«رب فقر يتسبب في المرض، ومرض يؤدي إلى الفقر، تلك دائرة شيطانية لا يكاد المرء يطأ قدمه فيها حتى يصبح أسيراً لها».. كلمات قالها الشاعر محمود درويش، وتعبر عن حال الكثير من المواطنين الفقراء. دفعت «منة» الطفلة التي لم تتجاوز العشر سنوات حياتها ثمنا للفقر والمرض، ذنبها الوحيدة أنها من أسرة مصرية فقيرة، فلم يرحمها الإهمال وسوء الخدمة الصحية، ولم يرأف بحالها أناس ماتت ضمائرهم وتجمدت الدماء فى عروقهم، أصيبت «منة» بالتهاب فى اللوزتين، على إثره ذهبت والدتها إلى أقرب مستشفي تأمين الصحي، وبعد إجراء الفحوصات تم تحويلها إلى مستشفي صيدناوي بمنطقة رمسيس . يروى القصة الأليمة ل«البديل» محمد كامل، أحد أقارب الطفلة الراحلة، قائلا: «بعد وصول منة لمستشفي صيدناوي، تقرر على الفور إجراء عملية استئصال اللوزتين، وبالفعل دخلت غرفة العمليات مع الدكتور الاستشاري محمود محمد رسمي، واستغرقت العملية حوالى 3 ساعات، مع العلم أن عملية استئصال اللوزتين لا تستغرق أكثر من ربع ساعة، خرجت منة من غرفة العلميات، وتم احتجازها لمدة يومين، ونقل لها دم بعدما أصيبت بنزيف حاد، لكن طبيب الجراحة وافق على خروجها من المستشفى برغم عدم توقف النزيف» . وأضاف: «عادت منة إلى المنزل، ومازال النزيف مستمر، فذهبت والدتها إلى مستشفي المطرية العام، فنقلوا لها دم، لكن النزيف لم يتوقف لحظة، فلم تيأس الأم وقامت بعرضها على طبيب خاص، وبعد فحصها رفض استقبال الحالة، وأبلغ الأم بقطع الوريد المؤدى إلى المعدة أثناء إجراء العملية، وأنه السبب الرئيسى فى النزيف المستمر، ونصحها بالعودة للطبيب الذى أجرى الجراحة؛ لأنه المسئول عن حالتها المتأخرة» . وتابع: «هرولت الأم على الفور إلى مستشفي صيدناوي، والطفلة كانت فاقدة للوعي تماما، وبعد مشادات، قبل المستشفي الحالة، لكن بعد أن لفظت الصغيرة أنفسها الأخيرة، لترحل ضحية الفقر والعوز والإهمال الطبى الذى نعانى منه طيلة السنوات الماضية نتيجة لانعدام الضمير وعدم الشعور بالمسئولية تجاه فقراء المرضى». من جانبه، قال الدكتور حسام كمال، المتحدث باسم النقابة العامة للأطباء، أن النقابة تؤدى دورها بالتحقيق فى أى حالة مرضية شابها الغموض، وأنها تنظر فى الأوراق الخاصة بكل قضية؛ حتى تتمكن من تحديد ما حدث بالفعل إذا كان هناك خطأ مهنى أم مضاعفات محتملة، مؤكدا: «إذا تم التأكد من الواقعة، وأن ما حدث كان نتيجة لخطأ مهنى، تحول النقابة ولجنة أداب المهنة، الطبيب للتحقيق على الفور». واختتم "كمال" بأن ملف "أداب المهنة" مليء بالأخطاء، وتم إدانة العديد من الأطباء، وأثبتت النقابة فى عدد كبير من القضايا أنها لا تتهاون مع المخطئين.