شاركت فى لقاء فندق فيرمونت مع الدكتور محمد مرسى قبل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة بعدة أيام، وقلت له يومها إننا أبطلنا أصواتنا، فلم ننتخب الفريق أحمد شفيق خوفاً من أن يكون فوزه بالرئاسة تمهيداً لعودة النظام القديم، ولم ننتخب الدكتور محمد مرسى ليس اعتراضاً على شخصه، وإنما لأننا لا نثق فى جماعة الإخوان المسلمين التى أثبتت التجربة أنها تعمل من أجل مصلحة التنظيم بصرف النظر عن أى اعتبار آخر وأنها على استعداد لتغيير مواقفها وتحالفاتها إذا تعارضت مع مصلحة التنظيم، وكانت القضية الوحيدة التى طرحتها عليه أنه بإمكانه أن يدخل تاريخ مصر من أوسع الأبواب وأن يكون الحاكم الثالث فى تاريخ مصر الذى يحتل أعلى مكانة، أولهم الملك مينا موحد القطرين الذى أسس الدولة المصرية بحدودها التاريخية، وثانيهم محمد على باشا الذى أسس الدولة المصرية الحديثة ليفتح بذلك الباب أمامها لتواكب تطورات العصر، ووفر لها المقومات الأساسية التى تمكنها من التقدم على طريق الخروج من إطار العصور الوسطى وقلت له إن المهمة التى تنتظره ويمكن أن يدخل من خلالها تاريخ مصر من أوسع أبوابه هى أن يكون مؤسس الدولة الديمقراطية؛ لأن مصر مهيأة بالفعل فى هذه اللحظة التاريخية لاستكمال عملية التحول نحو دولة ديمقراطية يتمتع شعبها بحقوقه وحرياته الأساسية، وعلى رأسها حقه فى اختيار حكامه وتغييرهم دورياً بإرادته الحرة من خلال انتخابات نزيهة، خاصة أن ثورة 25 يناير قد جذبت إلى ساحة العمل العام والنضال السياسى ملايين المصريين، وتشكلت جبهة واسعة من القوى السياسية التى تلتقى حول هدف التغيير فى اتجاه التخلص إلى الأبد من الاستبداد وبناء دولة ديمقراطية، وقد أثبت الشعب المصرى أنه مستعد بالفعل للمشاركة فى هذه العملية، فقد شارك فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011 أكثر من ثمانية عشر مليون ناخب بعد أن كان عازفاً عن المشاركة فى الاستفتاءات ولم تكن نسبة مشاركته تزيد على 1% فقط من إجمالى الناخبين، وشارك فى انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث ما يقرب من ثلاثين مليون مواطن، كما شارك فى انتخابات رئاسة الجمهورية أكثر من عشرين مليون مواطن، وقد جرت هذه الانتخابات كلها خلال عام واحد، أى أننا أمام قاعدة شعبية مساندة للتحول الديمقراطى وعلى استعداد للمشاركة فيه، يضاف إلى هذا أن المقوم الثانى للتحول الديمقراطى وهو التعددية الحزبية كان ينمو بدرجة كبيرة، فقد نشأت أحزاب جديدة تتجاوز المائة حزب نجح أكثر من عشرين حزباً فى امتلاك الشروط القانونية للتأسيس، وشهدت مصر لأول مرة فى تاريخها الحديث تأسيس العديد من الأحزاب الإسلامية بالإضافة إلى أحزاب ليبرالية واشتراكية وقومية جديدة، وساهم الإعلام المستقل فى تكوين رأى عام مؤثر يحسب له ألف حساب، فضلاً عن أن الانتخابات التى أجريت تمت بحرية رغم ما شابها من بعض القصور، ورغم ما صاحبتها من محاولات شراء الناخبين أو الانحراف بوعيهم نحو الاختيار وفق أسس ومعايير لا تتفق مع التوجه الديمقراطى. هكذا يمكن القول إن مصر كانت مهيأة عندما تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة الجمهورية للتحول الديمقراطى، وأن ما كان ينقصها هو قيادات رسمية حكيمة مؤمنة بأهمية استكمال التحول الديمقراطى، ومقتنعة أن أساس تقدم مصر هو بناء نظام ديمقراطى يقوم على سيادة القانون والمساواة بين المواطنين ويوفر الإطار الذى يسمح بتعبئة كل الطاقات الشعبية للمشاركة فى بناء اقتصاد وطنى قوى ومواجهة التحديات التى تحول دون ذلك. كان بمقدور الرئيس محمد مرسى أن يمسك بزمام المبادرة وأن يقود عملية صياغة دستور عصرى موضع توافق شعبى عام ليكون أساس عملية بناء الدولة الديمقراطية لكنه وبكل أسف سار فى الاتجاه المعاكس بقبول تشكيل جمعية تأسيسية يسيطر عليها تيار الإسلام السياسى ويصدر عنها دستور لا يحظى بالتوافق أو الرضا الشعبى وها هو يوشك على طرحه للاستفتاء العام ليكرس بذلك مصلحة التنظيم الذى ينتمى إليه على مصلحة الشعب المصرى، فهل تضيع فرصة بناء الديمقراطية، أم أن الشعب قادر على تصحيح المسار؟