فى البدء بدء الثورة كان الناس رتقا حتى يوم التنحى، او ربما حتى يوم التخلى، وفى قول حتى يوم الخلع.. ففتقناهما، وانقسم الناس الى فسطاطين: فسطاط دعاة الدولة الاسلامية (رغم انه مصطلح مبتدع وكل بدعة ضلالة) وفسطاط العلمانين والليبرالين و... وفسطاط العلمانين والليبراليين والكفار يطالب ببساطة بحريته، حريته فى المعتقد واتخاذ القرار وتقرير المصير، وبمفاهيم الدولة الديمقراطية الحديثة التى تجعل الشعب يختار من يمثله بالانتخاب الحر مما يترتب عليه كما يعتقد أهله ذلك الفسطاط القضاء على الفساد وتقديم مصلحة الشعب نفسه داخليا وخارجيا (بحيث تكون مصالح المواطن هى مقاصد المشرع وممثليه هم الية التشريع). أما الفسطاط الآخر (دعاة الدولة الاسلامية رغم ان المصطلع مبتدع.. الخ) فهم والحق يقال لا يطلبون شيئا لأنفسهم وانما يطلبون للفسطاط المضاد، فهم يطلبون منعه فقط! هم دائما يطلبون منع شىء ما (هم انفسهم يفترض انهم يمتنعون عنه) اى أنهم يطالبون فى الواقع بتقييد حرية الطرف الآخر فحسب (لا اقصد طبعا استرقاقه والمتاجره به فى اسواق العبيد كما رأى أحدهم) فعامتهم يطلبون وأد الحرية الشخصية لا أكثر. ولو تأملت فى فلسفة المنع تلك لأبصرت تفكيكا جيدا قد يغرى دريدا نفسه بالانضمام الى اهله لولا القمع. فاذا ذكر العلمانيون والليبراليون و... الدستور أو البرلمان أو الانتخابات ذكر فسطاط المنع منع المرأة والقبطى (وعمليا اى أحد من غير فسطاطهم) من تولى المناصب، منع أى أحد من نقد الدين أو ممثليه ووكلائه الرسميين، منع التبرج والسفور، منع المواقع الاباحية، منع القبلات من الأفلام، منع الاختلاط فى المدارس والجامعات والكافتيريات وشجر الكورنيش ومنع طريق العشاق الشهير بالجامعة، منع الخمور والغناء والموسيقى وحلق اللحية و(العيش و العيشة واللى عايشنها بحلالها وحرامها).. الخ. ورغم أن الأصل كما فهمت من الدين هو الاباحة لكنهم اكتشفوا نقلا عن شيوخ الخليج أن الأصل فى الدين هو المنع، وهذا الاهتمام الفريد بسلوك الآخرين كغاية دينية وسياسية هو تطور حضارى طبيعى لقطع الطرق على الآخرين فى الصحراء، طوره أحفاد كفار قريش (الأصليين) والقاعدين اللذين ترسبوا فى شبه جزيرة العرب بعد أن هاجر الصحابة وأهل البيت منها ناشرين نور الاسلام الذى أشرق فى قلوبهم على مصر والشام والعراق وفارس وهند والصين والمغرب والأندلس تاركين هؤلاء فى الصحراء يتطورون وحدهم ككائنات مدغشقر وجزر غالاباكوس، خارجين منها من آن الى سواه خوارجا مغتصبين فى لحظات ضعف الدول الكبرى كالعثمانية مثلا، فلما قاءت الأرض ذهبها الأسود القيم كسا مذهب المنع المقدس ذلك فجعله لامعا فجأة حتى فى أرض الأزهر والصوفية والوسطية والحضارة والحرية.. مصر. وهذه الفلسفة المنعية ذات الكساء النفطى اللامع تؤدى بالضرورة الى تعصب أهل فسطاط العلمانيين والليبراليين والكفار لأنهم وضعو فى موضع اتهام عقوبته حددت دون محاكمة بالاعدام ولان معركتهم أصبحت على حريتهم ووجودهم هم على عكس فسطاط المنع الذى يراهن على تقييد حرية الآخرين. وبما أن كل فسطاط يزداد تعصبا وفرحا بما لديه فأنا أقترح أربعة حلول لنبذ الخلاف واعادة الفسطاطين الى فسطاط واحد أو حتى أورمان واحد.. الأول: تنظيم عيد قومى (يكون عطلة رسمية مدفوعة الأجر) للحرب الأهلية يلتقى الفسطاطان فيه بمكان بعيد فى الصحراء يقتتلان وخلف كل فسطاط نساؤه وأطفاله يشجعون لتسخين المعركة حتى يفنى أحد الفسطاطين وينفذ الأخر مشيئته (مشيئة الله فى حالة دعاة الدولة الاسلامية ومشيئة الشيطان فى حالة العلمانيين والليبراليين و...) وطبعا الاطفال والنساء سبايا للمنتصر. الثانى:نقسم البلد الى بلدين فبلد لفسطاط العلمانيين والليبراليين و... يمارسون حريتهم كما يحبون وبلد لفسطاط أهل المنع (لن يكون بينهم علمانيين وليبراليين و.. الخ يمنعونهم من فعل أى شىء ولكن أعتقد أنهم سيجدون حلا على كل حال). الثالث:اقصاء الفسطاطين معا ووضع الأمر فى يد أى مستبد عادل أو ظالم (حكم عسكرى مثلا؟) كناصر والسادات وليس مبارك منكم ببعيد، مع حذف الثورة من تاريخنا ومن الممكن ببساطة انكار حدوثها اعلاميا وعندئذ لن يتعب اى فسطاط نفسه فى الخلاف أو الاعتراض أو التفكير وانا لن أتعب ذاتى الرائعة فى كتابة مقالات وطباعتها على الكيبورد. الحل الرابع: تقترحه أنت.....