في حين استمرت وتيرة الهجمات المعتادة من الجيش النظامي، بحصلة تقليدية من ضحايا العمليات العسكرية العدوانية الموجهة فى كثير من الأحيان للمدنيين، إلى جانب الثوار وجنود الجيش السوري الحر، فقد كشفت تقارير أن هدوءا حذرا بات يفرض سيطرته على كثير من القطاعات التى شهدت مواجهات ضارية على مدي الشهور الماضية، وذلك فى أعقاب الإعلان عن توحيد صفوف المعارضة السورية تحت لواء ما يسمي بالائتلاف السوري الحر، الذي شهدت الدوحة ميلاده السياسي قبل أيام، ليتلقفه السوريون الثوار بترحاب شديد، ومظاهرات حاشدة فى كثير من أنحاء المدن التى لا تزال تئن تحت وطأة خسائرها البشرية والمادية فى ظل تعرضها لقصف وحشي متواصل لشهور طويلة، دون هوادة. لقي الائتلاف المعارض الوليد كذلك ترحيبا رسميا من أمريكا والغرب، وكانت أولي البوادر الإيجابية في هذا الجانب، من جهة باريس – العاصمة الفرنسية – التى أعلنت عن استعدادها لاستقبال ممثل رسمي عن الائتلاف المعارض، وهي الخطوة التى يتوقع مراقبون أن تتلوها خطوات موازية، من جانب كثير من دول الاتحاد الأوروبي، وربما الولاياتالمتحدة الأميريكية فى نهاية المطاف. لا شك أن أنباء الثورة السورية، قد تراجعت أخيرا، وسط ضجيج آلة الحرب العدوانية الصهيونية، التى تصب جام غضبها ضد الفلسطينيين، ردا على تحديهم لاستمرار الحصار الظالم والاحتلال الغاشم لمدنهم وقراهم، منذ أربعينيات القرن الماضي، وذلك كتطور طبيعي لتداعيات الربيع العربي، إلا أن هذا لا يعني أن ثمة ارتباط وثيق بين الجبهتين، السورية والفلسطينية، فى ظل وجود عامل مشترك ولاعب رئيسي على الجبهتين، وهو الكيان الصهيوني. فالمؤكد أن العمليات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق، الجارية حاليا على الجبهة الفلسطينية، تعتبر حجرا يستهدف عدة عصافير، فهي من ناحية رسالة تحذير للسوريين، من طرفي الصراع، بإبعاد الأراض التى تحتلها "إسرائيل" بعيدا عن رذاذ المواجهات المسلحة، حيث تعرضت وحدات إسرائيلية لقصف متقطع عدة مرات من الجانب السوري، ولم يتأكد حتى الآن، هل كان الجيش النظامي وحده مصدر ذلك القصف، أم شاركت فيه وحدات من الجيش السوري الحر. وهي من ناحية أخري، تمثل أقوي عملية جس نبض لدول الربيع العربي، وعلى رأسها مصر، خاصة بعيد التغيرات الدراماتيكية، التى شهدتها تلك الدول، وكانت أغلبها لصالح قوي التيار السياسي المتأسلم، وتحديدا "الإخوان المسلمون"، والتى تشتهر بالعداء التاريخي للكيان الصهيوني، على النقيض من أنظمة سابقة كانت تعتبر بمثابة بعد استراتيجي له. نعود إلى سمة الهدوء على الجبهة السورية، وهي التى بدورها تعكس نوعا من الرضا غير المعلن، بفكرة تقسيم تلوح فى الأفق، على الرغم من الرفض المعلن والصارم لها، حيث يصبح هذا الحل هو الوحيد القابل لإغلاق ملف الصراع – ولو مرحليا – علي خلفية تدويل القضية، بما فتح الباب لتحويل سورية إلى ساحة لصراع أكبر، كان طرفيه الكبيرين هما المعسكرين التقليديين: الشرقي بقيادة روسيا، والغربي بقيادة أمريكا. والمشهود تاريخيا، أنه وفي مثل هذه النوعية من الصراعات، ينتهي الأمر باقتسام الغنائم، ما بين الشرق والغرب. ومرة أخري يبقي الهدوء سيدا للموقف فى سورية، ولكن السؤال: إلى متي؟؟؟