بيروت (رويترز) - لدى الكاتب الفلسطيني انور حامد اشياء كثيرة وعميقة يقولها في روايته "يافا تعد قهوة الصباح" وهو يقولها بإيجاز وتأثير وبحسرة كبيرة لان بعض الاحلام في بلادنا يصعب او يستحيل تحقيقه. الكاتب ناجح في جذب القارىء اليه فهو لا يدور ويلف بل لديه ما يقوله وهو يقوله بقصصية موفقة تتخللها لمسات شعرية مؤثرة في النفس. نحن ازاء كاتب يعد لرواية. في ذهن الكاتب ان يتناول عالم الفلسطينيين في ما بين العشرينات من القرن الماضي وبين التقسيم وتهجير الفلسطينيين في حروب شرسة انتهاء عنده بسنة 1948. وردت الرواية الشيقة في 207 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. خلال بحث الكاتب او فلنقل الشخص الذي اخذ دور كاتب الرواية عن فلسطينيين مسنين لا يزالون يذكرون عالم تلك المرحلة وأحلامه وكوابيسه يعثر من خلال صحافي نشأت بينهما صداقة على شخصية فذة سبقت عصرها وروت قصة حب تركتها للاجيال القادمة. وصفه الكاتب بأنه صوت مستقبلي من عالم الماضي. انه فؤاد جد هذا الصحافي. لقد درس الطب في الجامعة الامريكية في بيروت وانتمى الى فكر انطون سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي ايام سجنه خلال الانتداب الفرنسي ثم نفيه الى امريكا اللاتينية قبل اعدامه في عهد حكومة الاستقلال اللبنانية. فؤاد هنا معلق بين الفكر التغييري المستقبلي الذي آمن به وبين مجتمعه الاقطاعي -ومنه عائلته شخصيا- حيث يستغل الكبار الصغار ويتحكمون بهم وبحياتهم وأعراضهم. فؤاد الشاب الحساس المستنير اغرم بفتاة هي ابنة الناطور الذي يعمل في ارزاق والده البك الاقطاعي المكنى باسم ابي سليم. هي فتاة استثنائية وليست كالفتيات اللواتي عرفهن. والابن الاكبر سليم اي شقيق فؤاد هو اشد قسوة من والده وأشد ظلما وأنانية منه. ابنة الناطور هذه فتاة جريئة سمح لها اهلها بأن تدرس في المرحلة الثانوية بينما رفض اهل فؤاد الاقطاعيون السماح لبناتهم بالدراسة. كانت احلام كل منهما اكبر من ان يسمح بها الواقع في تلك الايام. وفي تلك الايام كانت يافا تحيا حياة هانئة يتعايش فيها المسلم والمسيحي واليهودي الى ان ازدادت الهجرة الصهيونية الى فلسطين بإشراف البريطانيين الحاكمين وبدأت تلك الحياة تتعكر. يبدأ انور حامد روايته "يافا تعد قهوة الصباح" بالحديث "عنا" وعن الاخرين بالنسبة الى موضوع القضية الفلسطينية. اعرب عن شكه لا في القضية "بل بقدرتنا على ايصال الحقيقة للاخرين بقناعتنا وحدها." اضاف متحدثا عن تقصيرنا فقال ان موقفنا متذبذب "اذ حين يتمكن بعض الاوروبيين بمجهودهم الخاص من الوصول الى حقيقة ما يجري في بلادنا يواجهون بحفاوة وترحاب من اولئك الذين يتبجحون بأن رأي الاخرين لا يهمهم. "اما حين يتعلق الامر بحال تحرج اولئك الذين يتظاهرون في ليالي كانون القارسة البرد في ميدان الطرف الاغر (في لندن) تضامنا مع غزة فنجد جماعتنا يحتجون ويتبرأون من الاجانب الذين لا يفهمون قضايانا ولا يحسون بمجتمعاتنا. بالنسبة لي "الاخرون" ليسوا اداة دعائية استلها حين تخدمني وألقي بها في اقرب مصب للعنات حين تحرجني اخلاقيا." وحين يستغرب الميجر جيفري البريطاني صديق البك كيف يقيم البك علاقات نسائية وكيف يستضيف صاحباته او "صحبته الماجنة" في بيت العائلة تخدمهن زوجته وبناته اللواتي يرفض اي نوع من الحرية لهن فالبك "لا يحب الحديث في مثل هذا الموضوع." يصف لنا الكاتب مشهدا من هذا النوع يذكرنا بتصرف سي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ بل يفوقه استهتارا واستبدادا بينما زوجة البك بعد ان قامت بأعمال الضيافة "تنتحب وحيدة في غرفتها" بينما يستمر اللهو وتدور الكؤوس حتى الصباح في القسم الاخر من الدار. المهم ان قصة الحب بين فؤاد وبهية تجد نهاية مأساوية في ذلك العالم الاقطاعي الذي تعود فيه البك وأبناؤه على قطف عذرية اي فتاة من الفلاحين ساعة يريدون ولم يتعود هذا العالم على حب يتجاوز حدود الفصل بين العالمين. ومن خلال مذكرات فؤاد نجد ان اي محاولة "تحررية" من هذا النوع كانت ستختنق في المهد. نكتشف ان كل هذه الاحلام وكل هذا التمرد وقصة الحب الكبيرة لم توصل الى نتيجة. والد بهية اسرع الى تزويجها بابن عمها وفؤاد امضى حياته مع غيرها وهو يحلم بها وهي تحلم به. من جورج جحا