بلغ إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال العام المالي الأخير12.4 مليار دولار, بنسبة نمو30% عن العام المالي الأسبق. في ضوء تدافع المصريين بالخارج لإرسال مبالغ إضافية في إطار سعيهم لمساندة الاقتصاد المصري, لتشكيل تلك التحويلات نسبة19% من إجمالي موارد النقد الأجنبي. ورغم أن قيمة تحويلات العاملين تقل بنحو مليارين ونصف المليار دولار عن حصيلة الصادرات السلعية, فإن القيمة الحقيقية لتحويلات المصريين بالخارج أكبر من ذلك, حيث إن تلك القيمة تشير الي التحويلات التي تمت عبر القنوات الرسمية المصرفية.بينما جرت عادة الكثير من المصريين بالخارج إرسال مبالغ نقدية مع أصدقائهم, خلال نزولهم في إجازات أو خلال اصطحاب الكثيرين لجانب من التحويلات كان معهم خلال عودتهم, وهي المبالغ التي لا تتضمنها البيانات الرسمية للتحويلات. وإلي جانب تلك المبالغ الواصلة, يقوم كثير من المصريين بإرسال هدايا الي أسرهم ما بين سلع معمرة وملابس ونحو ذلك, الي جانب ما يحملونه معهم من أمتعة خلال عودتهم بالإجازات, مما يجعل التحويلات عمليا تحتل المركز الأول بين موارد النقد الأجنبي. وتعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج المورد الأكثر إفادة للمصريين من بين موارد النقد الأجنبي, التي يزيد عددها علي خمسة عشر موردا, حيث ان غالب موارد النقد الأجنبي تحتاج إلي تكلفة للحصول عليها, فالصادرات السلعية تتطلب مواد خام وعمالة وآلات وتمويلا ونقلا. بحيث تقل القيمة المضافة المتحققة منها بالقياس الي حصيلتها, ونفس الأمر نفسه للصادرات البترولية تتطلب عمليات استكشاف وحفر ونقل. وتحتاج السياحة الي إنشاء فنادق ووسائل نقل وعمالة, وتحتاج قناة السويس إلي قاطرات وخدمات إرشاد, بينما تحويلات المصريين العاملين بالخارج لا تكلف الإقتصاد المحلي شيئا مقابل الحصول عليها. ومن ناحية أخري فإن غالب موارد النقد الأجنبي الأخري, لا يصل كامل قيمتها لجيوب المصريين, فحصيلة الصادرات السلعية يذهب جانب منها لأصحاب الشركات الأجنبية العاملة في مصر, والتي قامت بالتصدير وجزء آخر يصل لشركات التصدير الوطنية.كذلك تتضمن حصيلة الصادرات البترولية والغازية نصيبا للشريك الأجنبي, وأيضا حصيلة السياحة تتضمن جانبا كبيرا منها للشركات الأجنبية التي تمتلك فنادق وقري سياحية, في حين تتجه تحويلات المصريين العاملين بالخارج بالكامل لجيوب المصريين. ومن ناحية أخري وعلي المستوي الاجتماعي فإن غالب حصيلة كثير من موارد النقد الأجنبي تتجه إلي الشركات العامة أو الخاصة وخاصة لطبقة رجال الأعمال, فحصيلة قناة السويس تتجه بالكامل للحكومة. والأمر نفسه لنصيب مصر من قيمة صادرات البترول وصادرات الشركات العامة, بينما تذهب حصيلة تحويلات المصريين بالخارج, الي الأسر الفقيرة والمتوسطة في أنحاء البلاد, بحيث لا تكاد توجد قرية أو حي لا يصله نصيب منها. والغريب أن الرعاية الرسمية لتلك العمالة المصرية بالخارج التي تقترب أعدادها من الثمانية ملايين شخص, تقتصر علي قطاع شئون الهجرة والمصريين بالخارج بوزارة القوي العاملة. والذي بلغت المبالغ المخصصة له بالموازنة نحو2.5 مليون جنيه, أي مايوازي أقل من نصف مليون دولار. وتشير تجارب الدول المصدرة للعمالة مثل الهند والفلبين وغيرهما, الي وجود مشروعات قومية يتم استثمار أموال المغتربين بها, بدلا من تركها تتجه الي الجوانب الاستهلاكية, مثلما يحدث بالحالة المصرية في ضوء استنزاف جانب كبير من التحويلات في الهدايا وشراء السلع المعمرة والكماليات, بينما يقل المكون الاستثماري بها. ولقد شهدت أوساط كثير من الجاليات المصرية بالخارج عقب الثورة حماسا للإسهام في دعم الإقتصاد المصري, في شكل زيادة الودائع بالبنوك المحلية بالنقد الأجنبي, لتعزيز موقف الإحتياطيات من العملات الأجنبية, كما تقدموا لإقامة نحو26 مشروعا, إلا أن تفاعل المسئولين معهم كان محبطا لهم, خاصة فيما يخص مشروعات الإنتاج الزراعي. ويمثل المصريون بالخارج في الوقت الحالي طوق النجاة للاقتصاد المصري, فمع تآكل قيمة احتياطات النقد الأجنبي, فإن إيداعاتهم بالبنوك المحلية يمكن أن تحسن موقف الإحتياطيات, ومع وجود عجز بالموازنة وصعوبات الإقتراض من الداخل والخارج فإنهم مستعدون لشراء صكوك التمويل المصرية لسد عجز الموازنة, وشراء أراض بما يحقق موارد للحكومة. ومع تراجع السياحة الخارجية فإن قضاء جانب من هؤلاء لأجازاتهم بالمقاصد السياحية, يمكن أن يقلل من خسائر قطاع السياحة, كما تضخ أسرهم مبالغ ضخمة بالقطاع الصحي والتعليمي والاستهلاكي لتحريك السوق وتصريف المنتجات. ومع تراجع الإستثمار الأجنبي فإن مشروعات المصريين بالخارج, يمكن أن تحرك العجلة في ضوء استعدادهم لتقبل المخاطر وعدم تأثرهم بخفض التصنيف الائتماني لمصر, في ضوء ارتفاع مشاعر الانتماء والعطاء والتوقعات المتفائلة التي تتملكهم بعد الثورة. المزيد من مقالات ممدوح الولى