اتفق العديد من خبراء الاقتصاد والسياسة على أن تحويلات ومدخرات المصريين بالخارج هى «الكنز المفقود» الذى يجب على الحكومة الاستفادة منه فى زيادة الناتج القومى الإجمالى وليس فقط التعامل معه بصفته حلا مؤقتا لسد العجز فى الميزان التجارى، وذلك من خلال قيام الحكومة بوضع الآليات التى تكفل تحويل الأموال الواردة من هذا المورد الهام إلى استثمار يزيد الإنتاج والعمالة، وبالتالى تزيد إيرادات الموازنة العامة من الضرائب والأرباح والأجور بالإضافة إلى ضرورة خلق المناخ العام المشجع للاستثمار. وقال السفير مصطفى عبدالعزيز مرسى مدير المركز الاستشارى المصرى لدراسات الهجرة إن مصر تعد أكبر متلقٍ للتحويلات فى الشرق الأوسط، وثانى أكبر متلق فى العالم، حيث بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام المالى 2009/2010 نحو 9.75 مليار جنيه، جاء منها 22% من الولاياتالمتحدةالأمريكية بعدها الكويت ثم السعودية، مشيراً إلى أن تحويلات المصريين بالخارج تأتى بذلك فى المركز الثانى بالنسبة للموارد المالية بعد عائدات البترول، ويمثل ما يقرب من 5% من إجمالى الناتج المحلى. وعلى الرغم من ضخامة هذه الأموال فإنها لا تشكل مساهمة فعلية فى تنمية الاقتصاد القومى، حيث يوجه أكثر من 80% من التحويلات المالية نحو استهلاك السلع والخدمات وتلبية النفقات اليومية، أما الباقى فيوجه إلى استثمارات فردية لا تدخل فى كثير من الحالات ضمن منظومة الناتج المحلى، وأشار إلى أن ذلك يرجع إلى أن عددا كبيرا من المغتربين يفضلون عدم استثمار التحويلات المالية، مبررين ذلك بأن المناخ الاستثمارى فى مصر ينطوى على مخاطرة، كما أنهم لا يجدون معلومات كافية عن فرص الاستثمار المختلفة والخطوات التى يجب اتخاذها عند إنشاء الأعمال التجارية. وأكد مرسى أنه يجب على الحكومة المصرية اتخاذ الآليات التى تعمل على جذب أموال المغتربين داخل منظومة الاستثمارات المحلية بما يساعد فى زيادة الناتج المحلى. وقال المهندس حسين صبور رئيس جمعية رجال الأعمال إن تحويلات المصريين بالخارج تعتبر موردا ماليا كبيرا يجب استغلاله بما يزيد من الناتج القومى الإجمالى، كما فعلت العديد من الدول بتحويل أموال رعاياها بالخارج إلى استثمارات زادت الناتج القومى الإجمالى لتلك الدول، وأشار صبور إلى أن عدد المهاجرين المصريين بالخارج يقترب من 7% من إجمالى عدد السكان يحولون إلى مصر سنويا 12 مليار جنيه، وتقدر بنحو 5% من الناتج المحلى، وتتوزع هذه التدفقات النقدية إلى استهلاك العديد من السلع الاستهلاكية والمعمرة وبناء وإصلاح منازل خاصة، ليصل إجمالى المنفق عليه سنويا 53.9% من إجمالى تحويلات المغتربين فى حين ينفق ما يقرب من 15% على نفقات الزواج وشراء السلع المعمرة أما شراء سيارات النقل والتاكسى 4.7% وشراء أراض زراعية 11.2% ويمكن للدولة تحقيق أقصى استفادة من هذه الأموال فى تحويلها إلى استثمارات محلية تقدم للدولة عائدات سنوية. أوضح الدكتور محمد محيى الدين خبير السياسات الاجتماعية ببرنامج الأممالمتحدة الإنمائى أن هناك تقصيرا من الحكومة المصرية من حيث الاستفادة بالأموال التى تحول كل عام من المصريين بالخارج، مشيرا إلى أنه يمكن الاستفادة بالمليارات إلى ترد سنويا بضخها فى شكل استثمارات محلية جديدة وذلك باتخاذ نفس الآليات والسياسات الاقتصادية التى انتهجها عدد من الدول مثل الصين وكوريا. وأشار إلى أنه يمكن استثمار هذه الأموال سنويا فى القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل قطاعات التشييد والبناء، وذلك عبر تيسير تدفق التحويلات عبر القنوات الرسمية وخفض تكلفتها، بالإضافة إلى تفعيل الاتفاقيات مع الدول المستقبلة للعمالة المصرية بهدف الحد من الهجرات غير القانونية، وتوعية المغتربين وأسرهم بالداخل بفوائد استثمار التحويلات فى الأنشطة الإنتاجية. ومن جانبه، حدد دكتور أحمد فاروق غنيم الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أسباب تركز إنفاق تحويلات المغتربين فى مجالات استهلاكية بعيدة عن الاستثمارات الإنتاجية فى فقر بعض المغتربين، مما يجعل معظم تحويلاتهم المادية مشتريات استهلاكية تخص ذويهم، مشيرا إلى أنه يمكن تحويل تحويلات الفقراء إلى أنشطة استثمارية من خلال توفير المنتجات المالية التى تناسب احتياجاتهم بواسطة البنوك والمؤسسات المالية. وأضاف أن هناك بعض القوانين والتشريعات التى تمثل عقبة أمام تدفق تحويلات نقدية أكثر أو ترفع تكلفتها، مطالبا باستحداث تشريعات جديدة وتطوير الحالية لتحفيز المغتربين على توجيه تحويلاتهم لأنشطة استثمارية من خلال تقديم إعفاءات ضريبية، وضرورة قيام الهيئة العامة للاستثمار بدور أكبر فى توعية المغتربين والإعلان عن الفرص الاستثمارية التى تناسبهم وترويج ذلك بالتعاون مع البنوك. وأشار غنيم إلى أن أبرز مشاكل تنمية هذا المورد المالى الهام هو ارتفاع تكاليف التحويلات لدى البنوك وعدم وجود منتجات بنكية تناسب المغتربين، والتنسيق غير الكافى بين الهيئات والمؤسسات المعنية بالهجرة، مؤكداً أنه يجب إصلاح بيئة الاستثمار المحلى ودراسة وتوفير جميع الفرص الاستثمارية التى تناسب المغتربين، سواء كانت مشروعات أو منتجات بنكية أو أى فرص استثمارية أخرى تؤدى إلى جذب أموالهم إلى الاقتصاد المحلى.