قانون تنظيم تسجيل هذه المنظمات وضرورة خضوعها للرقابة المالية مع اعتبارها ممثليات لمنظمات اجنبية فى روسيا. بل ووجدنا ايضا من يهدد من زعماء العالم، ومنهم الرئيس الامريكى باراك اوباما بمقاطعة حضور حفل الافتتاح. ورغم عما يعرفه العالم عن عناد بوتين واعتزازه ببلاده فان هناك ما يقول بتقديمه لبعض التنازلات من اجل الحيلولة دون محاولات افساد الاجواء الاحتفالية لحلم اقامة الدورة الاوليمبية الثانية والعشرين للالعاب الشتوية فى سوتشي. ومن ذلك يذكرون افراجه عن الملياردير اليهودى الروسى ميخائيل خودوركوفسكى صاحب شركة «يوكوس النفطية» بعد قضائه فى السجون الروسية ما يربو على العشر سنوات بتدخل مباشر من المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، فضلا عن موافقته على السماح بالمظاهرات فى سوتشى خلال اقامة الدورة، وإن خصص لذلك بعض المناطق البعيدة نسبيا عن مراكز تجمعات الرياضيين، الى جانب الاستجابة للضغوط فيما يتعلق بما يسمونها «حقوق المثليين». ومع ذلك وجدنا من يحاول التقليل من شأن كل ما بذلته القيادة الروسية من انجازات تبلغ فى بعض جوانبها حد «الابهار» حسب اعتراف رئيس اللجنة الاوليمبية الدولية!. ولم يكن الرئيس بوتين ليغفل كل ما دار فى خلد غرمائه ممن كانوا يتوقون شوقا للاستمتاع بفشله. وحين تدفقت الاموال، بدون حساب فى بعض جوانبها، لتمويل المشروعات الرياضية وبناء البنية التحتية ليس فى سوتشى وحدها، بل وفى ضواحيها، وهو ما اكده دميترى ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية فى حديثه الى قناة «سى ان ان» حيث قال ان التكلفة الحقيقية للدورة، ودون تكلفة ما يتعلق ببناء البنية التحتية لمقاطعة كراسنودار، هى مائتا مليار روبل اى ما يقرب من ستة مليارات دولار. وفيما بدت هذه الحملات غير ذات تاثير على المواطن الروسي، تحول البعض من ممثلى الدوائر الغربية الى تاكيد ان المكاسب عادة ما تعود على اللجنة الاوليمبية الدولية وليس على الدول المستضيفة للدورات الاوليمبية والمسابقات الرياضية العالمية. وكانت الاصوات تعالت ايضا تهدد من مغبة احتمالات وقوع الكثير من العمليات الارهابية تصفية لحسابات قديمة يتعلق بعضها بما جرى فى الشيشان والقوقاز منذ قرابة العقدين من الزمان. كل هذا ادركه الرئيس بوتين فى حينه ما دفعه الى اتخاذ الكثير من الاجراءات المدعومة بما استصدره من قوانين لتامين اقامة الدورة والحفاظ على سلامة المشاركين فيها، وهو ايضا ما حاول البعض استغلاله مثلما فعلت الولاياتالمتحدة التى لم تكف عن الحاحها فى طلب المشاركة فى تامين الدورة فيما سارعت بارسال اثنتين من بوارجها الحربية الى حوض البحر الاسود استعدادا للانتقال فى حال الضرورة الى مقربة من الشواطئ الروسية.