"مَن شابه أباه فما ظلم" عاش وتربى على يد رجل ديكتاتوري كل همّه في الحياة التمسك بالسلطة والتحكم في زمام الأمور. إنه الساعدي الابن الثالث من أبناء القذافي الذي كان عاشقاً للشهرة والأضواء والسفر. تغلُب عليه صفة الغرور الذي قد يدفعه أحيانًا إلى القتل. حلمه الذي عاش وبات يراوده هو الاحتراف في كرة القدم ولكنه فشل في تحقيق حلمه ربما لأنه لا يعلم أنها هبة من عند الله لا يستطيع شراءها بكل أموال العالم.... ولأنه اعتاد على حياة الرغد فلم يحتمل الحياة في ليبيا وهرب إلى النيجر ولكن هل سيكون مصيره مثل أبيه وسيقع في نفس الفخ؟.. هذا ما لا يعلمه إلا الله عز وجل... الساعدي في سطور وُلد الساعدي في الثامن والعشرين من شهر مايو عام 1973، وهو ثالث أبناء معمّر القذافي، متزوج من ابنة الخويلدي الحميدي الذي قام بالانقلاب العسكري على الملكية مع القذافي عام 1969. عُرف عنه حب الأضواء والبذخ والسفر إلى الخارج رغماً عن والده، وتكثر الأقاويل حول إدمانه للمخدرات والكحول.
فشل ذريع عشق كرة القدم، ولكن حبه للشهرة والأضواء ورغبته في أن يتهافت عليه الجمهور جعله يفشل من أول جولة، فقد خاض الساعدي تجربة احتراف لمدة موسم واحد مع نادي بيروجيا بالدوري الإيطالي، لعب مباراة واحدة طيلة الموسم تمثلت في 15 دقيقة، قبل أن ينتقل إلى نادي أودينيزي ويلعب مباراة وحيدة أيضاً لم تتجاوز 20 دقيقة. ولم يستمر طويلاً في الكالتشيو الإيطالي إذ تعرّض لعقوبة الإيقاف ثلاثة أشهر بعد ثبوت تعاطيه مادة "الناندرولون" المحظورة، عقب فحوص خضع لها على هامش مباراة فريقه بيروجيا ضد ريغينا بالدوري الإيطالي. وبعدما انتهت رحلته بالفشل الذريع عاد إلى موطنه ليترأس الاتحاد الليبي لكرة القدم.
من شابه أباه فما ظلم.. ديكتاتورية الساعدي ومن أكثر المواقف التي تؤكد ديكتاتورية الساعدي ومواقفه السلبية التي أدت إلى كراهيته في الوسط الرياضي هو إقالته مدرب المنتخب الليبي آنذاك، الإيطالي فرانكو سكوليو، لأنه رفض إشراكه في المنتخب بشكل أساسي، لأنه على حد قوله ليس لاعب كرة قدم.
وحدثت مأساة شنيعة عند توليه نادي الاتحاد فكان يلعب في صفوفه في مبارة بين الاتحاد وأهلي طرابلس والتي تعد قمة الكرة الليبيّة، ولكن الحظ لم يحالف الساعدي وهزم من منافسه الأهلي، ووقتها طلب من قواته الخاصة إطلاق النار على المشجعين المنافسين الذين هتفوا ضده مما أدى إلى مقتل أكثر من عشرين شخصا.
وفي واقعة أخرى بشعة يقال إنه قتل بشير الرياني أحد نجوم الكرة الليبية في ديسمبر عام 2005 بسبب غيرته الدائمة منه لموهبته وتصريحاته بأن الساعدي لا يملك الإمكانيات التي تؤهله ليكون لاعب كرة قدم محترف.
الكتيبة 48 وطبقاً لسياسة القذافي التي اتبعها وسار على نهجها بنوه، حيث وضع مقاليد الجيش والقوات المسلحة في يد أبنائه وأقاربه، فقد كلف الساعدي بإدارة الكتيبة 48 التي تتمركز في منطقة أبو هادي قرب سرت والتي دعيت لاحقا بكتيبته وإبان ثورة 17 فبراير كانت الكتيبة إلى جانب بقية كتائب القذافي السلاح الذي استعمله ضد شعب ليبيا ردا على ثورتهم في وجه نظامه الفاسد البائد فأخذ يقتل فيهم رجالا ونساء وأطفالا.
فقاتلت كتيبة الساعدي الثوار في عدة جبهات كان أحسمها معركة بنغازي الثانية حينما وصلت الكتائب إلى مشارف بنغازي وأطبقت حصارا على المدينة التي تعد أقوى معاقل الثوار وأمنعها وأحصنها ومقر المجلس الوطني الانتقالي، لكن الجهد السياسي الدولي تكلل بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 الذي خوّل لدول العالم تشكيل ائتلاف حربي وفرض حظر جوي فوق ليبيا لحماية المدنين من نيران كتائب القذافي. ونالت القوات المتمركزة حول بنغازي وقت بدء الضربة الجوية أوفر النصيب من القصف الجوي الفرنسي الذي صادف ساعة استراحة جنود الكتائب؛ مما أوقع خسائر فادحة بكتيبة الساعدي وبقية الكتائب وأنقذ بنغازي من معركة عنيفة كانت تلوح في الأفق.
الهروب الآمن فرّ الساعدي في سبتمبر الماضي إلى عاصمة النيجر بطائرة عسكرية وأُعطي فيلا فاخرة في مجمع من دور الضيافة بجوار القصر الرئاسي بعيداً عن جو الحروب والقلق التي عايشها في بلاده.
وموقف النيجر لم يتغير بعد موت القذافي فهي تقاوم حتى الآن مطالبات دولية وإقليمية بتسليمه، داعية مسئولي المجلس الانتقالي لإرسال محققين لاستجوابه، ولكنها تتعرض لضغوط سافرة لمنع الساعدي من القيام بأي نشاط ضد الحكم الجديد في ليبيا انطلاقا من أراضي النيجر.
ولكن لكل ظالم نهاية مكتوبة له، والقاتل يُقتل ولو بعد حين... فالشعب الليبي منتظر العدل والقصاص مِن كل مَن تسبب في سفك دمائهم.. فكيف سيكون مستقبل الساعدي في الفترة القادمة في ظل تلك الأوضاع؟.