تعيش 48 أسرة من أبناء محافظة أسيوط، حالة من الألم الشديد ، بعد انقطاع الاتصال بأبنائهم، والذين اتخذوا من الهجرة الشرعية طريقا لتحقيق أحلامهم، إلا أنهم ذهبوا ولم يعودوا، واختلط الشعور بالذنب لدي أولياء الأمور، مع الأمل في أن يجدوا أبناءهم حتى لو كانوا جثثا. انقطعت كافة الاتصالات والمعلومات منذ 6 سبتمبر 2014 وحتى الآن، ورغم تحرك هؤلاء المواطنين إلا أنهم لم يتلقوا أي إجابة تشفي صدورهم، وكادت حياة بعض الأسر أن تتوقف لفقدان أبنائها في ظل صمت رهيب من المسئولين اللذين يعلمون علم اليقين، أسماء وعناوين سماسرة البشر إلا أنهم لم يتم القبض عليهم للتحقيق معهم أو حتى إثنائهم عن جرائمهم ، وتركوا طلقاء للبحث عن فرائس جديدة لتقديمها للموت غرقا أوتسفيرها للمجهول. وصل عدد الأطفال القصر الذين هاجروا إلي إيطاليا من أسيوط 1865 طفلا، و700 آخرين لقوا حتفهم حسب آخر الاحصاءات الرسمية، مما دفع هيئات دولية منها ''تيرديزوم وانقاذ الطفولة'' وعدد من الجمعيات الاهلية منها ''عطاء بلا حدود ، والشباب للسكان والتنمية'' ، للغوص في تلك المشكلة من تنفيذ مشروعات لتوعية وتنمية الأسر الفقيرة والأكثر تعرضا لاغراءات تجار البشر. إلا أن الأمر تحتاج إلى تضافر كافة الجهات، للبحث في أزمة الهحرة غير الشرعية بطرق غير تقليدية، فالأمر لم يقتصر على هؤلاء وربما تحمل الأيام القليلة المقبلة أخبارا عن أطفال تخطفتهم أيادي آثمة من تجار وسماسرة البشر، مستغلين نسبة الفقر التى تجاوزت 61 بالمائة من الشريحة السكانية بالمحافظة، كونها افقر محافظة بمصر. فمحافظة أسيوط تشهد حراكا ملحوظا من سماسرة السفر غير الشرعي، إلى بلاد الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر، تجاه شباب وأسر تتحطم سفينتهم قبل الإبحار، فغالبا ما يدفع الأهل ''دم قلوبهم'' وربما يقتطعون من قوتهم، أموالا لتجار البشر بغية أن ينقذهم الابن الذي يغامرون بسفره عبر البحر، ولكن سرعان ما تتبدد أحلام الكثيرين منهم، حيث لا مجال للوصول إلى شواطيء أوروبا إلا بعدما يري هؤلاء الشباب ، الموت بأعينهم عدة مرات، ومنهم من يموت فعلا ، وآخرون يلقي القبض عليهم. وتعتبر محافظة أسيوط من أكبر المحافظات التي يقبل شبابها على تلك المخاطرات وهم يعلمون علم اليقين أنهم إما أن يصلوا إلي شواطئ أوروبا أو يموتوا غرقا أو جوعا أو قتلا من خلال تصفية عصابات التهريب لهم جسديا في حال استشعار الخطر من خفر السواحل. فالقانون الإيطالي مثلا يعتبر الأطفال تحت 16 سنة رعايا لديه حتى يصلوا سن الرشد ويوفر لهم كافة الرعاية والأمان المادي والاجتماعي، مما دفع عصابات تجارة البشر المصرية لإقناع الكثير من الأهالي بتسليمهم أبنائهم ليسافروا إلى هناك وهم صغار حتى يحصلوا على ''الإقامة'' ومن ثم ''الجنسية'' وهذا هو بيت القصيد ، فعشرات الأسر الأسيوطية رضخت لإغراءاتهم. وكشف المجلس القومي للطفولة والأمومة، مؤخرا أن نسبة المهاجرين من الأطفال وصلت إلى 41% من إجمالي نسبة المهاجرين المصريين ، وتحتل مصر ثالث أعلي دولة يخرج منها أطفال مهاجرين لإيطاليا بعد تونس وأفغانستان ويصل إلى إيطاليا سنويا حوالي 500 من الأطفال المصريين المهاجرين بشكل غير شرعي تترواح أعمارهم ما بين 14-18 سنة . كما تشير الإحصائيات بأن محافظة أسيوط وصلت للترتيب الأول في الهجرة غير الشرعية بعد أن كانت تحتل المركز السابع وذلك بنسبة 20 % من إجمالي نسبة من يهاجرون بشكل غير شرعي ، وأن أعمار معظم الأطفال أقل من 16 عاما وأن أغلبيتهم يقصدون إيطاليا وخاصة من أبناء مركز أبنوب بأسيوط والسبب الرئيسي هو الرغبة فى تحقيق الثراء وجمع المال يليه سوء الأحوال الاقتصادية والفقر والبطالة. ووصل عدد النشء والشباب اللذين لقوا حتفهم بمياه البحر من مركز أبنوب عند محاولتهم الهجرة إلى دول جنوب أوروبا خلال 15 عاما إلى أكثر من 700 حالة . يقول ابراهيم عبدالملاك، من قرية عرب الاطاولة التابعة لمركز الفتح، والذي يعمل ممرضا بعيادة خاصة، إن ابنه جوزيف ، والذي التحق بالسنة الاولي بكلية الخدمة الاجتماعية، قرر السفر كزملائه مع بعض السماسرة، مقابل دفع مبلغ 32 ألف جنيها بعد وصوله لإيطاليا، ورغم رفضنا لذلك خرج خلسة، وسافر ومنذ يوم 6 سبتمبر كانت اخر مكالمة مع ابني جوزيف والذي لم يتجاوز 21 سنة ، حيث قال لي بالنص ''يا بابا المركب اتحركت ومش هقدر اكلمكم تاني لحد ما اوصل''. واضاف والده قائلا ''انا مكنتش عاوزه يسافر ، هو شاف زمايله اللي في سنه سافروا ، وسافر دون علمي، ثم اكتشفنا ، وجوده في اسكندرية، وسافر مع ابنى 46 طفلا من مركز أبنوب''. وحرر الأهالي محضرا رقم 1192 طالبوا فيه بسرعة التحرى والبحث عن المفقودين، ومحضر آخر برقم 764 لسنة 2014، ومحضر بمركز شرطة رشيد برقم 4654 لسنة 2014، وفى المحضر اتهموا أصحاب المراكب التى نقلت الشباب بالتسبب في فقدانهم، وتوجهوا بشكوي لمكتب مساعد وزير الخارجية لشئون القنصلية بمواصفات المفقودين وصورهم ، كما حرروا محضرا رسميا تحت رقم 2/308 أحوال قسم الأموال العامة فى 21 اكتوبر ضد الشخص الذى اتفقت معه الأهالى بمركز أبنوب. ويبقي الأمل معقودا علي اللواء إبراهيم حماد، محافظ أسيوط، لسرعة التدخل والتواصل مع الجهات المعنية لمعرفة مكان تواجد هؤلاء الأطفال، والتوجيه بالتواصل المباشر مع أسرهم، حتى لا يظن بعض أولياء الأمور أنهم يعاقبون بالإهمال والتهميش علي عوزهم واضطرار أبنائهم للسفر بطرق غير شرعية لشدة فقرهم وأملهم في حياة كريمة.