يبدو أن ما يحدث في مصر من أقصاها لأقصاها من غضب شعبي ضد اسرائيل في واد وتصرفات بعثتنا الدبلوماسية في تل أبيب في واد أخر ، ويبدو والله أعلم أن حسني مبارك نجح في تخريج و تصنيع جيل من دبلوماسيي الأرانب و الخراف الذين اعتادوا الإنبطاح والإنسحاق والإنسحاب و الذين نزعت من دمائهم كل كروموزمات الكرامة والعزة الوطنية والاباء و الكبرياء . وأنا أقول هذا وكلي مرارة وحسرة لأنني تصورت أنه بعد الثورة سيشعر كل دبلوماسي مصري يمثل بلده خارجها بما شعر به كل مصري غيور وفخور بثورة 25 يناير ، وهو شعور لا يمكن أن يغادرك حتي لو كنت جبلة لا مؤاخذة ما بتحسش وأنت تمر في أي مطار من مطارات العالم ، حسني مبارك أهان المصري في الداخل فأهانه الغرباء في الخارج ، فكان يتم ذبحه في دول الخليج علي يد الكفيل وكان يسحل أمام الاجنبي في أي بلد أوربي ، وللهندي والماليزي و التايواني كرامة عنه لأن سفارة بلده ستدافع عنه ، أما سفير مصر في أي بلد فكان آخر شئ يفكر فيه هو التحرك و "النحررة" للدفاع عن مصري أهين أو ظلم . هذه السياسة وهذا السلوك المهين المشين للدبلوماسية المصرية كان عنوان حكم مبارك ، ولو لم يحاكم إلا علي هذه الجريمة لاستحق أن يلقي به في مزبلة التاريخ ، أما عن اسرائيل فحدث ولاحرج ، مبارك أقنع الامريكان والاسرائيليين انه صديقهم الأوحد في المنطقة وانه لا حرب ولا هجوم ولا دفاع ولا تحرك من أي نوع أمام اي تصرف منهم يتعلق بسيادتنا وكرامتنا وحدودنا و أعز رجالنا، كل مواقف مبارك وسياساته لم تكن تعني إلا شيئا واحدا إرضاء العدو الصهيوني علي حساب شرفنا وعرضنا، حتي عندما ثار فلاح مصري مجند علي الحدود أسمه سليمان خاطر إزاء استفزازات جنود الصهاينة واطلق عليهم النار كما تقول التعاليم العسكرية سجنوه ثم نحروه و قتلوه وظلت ذكراه في قلوبنا كشهيد ورمز للعزة أمام الخسة والمقاومة أمام المهادنة والاستسلام والتطبيع ، وبعده أفرج مبارك عن عزام الجاسوس ولم يضع أي اعتبار لدماء من دفنتهم اسرائيل احياء وفي مجازر جماعية إبان 67 وبعدها في حربي الاستنزاف و73 .. لكن ماذا عن سفيرنا وبعثته الدبلوماسية في تل أبيب ؟ في عز التهاب الصدور وامتلاء القلوب بالغضب ، يذهب نائب السفير مصطفي الكوني أفندي ليفطر مع رئيس اسرائيل ويلقي خطبة عصماء عن العلاقة الأبدية بيننا و بينهم وانه لاشئ يعكر صفو الصداقة ، وأنا اسأله ألم يستفزك قول بيريز عندما سألوه عن اعتذار اسرائيل لمصر فقال انه ليس اعتذارا بل مجرد أسف لما حدث من مقتل الجنود والضباط المصريين ، ألم تشعر بذرة كرامة ونخوة ؟ ثم اننا لم نفق من كلام نائب السفير حتي طلع علينا في اليوم التالي كلام أسخم وأدل سبيلاً للمتحدث الرسمي باسم سفارتنا الأخ الدبلوماسي ضياء حماد ، الذي ذهب وألقي محاضرة في كلية الإدارة الاسرائيلية أمام الطلاب الصهاينة وقال بالحرف : نحن نسعي لنكون جسراً بين مصر واسرائيل ونحن غير منحازين للعرب يا نهار أسود لو صح هذا الكلام وأضاف أنا أطالب قيادات مصر بأن تأتي لاسرائيل لتري الصورة كاملة لاننا علينا ان نغير آراء الناس ونوضح لهم مدي كون اسرائيل دولة حديثة ومتطورة .. شفت أزاي ..؟! يا أخ ضياء إذا كانت هذه قناعاتك الشخصية فلا تعلنها وعد إلي مصر فوراً لان المصريين لا يشرفهم ان تكون ممثلاً دبلوماسياً لهم في بلد هو عدو استراتيجي لنا.