كل التصريحات القادمة من أعضاء المجلس العسكري تؤكد على منح الدكتور كمال الجنزوري "الصلاحيات الكاملة" .. وكل التصريحات القادمة من أعضاء المجلس العسكري تقول : "لا نرغب في السلطة" .. وكل التصريحات القادمة من "الحاج عيسوي بتاع الداخلية" تقول : " لم نطلق رصاصة واحدة".. تصريحات جميلة ورائعة وظريفة .. ولكنها للأسف الشديد مجرد تصريحات لا يستطيع الكثيرون تصديقها أو منحها مثقال "فسفوسة" من المصداقية.. فتصريحات العيسوي تتناقض مع ما شهده عشرات الآلاف بأعينهم في ميدان التحرير وشارع محمد محمود وما سجلته تسجيلات الفيديو التي شاهدها الملايين وما ذكرته التقارير الطبية من أن 36 شهيدا سقطوا بالرصاص و49 مصابا فقدوا أعينهم بالخرطوش.. وتصريحات "لا نرغب في السلطة" تتناقض مع كل حالة الفوضى الخلاقة التي يصنعها المجلس في إدارة المرحلة الإنتقالية والتي لا تؤدي إلا إلى طريق واحد .. أن تستمر المرحلة الإنتقالية إلى الأبد وأن يصبح سيناريو حكم العسكر هو الحل الوحيد لإنقاذ البلاد من حكم البلطجية (الإنفلات الأمني) أو حكم طالبان الذي يريدون تخويفنا منه عبر صناديق الإنتخاب أما تصريحات "منح الصلاحيات الكاملة لحكومة الجنزوري" .. فهي آخر نوعيات التصريحات المطاطة غير المفهومة .. فالصلاحيات الكاملة لا تمنح عبر تصريحات إعلامية وإنما يتم بناؤها عبر وثائق قانونية واضحة .. وواقع الحال أن المجلس العسكري يتمتع طبقا للإعلان الدستوري الذي أصدره بصلاحيات مطلقة مذكورة في المادة 56 والتي تتضمن 10 نقاط .. والمطلوب من المجلس العسكري أن يصدر تعديلا في الإعلان الدستوري يحدد ما هي الصلاحيات التي تم نقلها لحكومة الجنزوري حتى يتم تبرير جملة (الصلاحيات المطلقة) التي يستخدمها المجلس العسكري في تصريحاته المتعلقة بحكومة الجنزوري فالمجلس العسكري طبقا للإعلان الدستوري (مادة 56) يتمتع بصلاحيات : التشريع ، وإصدار القوانين والإعتراض عليها ، وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ، وتعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفاؤهم من مناصبهم ، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم بالإضافة إلى سلطات أخرى عديدة .. والسؤال المشروع عندما نتكلم عن صلاحيات الدكتور جنزوري .. ماهي السلطات التي تنازل له المجلس العسكري عنها .. وهل نقل السلطات والصلاحيات يتم عبر تصريحات هلامية غير محددة أم من خلال إعلان قانوني موثق طبقا للإعلان الدستوري فالدكتور الجنزوري هو مجرد سكرتير تنفيذي لقرارات المجلس العسكري الذي يدير البلاد .. وصلاحياته ليست أكبر من صلاحيات أي "خيال مآتة" موجود في أي حقل .. مجرد دمية تمتص النقد عن المجلس العسكري الذي يحرك كل الخيوط بالطريقة التي يريدها .. كما يتندر الرواة عن الدكتور عصام شرف بأنه كان يحتاج إذنا عسكريا كلما أراد أن يذهب إلى الحمام ولذلك فقد ظل طوال فترة وزارته محصورا.. تستطيع التصريحات البراقة أن تصدر من المجلس العسكري بأن "كل الصلاحيات للجنزوري" .. وتستطيع التصريحات البراقة أن تصدر من الدكتور الجنزوري بأنه يمتلك كل الصلاحيات .. ولكن هل تكفي هذه التصريحات لتجعل الجنزوري ووزارته قادرين على أداء أي شئ بدون الرجوع للمجلس .. لا أحد يظن ذلك .. على كل حال يمكن أن نتحدى الدكتور الجنزوري في إختبار صغير ليثبت أنه بصحيح رئيس وزراء له صلاحيات .. نتحداه أن يخرج علينا مع وزير داخليته ووزير عدله ليقدموا رواية رسمية حقيقية لقضية "كنيسة القديسين" التي ظلت حتى هذه اللحظة بدون رواية رسمية غير الفيلم الهندي الذي خرج به حبيب العادلي يوم 24 يناير والذي ثبت بعد ذلك أنه مجرد فيلم هندي من خيال العادلي وأن كل الأدلة مفبركة والمتهمين أبرياء .. لا نطلب من الجنزوري "لا سمح الله" أن يقبض عن مفجري كنيسة القديسين أو أن يكشف عن هوياتهم .. ولكننا نطالبه على الأقل بأن يشرح للرأي العام سير التحقيقات .. ولماذا لا توجد تحريات جدية لحدث في هذه الأهمية .. ومن الذي تواطأ لدفن القضية إعلاميا وجنائيا .. ولماذا جرى فبركة تحقيقاتها لإدانة أبرياء .. ولماذا جرى تعذيب الأبرياء لدرجة الموت لإلصاق الإتهامات بهم.. هل يجرؤ الدكتور الجنزوري على أن يقدم لنا رواية رسمية متماسكة تجيب على هذه التساؤلات .. نحن لا نطالبه بتحقيقات جدية في حادث ماسبيرو أو أحداث ميدان التحرير .. نحن لا نطالبه بالقبض على القيادات الأمنية (والسياسية) التي أمرت بقتل المتظاهرين ودهسهم بالمدرعات في ماسبيرو أو قتل المتظاهرين واستهداف عيونهم أو إلقاء جثثهم إلى القمامة في التحرير .. فهو بالتأكيد لن يمتلك صلاحيات محاسبة الذين جاؤوا به إلى السلطة .. ولكننا فقط نطالبه برواية رسمية متماسكة لملف كنيسة القديسين يعني إختبار سهل وبسيط وداخل في المقرر على إعتبار أنه (نظريا على الأقل) لا يسبب الحرج إلا للنظام السابق.. فهل يجرؤ الدكتور الجنزوري .. أشك في ذلك