الحوار الوطني يناقش التحول من الدعم العيني إلى النقدي اليوم    غدا.. بدء صرف السلع المدعمة على البطاقات التموينية لشهر أكتوبر    اتجاه لتعميم مبادرة طرح «بيض المائدة» ب150 جنيهًا    حريق ضخم في مختبر كيميائي بولاية جورجيا.. إخلاء المنطقة وإغلاق الطرق    موقف الزمالك من تجديد عقد جوميز.. وسبب غضبه قبل مباراة السوبر الإفريقي    حالة الطقس اليوم.. سقوط أمطار ليلا وانخفاض في درجات الحرارة    اصطدام «توكتوك» بتريلا ومصرع سائقه في المنوفية    ملخص مسلسل برغم القانون الحلقة 12.. زوج إيمان العاصي يحاول إنهاء حياته    اغتيال أحد قادة حماس وعائلته في غارة إسرائيلية بجنوب لبنان    4 شهداء وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على دير البلح بقطاع غزة    زيادة قيمة الدعم النقدي في مصر.. ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية    القبض على أربعة متهمين بتلفيق سحر للاعب مؤمن زكريا: الحقيقة الكاملة وردود الفعل القانونية والدينية    موعد مباراة النصر السعودي ضد الريان اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    ضربات سريعة في القلب.. القصة الكاملة لدخول وخروج محمود كهربا من المستشفى اليوم    «هيئة الدواء» : شراكة استراتيجية مع«الصحة العالمية» لتعزيز نظام الرقابة على الأدوية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الاثنين 30 سبتمبر    أوصى ببناء مقام.. سيدتان تدفنان دجالًا أسفل سريره تبركًا به في الفيوم    من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    «معلومات الوزراء» يستعرض التجربة الهندية فى صناعة الأدوية    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    مصرع 4 أشخاص جراء مشاجرة على قطعة أرض بأسيوط    على عاطف يكتب: سياسة واشنطن إزاء إيران حال فوز ترامب أو هاريس    موظف أمام «الأسرة»: «مراتى عايزة 4 آلاف جنيه شهريًا للكوافير»    الحوثيون باليمن: مقتل وإصابة 37شخصا في قصف إسرائيلي بالحديدة    السعودية تعرب عن قلقها البالغ من تطور الأحداث في لبنان    الأهلي يلجأ للطب النفسي بعد خسارة السوبر الأفريقي (تفاصيل)    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    لبنان: استشهاد 53 شخصا وإصابة العشرات في أحدث الهجمات الإسرائيلية    بعد الهزيمة أمام الزمالك.. 4 أسماء مرشحة لمنصب مدير الكرة ب النادي الأهلي    نقيب الفلاحين: الطماطم ب 50جنيها.. واللي يشتريها ب "أكثر من كدا غلطان"    العثور على جثة حارس مهشم الرأس في أرض زراعية بالبحيرة    محمد أسامة: جوميز من أفضل المدربين الذين مروا على الزمالك.. والونش سيعود قريبًا    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    أحلام هاني فرحات بين القاهرة ولندن    10 تغييرات في نمط الحياة لتجعل قلبك أقوى    5 علامات للتعرف على نقص الفيتامينات والمعادن في الجسم    مستقبل وطن البحيرة يطلق مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    المفتي: الإلحاد نشأ من أفهام مغلوطة نتيجة خوض العقل في غير ميدانه    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    أجواء حماسية طلابية في الأنشطة المتنوعة باليوم الثاني لمهرجان استقبال الطلاب - (صور)    انطلاق أولى ندوات صالون المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي    من خلال برنامج القائد| 300 ألف يورو لاستكمال المركز الثقافي بالقسطنطينية    مكون في مطبخك يقوي المناعة ضد البرد.. واظبي عليه في الشتاء    جامعة المنيا تقرر عزل عضو هيئة تدريس لإخلاله بالواجبات الوظيفية    نسرين طافش أنيقة وفيفي عبده بملابس شعبية.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    حدث بالفن| اعتذار شيرين لشقيقها وموعد عزاء زوجة فنان وانطلاق مهرجان الجونة السينمائي    "الحماية المدنية" تسيطر على حريق هائل في سيارة تريلا محملة بالتبن بإسنا جنوب الأقصر    جثة أسفل عقار مواجهة لسوبر ماركت شهير بالهرم    سقوط غامض لفتاة يثير لغزًا في أكتوبر    الأنبا باسيليوس يترأس قداس المناولة الاحتفالية بكاتدرائية يسوع الملك    د.حماد عبدالله يكتب: فى سبيلنا للتنمية المستدامة فى مصر !!    عميد معهد القلب يكشف تفاصيل إنقاذ حياة شاب بعملية الأولى من نوعها    هل يجوز أن أترك عملي لأتابع مباراة أحبها؟.. رد صادم من أمين الفتوى لعشاق كرة القدم (فيديو)    إبراهيم رضا: الزوج الذي لا يعول أولاده خان علاقته بالله.. فيديو    مفاجأة حول المتسبب في واقعة سحر مؤمن زكريا.. عالم أزهري يوضح    الموت يفجع الشيخ أحمد عمر هاشم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‮ ‬مصر في قلب المعركة‮ ‬أوراق لم تنشر من قبل

مازالت أوراق حرب أكتوبر بدار الوثائق القومية المصرية،‮ ‬تقدم معلومات مهمة عن مصر خلال الفترة من‮ ‬يونيو‮ ‬1967‮ ‬وحتي توقيع معاهدة السلام‮ ‬1979‮ ‬وفي هذا المجلد الجديد تأتي الوثائق المصرية التي لم تنشر من قبل لتساهم في رسم صورة حقيقية للاستعداد للمعركة ومصر أثناء المعركة وما بعد المعركة،‮ ‬وذلك حتي تكون الصورة كاملة للقارئ ليدرك كيف حققت مصر نصرا أذهل العالم وخبراء العسكرية العالمية،‮ ‬فكانت أقصي التحليلات العسكرية تفاؤلا بعد هزيمة‮ ‬يونيو‮ ‬1967‮ ‬أن مصر ستكتفي بالهزيمة،‮ ‬أو تستعد لتلقي هزيمة أخري تحتل بها إسرائيل الضفة الغربية لقناة السويس‮. ‬
فعندما قامت إسرائيل بعدوانها الغادر علي الدول العربية الثلاث‮ "‬مصر وسوريا والأردن‮" ‬مع صباح‮ ‬يوم الاثنين‮ ‬5‮ ‬يونيو‮ ‬1967،‮ ‬بدا من نتائج هذا الهجوم أن القوات الجوية المصرية قد تم تحييدها وأن سماء مصر أصبحت متاحة للطيران الإسرائيلي وأن الكثير من القوات ومراكز القيادة المصرية قد أصابها الشلل والتخبط في إدارة المعركة علي عكس ما كان‮ ‬يقوم به الشعب المصري من الاستعداد للنصر منذ مطالبة مصر بانسحاب القوات الدولية من سيناء في‮ ‬22‮ ‬مايو‮ ‬1967،‮ ‬حيث كان‮ ‬يقوم بملحمة بطولية في مساندة قواته المسلحة بدعمها ماديا ومعنويا تدلل عليه الكثير من الوثائق المحفوظة في دار الوثائق المصرية وما نشر في صحافة هذا الزمن‮.‬
راهن الكثيرون علي أن مصر أصبحت في مهب الريح وأن خريطة المنطقة سوف‮ ‬يعاد رسمها وسوف تتقزم مصر‮ -‬كما كانوا‮ ‬يظنون‮- ‬إلا أن الشعب المصري أصر علي تغيير المعادلة كما‮ ‬يفعل دائما طوال تاريخه،‮ ‬وقد راهن كثيرون أنه بعد الهزيمة سوف‮ ‬يتخلي الشعب المصري عن قيادته وجيشه إلا أن الوثائق التي تنشرها دار الوثائق القومية احتفالا بالنصر تثبت عكس ذلك فمن اليوم الأول انهالت التبرعات علي القوات المسلحة لتعويض خسائرها كما تقدم الآلآف للتطوع في صفوف الجيش المصري للمشاركة في حرب الكرامة‮.‬
ومنذ اليوم الأول للعدوان قام البنك المركزي بفتح حساب لتلقي التبرعات لمواجهة العدوان كما تم توحيد جميع حسابات التبرعات للقوات المسلحة في هذا الحساب،‮ ‬واللافت للنظر أن تبرعات المصريين والعاملين بالجهات الحكومية كانت قد بدأت تنهال علي القوات المسلحة منذ نمنتصف مايو‮ ‬1967‮ ‬عندما أغلقت مصر خليج العقبة وطلبت سحب قوات الأمم المتحدة من سيناء‮.‬
وعندما وقع العدوان الإسرائيلي في‮ ‬5‮ ‬يونيو وتراجع الرئيس عبد الناصر عن ترك منصب رئيس الجمهورية وبدأت عملية ترميم الداخل،‮ ‬تلاحظ أن هناك نشاط كبير من وزارة الداخلية للتفتيش علي المواقع الشرطية،‮ ‬وبث روحا جديدة في نفوس المصريين استعدادا للمعركة،‮ ‬فلم‮ ‬يكن الأمر مجرد تفتيشا علي الانضابط الأمني بقدر ما كان توعية بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد،‮ ‬وضرورة تكاتف جميع أفراد الشعب لعبور الهزيمة إلي النصر واسترداد الأرض‮. ‬
واتخذت الحكومة المصرية مجموعة من الإجراءات الاقتصادية لتوفير الأموال التي تحتاجها المعركة فقامت بتخفيض النقد الأجنبي في الخطة الاستثمارية للدولة‮ ‬وحرصت الدولة علي توفير المعدات والسيارات التي‮ ‬يحتاجها هذا الجيش لتأمين الجبهة الداخلية وكان له دوره الكبير في التأمين والدفاع عن الداخل المصري وخاصة أثناء الغارات الإسرائيلية في عمق مصر مثلما حدث في الغارة علي نجع حمادي وإدفو‮ ‬1969.‬‮ ‬
وحملت الوثائق الكثير من المعلومات التي رسمت صورة تقريبية للوضع الداخلي في مصر أثناء الاستعداد للمعركة فالإيمان بقضية استرداد الأرض كانت محور اهتمام المواطن العادي في جميع أنحاء مصر وكانت جميع الإدارات الحكومية من أصغر وحدة محلية إلي الوزارات ليس لهم شاغل إلا إعداد مصر للمعركة‮.‬
وعلي الجانب الآخر كانت القوات المسلحة تعيد بناء وحداتها وإعادة تدريبها والتصدي لغارات العدو والقيام بعمليات فدائية خلف خطوطه،‮ ‬للحفاظ علي الروح المعنوية للجيش والوطن استعدادا للمعركة الفاصلة،‮ ‬ومنح الكثير من أفراد القوات المسلحة الأوسمة والنياشين نظير ما قدموه من أعمال بطولية،‮ ‬سجلها التاريخ‮.‬
وقامت القوات المسلحة بإعادة كثير من الطيارين إلي صفوف القوات المسلحة بعد أن كانوا قد تقاعدوا من الخدمة،‮ ‬كما تم التعاقد مع بعض الطيارين الهنود لتدريب الدفعات الجديدة من الطيارين المصريين وقامت القوات المسلحة بإعادة بعض الضباط الأطباء الذين عملوا بالقطاع المدني إلي الخدمة للحاجة إليهم‮ ‬
وبدا أن القوات المسلحة‮ ‬بدأت تستعيد عافيتها لذا وافق مجلس الوزراء في‮ ‬19‮ ‬يناير‮ ‬1972‮ ‬علي اقتراح القريق محمد أحمد صادق نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية في ذلك الوقت علي قيام القوات المسلحة بتنظيم زيارات لأفراد الشعب المصري إلي جبهة القتال وبخاصة من الطلبة والطالبات،‮ ‬ولعل الفريق صادق في ذلك الوقت كان‮ ‬يحاول احتواء مشاعر الطلبة الرافضين لتأخير معركة استراداد الأرض،‮ ‬فقد كانت الجامعات مشتعلة ومطالبة بسرعة الحسم ورافضة لمسميات أطلقها الرئيس السادات تحت عنوان عام الضباب وعام الحسم وغير ذلك من مسميات،‮ ‬كان‮ ‬يعتبرها البعض دليلا علي عجز النظام علي القيام بواجبه في تحرير الأرض واستردادها من العدو المغتصب‮.‬
وفي نفس اجتماع مجلس الوزراء وفي إطار الاستعداد للمعركة وافق المجلس علي اقتراح وزير الحربية لقبول تطوع طلاب الجامعات والمعاهد العليا علي ألا تقل المدة عن‮ ‬6‮ ‬أشهر باعتبارها أقل مدة تجنيد كما تحتسب هذه المدة من الخدمة الإلزامية التي‮ ‬يكلف بها الطالب،‮ ‬ويعامل الطالب معاملة المجندين،‮ ‬وقد وافق مجلس الوزراء علي تنفيذ ذلك اعتبارا من الأول من فبراير‮ ‬1972.‬‮ ‬
وتكشف الأوراق التي تنشرها دار الوثائق القومية عن استعدادات جميع مرافق الدولة للمعركة،‮ ‬التي بذلت فيها دماء‮ ‬غالية في سبيل استراداد الأراضي والثأر للكرامة‮ ‬،‮ ‬فقد وجه وزير الصحة محمود محمد محفوظ في‮ ‬يناير‮ ‬1973‮ ‬استعدادا للمعركة خطابات لكل الوزراء،‮ ‬يؤكد علي أهمية أن‮ ‬يقوم كل العاملين بالوزارات بتحديد فصائل دماؤهم في بنوك الدم القريبة من أماكن عملهم،‮ ‬لاستخدامها في الطوارئ وقت المعركة،‮ ‬وكانت كل وزارة تنسق مع وزارة الصحة من خلال موظف بكل وزارة‮ ‬يعمل كضابط اتصال مع وزارة الصحة للتنسيق معها في هذا الأمر‮.‬
وكان الاستعداد للمعركة‮ ‬يتم جنبا إلي جنب مع ترميم النفوس والأفراد والتعويض عن الممتلكات وعن تدهور الأحوال المادية والمعنوية،‮ ‬فأصدر رئيس الجمهورية قرارا في أبريل‮ ‬1973‮ ‬بتشكيل لجنة تعويضات الحرب من وزارات ومحافظات أصابتها الأضرار وذلك لحصر الأضرار وفق ضوابط محددة وواضحة وعرضها علي مجلس الوزراء لإقرار التعويضات،‮ ‬وقد جعل القرار تبعية هذه اللجنة لنائب رئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور عبد العزيز حجازي‮ ‬
وفي نفس عام النصر وقبل نشوب المعركة كانت الدولة حريصة علي تضميد جراح المهجرين من مدن القناه واستثنت الدولة أبناؤهم من انتظار الدور للتعيين فكانت تقوم بتعيينهم بمجرد تخرجهم،‮ ‬ولذا طلبت وزيرة الشئون الاجتماعية الدكتورة عائشة راتب موافقة لجنة الخدمات بمجلس الوزراء بتعيين أبناء المهجرين الحاصلين علي المؤهلات العليا والمتوسطة والذين تخرجوا في‮ ‬1973‮ .‬
مصر أثناء المعركة‮ ‬
عندما قامت الحرب في السادس من أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬رصدت وزارة الداخلية اتجاهات الرأي العام للشعب المصري في‮ ‬10‮ ‬أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬أي بعد نحو أربعة أيام من نشوب المعركة وكان كان‮ ‬يتسائل عن دور بعض الدول العربية لماذا لم تتدخل في المعركة إلي جوار سوريا،‮ ‬التي‮ ‬يقوم الجيش الإسرائيلي بتكثيف هجومه علي الجولان وضرب العاصمة السورية بالطيران،‮ ‬كما كان‮ ‬يري الشعب المصري أن تأييد الاتحاد السوفيتي والصين وفرنسا للعرب في مجلس الأمن سيحول عن صدور قرار ضد العرب في هذه الحرب‮ ‬
وكانت أجهزة الدولة تعمل بتناغم شديد وكانت حريصة علي إدارة أمور البلاد بدقة متناهية،‮ ‬فعندما طلبت وزارة النقل دعم ميزانيتها خلال عام‮ ‬1973‮ ‬لتنفيذ مشروعات إعداد الدولة للحرب‮ ‬يتعلق بعضها بالقوات المسلحة التي تقوم بمعركة التحرير والبعض الآخر‮ ‬يتعلق بحماية المنشآت الحيوية مثل الكباري بعمل ستائر معدنية لها،‮ ‬وإيجاد مخزون استراتيجي من قطع الغيار الضروري للوزارة،‮ ‬فتعامل نائب رئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية الدكتور عبد العزيز حجازي مع الموضوع بحرفية ومهنية تتعلق بإدارة الاقتصاد وقت الحرب ووافق علي احتياجات الوزارة في ضوء ماهو متوفر لديها وما‮ ‬يمكن أن تنفقه بشكل واقعي خلال الشهرين الأخيرين‮ "‬نوفمبر وديسمبر‮" ‬من العام المالي‮ ‬1973.‬
‮ ‬لقد بدا من ذلك أن الوزراء الذين تولوا المسئولية في هذا الزمن الصعب كانوا علي قدر كبير من المهنية ومدركين لأهمية الحدث ومعطياته،‮ ‬والسياسات التي‮ ‬يجب اتباعها في تلك الفترة من تاريخ الوطن وأن الفشل في الإدارة قد‮ ‬يؤدي إلي نهاية الدولة‮.‬
وقد اتخذت الوزارات المرتبطة باستهلاك الوقود قرارات بترشيد الاستهلاك لأقصي حد ممكن وعممت وزارة الصناعة منشورا علي جميع المصانع‮ ‬يحدد الاستهلاك للوقود ب15‮ ‬يوما وما‮ ‬يزيد عن ذلك‮ ‬يعتبر مخزون دولة ولا‮ ‬يتم التصرف فيه إلا بقرارات وزارية‮.‬
لقد اقتضت ظروف الحرب تنويع مصادر تمويلها في ظل ما كان‮ ‬يعانيه الاقتصاد المصري من تسخيره لاحتياجات المعركة‮ ‬،‮ ‬فتم تعديل الضريبة علي الإيراد بقرار جمهوري في‮ ‬12‮ ‬أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬لتزاد بنسبة من‮ ‬9٪‮ ‬متدرجة إلي‮ ‬16‮ ‬٪‮ ‬لمن‮ ‬يتراوح دخلهم ما بين‮ ‬1000‮ ‬إلي‮ ‬4000‮ ‬جنيه،‮ ‬كما تم تعديل نظام المعاشات والادخار ليتم اقتطاع‮ ‬3.‬5٪‮ ‬من إجمالي المرتب أو الأجر الشهري للعامل،‮ ‬وذلك بما‮ ‬يحقق موارد وسيولة مالية للدولة‮.‬
وكان صندوق الطوارئ الذي أسسته الدولة المصرية للاستعداد للمعركة مخصصا بشكل شبه كامل لتلبية احتياجات القوات المسلحة،‮ ‬فعندما احتاجت القوات المسلحة لمبالغ‮ ‬عاجلة لتوفير احتياجات المعركة،‮ ‬تم توفيرها في‮ ‬يناير‮ ‬1973‮ ‬من صندوق الطوارئ‮.‬
وبدا النصر واضحا للعيان واستقبلت القاهرة الكثير من الرسل والمبعوثين للوقوف علي ما أنجزته مصر في حربها ضد العدوان كما تدفقت فرق العمل وبعض القوات العسكرية من الدول العربية الصديقة‮ ‬،‮ ‬وانهالت طلبات التبرع بالمال والدماء في العواصم الصديقة لمصر والمحبة للعدل والسلام دعما لمصر في حربها العادلة،‮ ‬كما وفد بعض الأطباء للمساعدة في دعم جهود وزارة الصحة،‮ ‬ووصلت بعثة طبية من الإمارات إلي مصر‮ ‬يوم‮ ‬15‮ ‬أكتوبر عن طريق مطار بني‮ ‬غازي،‮ ‬حيث أغلقت المطارات المصرية عند نشوب الحرب‮ .‬
وتدفق الصحفيون ووسائل الإعلام العالمية علي السفارات المصرية طلبا للسماح بدخول مصر لتغطية الانتصارات المصرية التي أدهشت الاصدقاء قبل الاعداء‮.‬
وكانت إنجازات القوات المسلحة ظاهرة للعيان،‮ ‬واحتاجت الدول العربية والصديقة لمعرفة المزيد فأوفد الرئيس أنور السادات كبار رجال الدولة المصرية إلي هذه الدول لنقل صورة للواقع وخطط مصر التي تقوم بتنفيذها،‮ ‬كما شاركت مصر في المؤتمرات الدولية لتشرح عدالة قضيتها وما حققته في الحرب،‮ ‬وكانت جزءاً‮ ‬رئيسا من حرب البترول التي شنتها الدول العربية،‮ ‬وشارك وزير البترول المصري في اجتماعات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول التي‮ ‬كانت تدير مسألة حظر البترول عن الدول المساندة‮ ‬لإسرائيل‮.‬
وأدركت الدولة المصرية أن راحة المقاتل والاهتمام به عنصر أساسي للاهتمام بمهمته المقدسة وهي تحرير الأرض،‮ ‬فصدرت القرارات الوزارية واحدا تلو الآخر للتسهيل عليهم وأسرهم سبل الحياة والمعيشة وما‮ ‬يتعلق برواتبهم،‮ ‬وتعيين مصابي العمليات الحربية أو ذويهم وذوي الشهداء والمفقودين في وظائف حكومية،‮ ‬وهي أمور قليلة جدا بما قدموه لمصر من صون لكرامتها وعزتها‮.‬
ولعل من أهم قرارات دعم روح المقاتل المعنوية،‮ ‬قرارين أصدرهما الرئيس أنور السادات بمنح جميع أفراد القوات المسلحة عسكريين ومدنيين الذين خدموا بها خلال الفترة من‮ ‬6‮ ‬أكتوبر وحتي نهايته مكافأة تشجيعية بواقع مرتب شهر من بداية مربوط الرتبة أو الدرجة،‮ ‬وكان القرار الثاني،‮ ‬منحهم مكافأة ميدان اعتبارا من أول نوفمبر‮ ‬1973‮ ‬وكلا المكافئتين صرفتا من صندوق الطوارئ‮.‬
وكانت التطورات السياسية المواكبة للحرب ودعم الولايات المتحدة إسرائيل بمعدات عسكرية تقدر‮ ‬2‮ ‬مليار دولار وإمدادها بالعسكريين،‮ ‬دافعا لقيام الاتحاد الاشتراكي بالدعوة لفتح باب التطوع والتبرع ب‮ ‬10‮ ‬٪‮ ‬من مرتبات أعضائه في الداخل والخارج وفرض ضرائب ب‮ ‬5‮ ‬٪‮ ‬علي الخدمات الترفيهية وجميع أنواع المبيعات ما عدا المقررات التموينية،‮ ‬ورخص السيارات والكهرباء والمياه وإيجارات المساكن‮.‬
انهالت تبرعات المصريين في الداخل والخارج وساهمت السفارة والجالية المصرية في تنزانيا ب20‮ ‬٪‮ ‬من مرتب شهر اكتوبر والتطوع للمشاركة في المعركة،‮ ‬وبدأ التنزانيون جمع التبرعات لدعم مصر واستقبلت السفارة برقيات وخطابات التأييد والتطوع من أبناء تنزانيا وموريشيوس‮.‬
ومع تطورات المعركة كانت القوات المسلحة في حاجة دائمة للأموال لتلبية احتياجات الحرب وكان دائما صندوق الطوارئ هو السند الرئيسي لذلك،‮ ‬رغم ما بدا أن احتياجات المعركة كانت تزداد‮ ‬يوما بعد‮ ‬يوم،‮ ‬ولعل ذلك ما جعل القيادة السياسية تفتح طريقا نحو السلام‮ ‬،‮ ‬ويعرض هذا الفصل لبعض النشرات الإخبارية التي كانت تذيعها الإذاعة المصرية أثناء الحرب،‮ ‬والأنباء التي كانت تبثها وكالات الأنباء العالمية‮ .‬
عندما قبلت مصر قرار مجلس الأمن رقم‮ ‬338‮ ‬بوقف إطلاق النار وبدأت مفاوضات الكيلو‮ ‬101‮ ‬التي اتسمت بالشد والجذب وقادها بمهارة الفريق عبد الغني الجمسي وتم التوقيع علي اتفاقية الفصل بين القوات والاستعانة‮ ‬بقوات الطوارئ الدولية تحملت مصر جزء من تكاليف هذه القوات،‮ ‬وبدأت مصر مرحلة جديدة من الحرب السياسية والدبلوماسية لاستكمال تحرير الأرض‮.‬
وفي نهاية هذا الفصل‮ ‬يعرض الكتاب للقرارات الجمهورية بترقيات قيادات القوات المسلحة الذين حققوا النصر إلي الرتب الأعلي،‮ ‬ومنهم قادة الفرق والجيوش،‮ ‬وكبار القادة للقوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ووزير الحربية‮.‬
ما بعد النصر
اهتمت الدولة المصرية بتكريم من شاركوا في صنع النصر فأقامت القوات المسلحة الاحتفالات لرجالها،‮ ‬فصدرت القرارات الوزارية المتعددة لتيسر من شئونهم هم وذووهم في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والخدمات الحكومية المختلفة،‮ ‬وأصدر وزارة الشئون الاجتماعية بطاقة خدمات لهم وتسابقت الوزارات المختلفة علي أن تكون الأولوية في خدماتها لهولاء المقاتلون الذين أحرزوا النصر واستردوا الأرض‮. ‬
وتمت ترقية العديد من القادة والضباط والجنود،‮ ‬ومنح العديد المكافآت والمعاشات الاستثنائية،‮ ‬كما قامت الوزارات المختلفة بتكريم العاملين فيها الذين شاركوا بجهود كبيرة في الحرب ومنحت المكافآت المالية وشهادات الاستثمار‮. ‬وكانت وزارة الشباب والرياضة حريصة علي جعل‮ ‬6‮ ‬أكتوبر‮ "‬عيد النصر‮ " ‬حاضرا في أذهان المصريين جميعا لذا فقد كانت تقيم الاحتفالات في أنحاء الجمهورية وترصد لذلك الأموال اللازمة‮.‬
وشكل الكاتب الكبير‮ ‬يوسف السباعي وزير الثقافة في عام‮ ‬1974‮ ‬لجنة مركزية لتسجيل وتخليد حرب اكتوبر‮ ‬1973‮ ‬،‮ ‬والتي خرجت بإحدي عشرة توصية،‮ ‬تمحورت حول اعتبار‮ ‬6‮ ‬اكتوبر عيدا قوميا‮ ‬يسمي العيد القومي للتحرير،‮ ‬إقامة نصب تذكاري للجندي المصري في أهم ميدان بكل محافظة،‮ ‬وإقامة متحف للحرب بسيناء،‮ ‬الاحتفاظ ببعض المباني التي دمرت أثناء الحرب لتكون ذكري للأجيال،‮ ‬إصدار كتاب أبيض عن الحرب من هزيمة‮ ‬يونيو‮ ‬1967‮ ‬وحتي تحقيق النصر،‮ ‬إنتاج أفلام تسجيلية وروائية عن الحرب،‮ ‬ومسابقات‮ ‬،‮ ‬ومهرجانات احتفالية سنوية،‮ ‬تسجيل الفكاهة والنوادر التي وقعت أثناء الحرب وجمع رسوم الكاريكاتير،‮ ‬إعداد موسوعة مصورة للاطفال عن حرب اكتوبر وعدم ابتذال اسم أكتوبر فلا‮ ‬يوضع إلا علي الأعمال الكبيرة‮ . ‬
وعندما ابتكر رئيس قسم جراحة العيون بطب المنصورة عينا إلكترونية تعيد الرؤية لفاقدي البصر من أبطال حرب أكتوبر أرسلته الحكومة في مهمة علمية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة لمدة شهرين لزيارة مراكز البحوث لمناقشة ابتكاره ومدي إمكانية تطبيقه‮. ‬
وكان علي مصر بعد توقف دوران عجلة الحرب أن تواجه مشاكل جمة لا تقل صعوبة عن العمليات العسكرية ولعل من أخطر هذه القضايا التعامل مع المسرحين من الخدمة العسكرية‮ ‬،‮ ‬الذين تتنوع خلفياتهم الثقافية فمنهم العمال الزراعيون ومنهم العمال ومنهم المهنيون وخريجي الجامعات والكثير منهم ليس لديهم وظائف مدنية وهؤلاء بذلوا الغالي والنفيس حتي أتوا بالنصر ورفعوا اسم مصر عاليا،‮ ‬وقد قدر أعداد هؤلاء في مايو‮ ‬1974‮ ‬بنحو‮ ‬177‮ ‬ألفا كبداية،‮ ‬لذا بدأت كل وزارة بإعادة ترتيب أوراقها ومراجعة ما لديها من وظائف وما‮ ‬يمكن أن تستوعبه ممن تم تسريحه من الخدمة العسكرية بعد اتفاق الفصل بين القوات،‮ ‬وهناك الكثير من الأوراق التي تدلل علي كفاءة الدولة المصرية في إدارة هذا الملف الذي نحن بحاجة لقراءته جيدا للاستفادة منه في ما‮ ‬يواجه الدولة المصرية من مشكلة بطالة مرهقة بعد ثورتين‮. ‬
وكان من أهم المحاور التي اهتمت بها مصر هي مراجعة الذات وتحديد الخسائر بكل دقة في جميع قطاعات الدولة ومن أهم هذه القطاعات وزارة الإسكان والشركات التابعة لها حيث كانت الوزارة تمتلك شركات المقاولات الكبري التي ساعدت القوات المسلحة في تشييد ما تحتاجه في من تجهيزات في معركتها مع العدو الغادر،‮ ‬وقامت هذه الشركات بالمحافظة علي كفاءة مؤسسات الخدمية للدولة حتي لا‮ ‬يتأثر المواطن العادي بظروف المعركة‮.‬
كما‮ ‬يعرض هذا الفصل لوثائق تتناول أن مصر رغم أنها دخلت في مرحلة مملة من المفاوضات لتسوية الصراع العربي‮ -‬الإسرائيلي،‮ ‬إلا أنها كانت دائما تضع في بؤرة اهتمامها أن الحرب لم تنته بعد وأن احتياجات القوت المسلحة‮ ‬يجب توفيرها وإقرار الأموال التي تحتاجها،‮ ‬واستمرار تفويض رئيس الجمهورية في صفقات الأسلحة‮.‬
كما‮ ‬ينشر في هذا الفصل قرار سفر وفد مصر إلي مؤتمر السلام في واشنطن‮ ‬1979‮ . ‬
إن الأوراق التي تنشرها دار الوثائق القومية هذا العام لتضعها بين‮ ‬يدي أبناء مصر لمراجعة تجربة مصرية فريدة في قهر الهزيمة وصناعة النصر من رحم الانكسار،‮ ‬لقد كان الفارق بين الهزيمة والنصر الايمان بالله ثم الوطن وإرادة هذه الأمة في أنها أبدا لن تموت ولن تستسلم لعدو أو خائن ومن عاداها خسر وأصابه الذل والهوان وأن شعبها لا‮ ‬يحني الجباه إلا لله‮. ‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.