أثار مشروع القرار الأمريكي الذي يتعامل مع "الأكراد" و"السنّة" في العراق ك"بلدين مستقلتين" حفيظة الشعب العراقي وقياداته، حيث أجمعت مواقف القيادات في العراق على رفض هذا المشروع معتبرة إياه أنه يستهدف وحدة الشعب العراقي. مشروع القرار الأمريكي صوتت لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على قانون يتعامل مع البيشمركة والفصائل السُنيّة المسلحة كقوتين مستقلتين، وينص القرار الذي طرحه أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري السبت الماضي، على الاعتراف بالمكون الكردي والعشائر السُنية كدولتين مستقلتين بهدف تقديم مساعدات أمريكية مباشرة لهما بعيدًا عن حكومة العراق المركزية. يتضمن المشروع، الذي قدمته لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي، منح المقاتلين العراقيين الذين يحاربون تنظيم "داعش" في العراق 715 مليون دولار مساعدات عسكرية، كما يغطي هذا المشروع 25% من المساعدات الأمريكية التي قد تمنح إلى قوات البيشمركة، وفي حال مرت 3 شهور بعد تمرير المشروع ولم تتمكن بغداد من موافاة بعض الشروط فسيتم تجميد 75% من المساعدات لبغداد، وإرسال أكثر من 60% منها مباشرة للأكراد والسُنة، ووفقًا لنص المشروع سيسمح هذا القرار، للقوات التي تحارب "داعش" بتلقي الدعم من الولاياتالمتحدة مباشرة من دون تدخل الحكومة العراقية. أمريكا تحاول تبرير موقفها المتحدث الرسمي باسم السفارة الأمريكية "جيفري لوري" قال إن "سياسة الولاياتالمتحدة تجاه العراق لم تتغير"، وأضاف أن "كل الدعم والمساعدات والمعدات العسكرية المقدمة من الحكومة الأمريكية يتم تسليمها للحكومة العراقية وقوات الأمن العراقية" وأشار إلى أن "المشروع المقدم لمجلس النواب لا يستند إلى أية قوانين، ولا يعكس سياسة ومواقف الولاياتالمتحدة". انتقادات ورفض المشروع يرى مراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى إيجاد توازن للقوى أمام الكم الهائل من الجماعات المسلحة، وهي تتيح لواشنطن تجنّب التعامل مع الحكومة العراقية وتوجيه الدعم مباشرة إلى "السُنة" و"الكرد" وتدريب قواتهم، إلا أنه على الجانب الآخر أثار مشروع القرار الأمريكي حفيظة عدد من النواب العراقيين الذين طالبوا بدورهم الحكومة العراقية بالتحرك دبلوماسيًا للتعامل مع هذا الموضوع، الذي يمثل تعديًا على السيادة العراقية ومسعى إلى تفتيت وحدة البلاد، معتبرين أن هذا المشروع هو إحياء لخطط نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في تقسيم العراق. أعلنت وزارة الخارجية العراقية، عن رفضها الشديد للمشروع، معتبرة أن ذلك يمس بسيادة البلاد ويستهدف وحدة الشعب العراقي بوضوح، وقالت الوزارة إن "أية مساعدة تقدم للعراق في حربه ضد الإرهاب لا بد أن تراعي ثوابت العلاقات الدولية المبنية على الاحترام المتبادل لسيادة الدول وضرورة التعامل مع الحكومة المركزية حصرًا في هذا السياق"، وأضافت أن "العراق حريص على الاستمرار ببناء علاقة تعاون استراتيجي مع الولاياتالمتحدة خصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب"، مبينة أن "تفاصيل مشروع القانون المطروح في الكونجرس تسيء إلى ثوابت بناء هذه العلاقة"، معتبرة أنه سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات في المنطقة. من جانبه وصف رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي "عمار الحكيم" مسودة القرار ب"الأمر الخطير"، محذرًا من أن القرار من شأنه تعميق الانقسام في المجتمع العراقي ودفعه باتجاه التشظي والتقسيم، داعيا الشعب العراقي إلى "اليقظة والحذر وتوحيد الصفوف والدفاع عن العراق الموحد المنسجم الذي يضمن للعراقيين عزتهم وكرامتهم". لم يكتفِ زعيم التيار الصدري "مقتدى الصدر" بالتعبير عن رفض المشروع، بل جاء مصحوبا بتهديد باستهداف المصالح الأمريكية في العراق حال إقرار المشروع، حيث قال "في حال استصدار قرار من مجلس النواب الأمريكي فأننا ملزمون لرفع التجميد عن الجناح العسكري المتخصص بالجانب الأمريكي ليبدأ عملية ضرب المصالح الأمريكية في العراق بل وخارجه"، وأضاف أن "واشنطن أظهرت سوء نيتها ضد عراقنا الحبيب وكشرت عن أنيابها"، وتابع أنه "على الشعب العراقي حماية أرضه وطوائفه من خلال بيان رفضه وشجبه فإن الشعب ملزم بذلك وإلا وقعت الطامة الكبرى"، وشدد الصدر "لتعلم أمريكا أنها وإن عملت على تأجيج النفس الطائفي، إلا أننا سنبقى على ماعهدنا الشعب عليه من دعاة الوحدة ولتخسأ الطائفية التي جاءت من خلف الحدود". لم يختلف موقف الأحزاب العراقية كثيرًا عن موقف الحكومة، حيث أعلنت الحكومة العراقية عن رفضها للمشروع، واعتبرت أنه سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات في المنطقة، وأكدت أنه "في الوقت الذي ترحب به الحكومة العراقية بجهود جميع الدول التي تقف إلى جانب العراق في حربه ضد عصابات داعش الإرهابية وتقدم له المساعدات العسكرية، فأننا نطمئن الجميع أن التعامل مع الحكومة العراقية كان ومازال واضحاً ضمن احترام السيادة العراقية وهو ما وضعته الحكومة ضمن ثوابتها وتأكيداتها المستمرة في مباحثاتها مع هذه الدول"، وأضافت أنه "ليس هناك من تعامل بازدواجية مع الحكومة من قبل الأطراف الخارجية، ونؤكد أن أي تسليح لن يتم إلا عن طريق الحكومة العراقية وفقاً لما تضعه من خطط عسكرية". وأوضحت الحكومة أن "العراق بجميع مكوناته وأقلياته يواجه عصابات داعش الإرهابية، وقد أثبتت الوقائع أن جميع هذه المكونات تواصل معركتها من أجل تحرير جميع الأراضي من داعش وإعادة النازحين إلى مناطقهم واستعادة الحياة الطبيعية في ظل الحكومة التي اشترك الجميع في تشكيلها"، وأشارت إلى أن "هناك انتصارات عديدة تحققت بفضل هذا التلاحم ونحن سائرون بمعركتنا العادلة لتحرير كل شبر من أرض العراق". أمريكا تريد التقسيم لصالح الكيان الصهيوني مشروع القرار الأمريكي لم يكن الأول الذي يظهر نية أمريكا لتفتيت العراق وتقسيمها، فقد سبق وقال نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في يونيو عام 2013، إن إنشاء الأقاليم الثلاثة "شيعي وسُني وكردي" بات خياراً "ملحاً وضرورياً" لاحتواء الأزمة في العراق، لكن مشروع القرار الجديد جاء ليؤكد النية الأمريكية المبيتة لتقسيم العراق وجعله في وضع مرتبك تستطيع من خلاله التحكم في موازين قواه، وذلك من أجل وضع الكيان الصهيوني في أمان وتدعيم موقفه وقوته في المنطقة.