الرئيس من لم يصدق الرئيس، وهو يؤكد المرة تلو المرة أنه لا يبغِ سوي مصلحة شعبه، وأنه مجرد موظف عند من لم ينتخبوه قبل من انتخبوه، كما أعلنها مدوية أول مرة فى ميدان التحرير، أمام ملايين المصريين؟ ومن منا لا تتملكه الحيرة وهو يسمع كلام الرئيس، ثم يري أفعاله فيركبه مليون عفريت؟ يقول أنه رئيس لكل المصريين، ثم يصدر إعلانا دستوريا، ومن قبله جمعية تأسيسية، يقصمان ظهر مصر ويقسمان شعبها إلى "فسطاطين"...؟ فسطاط المتأسلمين، من أعضاء حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" ومن والاهما ومن حذا حذوهما، وفسطاط "الكفر والإلحاد والفسوق والخنا والضلال المبين" كما يهوي أنصار الفسطاط الأول أن يلقبوهم فى قنواتهم ك"الحافظ" وغيرها. يؤكد أنه ليس له حقوق وإنما عليه واجبات، ثم إذا به وفى ذروة الاحتقان الذي تمر به البلاد، يصدر مرسوما رئاسيا برفع أسعار الضرائب على خمسين من السلع الرئيسية، ويشعر المصريون فجأة بنسائم النهضة تهب عليهم، ثم فجأة يتراجع خلال ساعات قليلة – ليس عن وجهة نظر تخطئ أو تصيب – وإنما عن قرار رئاسي بمرسوم جمهوري، قبل أن تتحول "النسائم" إلى زوابع وأعاصير، وبعد أن اشتم فى الإفق رائحة ثورة جياع، لا تزلزل عرشه فحسب، وإنما تهدد بحرق الأخضر واليابس بامتداد ربوع البلاد.
ومن قبل ها هو يقرر أنه زعيم لجميع أبناء مصر، ثم يقودهم إلى هاوية لم تهوي إليها البلاد فى تاريخها الحديث، وربما تاريخها كله، عنه، وشهدنا وشهد العالم أجمع، كيف راح المصريون يقتلون بعضهم بعضا ويسفكون دماء أهليهم لأول مرة فى تاريخها الحديث.......! وبالمناسبة، فلا زال في حديث الدم بقية، ليس وقته الآن. ولو كان الرئيس على قناعة وثقة فى صحة وسلامة "الأسلوب" الذي اتخذ به قراره بإصدار إعلانه الدستوري الأول، ما تراجع عنه بعد أسبوعين، وما واجه هذه الغضبة التى جمعت أعداءه ومعارضيه السياسيين وجموع حزب الكنبة جميعا فى كفة واحدة...! وها هو الآن يحاور ويناور من أجل القبض بيد من حديد على استفتاء الدستور الجديد، بعد أن تنازل راغما عن صلاحياته الإلهية "المؤقتة"، مدافعا – وظهره إلى الحائط - عن مسودة وضعها أنصار فسطاط "الموحدين" رغم أنف فسطاط "الكفرة والمشركين". وهو بذلك وإن أصر على استفتائه، وصدر الدستور الجديد، بموافقة 60 – 70 % من المصريين، فسيكون مرسي – بقدرة قادر – قد نجح فيم لم ينجح فيه هرقل ولا هولاكو، ولم يقدر عليه التتار ولا الصليبيين، ومن بعدهم الفرنجة والإنكليز، بتقسيم مصر إلى دويلتين، إحداهما ل"المؤمنين" والأخري ل"الكافرين" ........ وذلك بالطبع إلى حين، فهيهات أن تبقي "إمارة الإسلام" دون غزو وفتح مبين، حيث سرعان ما ستنقض الأولي على جارتها، لتقف جيوشها على أبوابها، وتخير أهلها ما بين الجزية أو الحرب، حتى يموتوا أو يدفعوا راغمين. أخيرا، نصيحة نهمس بها في أذن سيادة الرئيس: فتش جيدا فى جنبات قصرك، وتحقق من هوية الذي يقدم لك إرشاداته واستشاراته، فهو واحد من اثنين لا ثالث لهما: إما – عفوا – "حمار" ........ أو جاسوس أثيم.