يتعامل البعض مع مقولات العديد من المفكرين الوطنيين حول تبعية مصر للرأسمالية العالمية أو للدول الاستعمارية الكبري اقتصاديا وسياسيا, علي أنها نوع من السجال السياسي أو وجهات نظر. لكنها ليست كذلك, بل هي للأسف حقيقة واقعة يدلل عليها النهب الهائل الذي يصل إلي حد التجريف الذي تقوم به الرأسمالية العالمية للاقتصاد المصري, والذي تساعدها عليه الرأسمالية المحلية التابعة والشريكة المتخلفة لها, والنخبة الحاكمة المعبرة عنها والمرتبطة معها بشبكة مصالح فاسدة علي مدار العقود الأربعة الماضية. وتتجلي أوضح صور النهب وأكثرها بساطة في الفارق الهائل بين الناتج المحلي الإجمالي والناتج القومي الإجمالي, علما بأن الناتج المحلي الإجمالي هو إجمالي قيمة الناتج من السلع والخدمات داخل مصر سواء تم إنتاجها من خلال عناصر إنتاج محلية أو أجنبية عاملة, أما الناتج القومي الإجمالي فإنه يساوي قيمة الناتج المحلي الإجمالي مضافا إليها عوائد عناصر الإنتاج المصرية العاملة في الخارج, ومطروحا منها قيمة عوائد عناصر الإنتاج الأجنبية العاملة في مصر. وتشير البيانات إلي أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي المصري قد بلغت نحو218.9 مليار دولار عام2010, وبلغت قيمة الناتج القومي الإجمالي197.9 مليار دولار. والفارق بينهما21 مليار دولار توازي نحو10.6% من الناتج القومي المصري, تشكل صافي النزح الأجنبي للموارد من مصر للخارج, وهو نهب حقيقي ناتج عن اختلال العلاقات الاقتصادية الشاملة بين مصر والدول الرأسمالية الكبري. وإذا كانت تحويلات المصريين العاملين بالخارج قد بلغت12.5 مليار دولار, بينما بلغ دخل الاستثمار المصري في الخارج نحو نصف مليار دولار, فإن ذلك يعني أن إجمالي عوائد الأجانب المحولة من مصر للخارج قد بلغ نحو34 مليار دولار عام2010, توازي نحو17.2% من الناتج القومي الإجمالي. وفي عام2009 بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو188.4 مليار دولار, وبلغ الناتج القومي الإجمالي نحو172.1 مليار دولار, والفارق بينهما16.3 مليار دولار, توازي نحو9.5% من الناتج القومي الإجمالي. وإذا علمنا أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج في العام المذكور قد بلغت نحو7.5 مليار دولار, وبلغت عوائد رؤوس الأموال المصرية بالخارج خلاله نحو مليار دولار, فإن إجمالي النزح الأجنبي من مصر إلي الخارج يصبح24.8 مليار دولار, أي نحو14.4% من الناتج القومي الإجمالي في العام المذكور. وفي عام2008, بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو162.3 مليار دولار وبلغ الناتج القومي الإجمالي في العام نفسه نحو146.8 مليار دولار, والفارق بينهما15.5 مليار دولار توازي نحو10.6% من الناتج القومي الإجمالي في ذلك العام. وبما أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج قد بلغت نحو8.7 مليار دولار, وبلغت عوائد رؤوس الأموال المصرية بالخارج نحو3.1 مليار دولار في ذلك العام, فإن ذلك يعني أن إجمالي النزح الأجنبي من مصر إفي الخارج قد بلغ27.3 مليار دولار في عام.2008 وهذه البيانات كلها مأخوذة من تقرير مؤشرات التنمية في العالم الصادر عن البنك الدولي ومن النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي المصري. وهي تعني ببساطة أن صافي النزح الأجنبي للموارد من مصر قد بلغ52.8 مليار دولار خلال السنوات الثلاث2010,2009,2008, وأن إجمالي النزح الأجنبي للموارد من مصر للخارج قد بلغ نحو86 مليار دولار في الأعوام الثلاث المذكورة!! وخلال الأعوام2010,2009,2008 بالترتيب, بلغت تدفقات الاستثمارات الأجنبية لمصر نحو6.4,6.7,9.5 مليار دولار, أي ما مجموعه22.6 مليار دولار في السنوات الثلاث, أي نحو42.8% من صافي ما نزحه الأجانب من موارد وأموال من مصر للخارج, ونحو26.3% من إجمالي ما نزحه الأجانب من موارد وأموال من مصر للخارج خلال السنوات الثلاث المذكورة آنفا. وحتي لو أضفنا المساعدات الأجنبية العسكرية والاقتصادية لمصر فإنها كلها تقل عن2 مليار دولار سنويا, وهي معونات أستخدمت لإبقاء الجيش المصري عند مستويات تسليحية أقل من الجيش الصهيوني بحكم ضمان الولاياتالمتحدة التي تقدم المساعدات العسكرية للحكومة المصرية, لأمن إسرائيل وتفوقها, فضلا عن محاولة اختراق الأمن القومي المصري. كما أستخدمت المساعدات الاقتصادية الهزيلة لفتح الاقتصاد المصري بلا ضوابط أمام الشركات الرأسمالية العالمية في علاقات غير عادلة ولا تتسم بأي تكافؤ. والنتيجة الواضحة والساطعة كالشمس هي أن مصر تنهب من قبل الرأسمالية العالمية والدول الاستعمارية الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدة. والمجال الأساسي لنهب موارد مصر يتركز في السطو علي ثرواتها من النفط والغاز من خلال عقود لا تتسم بالعدل, وتعطي الشركات والدول الأجنبية جبال من الأموال لا يستحقونها علي حساب مصر وشعبها. ويذكر أن مصر كانت من أكثر الدول النامية تطورا في التنقيب عن النفط والغاز واستكشافهما حتي ستينيات القرن العشرين, وكانت شركاتها في مستوي يفوق أو يتعادل مع الشركات التايلندية والماليزية والإندونيسية والبرازيلية والصينية في هذا المجال حتي ذلك الحين, لكن تلك الدول واصلت تطوير شركاتها وأصبحت متقدمة وتعتمد علي نفسها, بينما تراجعت الشركات المصرية المناظرة وأصبحت مصر تعتمد بصورة أساسية علي الشركات الأجنبية. ومما يساعد الشركات الأجنبية علي نهب موارد مصر أنه يتم تقديم مواد الطاقة لها بسعر مدعوم بشكل حقيقي أو حسابي, رغم أنها تبيع إنتاجها بأعلي كثيرا من الأسعار العالمية. كذلك فإن تحيز النظام الضريبي للرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية, يمكنها من تفادي دفع حقوق المجتمع المصري عليها, حيث أن الشريحة العليا للضريبة في مصر أدني كثيرا وأقل من نصف الشرائح المناظرة في الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية كما أشرت في مقالات سابقة, بينما لا توجد أية ضرائب علي التعاملات أو الأرباح في البورصة أو تحويلات الأجانب لأرباحهم الطفيلية فيها للخارج. وإذا كان ثمن التبعية الاقتصادية واضح من البيانات السابقة, فإن الثمن السياسي أكثر فداحة في الداخل في بنية النظام وموقفه من القوي المختلفة, وفي التسوية والعلاقات المختلة مع الكيان الصهيوني, وفي المواقف الحكومية المصرية منذ منتصف السبعينيات وحتي الآن بشأن كل ما تفعله إمبراطورية الشر الأمريكية وصنيعتها إسرائيل في الوطن العربي عموما وبالذات في فلسطين والعراق, وهذا حديث آخر. المزيد من مقالات أحمد السيد النجار