ما أحوجنا للاعتدال في الشخصية المصرية والتي سنستمد منها دولتنا القادمة، فلا حاجة لنا بعد الثورة للتعصب المرتبط دائماً بشخص أحمق أو جماعة حمقى، ونحن في الاساس أمة وسطً ننبذ التطرف ونؤمن بالوسطية والاعتدال.. قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة/143 .فلا هدف يتحقق يقوده متعصب ولا قضية تُحل يتولاها متعصبون.. مابالنا لو تعلق الأمر بدولة كاملة فلن تنجح سياستها ولن تتقدم للأمام وتبقى تغوص في مشاكلها ويقول أحد الحكماء(التعصب للرأي اتباع للهوى) ومن اتبع هواه لايجد من يعينه ويرتد على عقبيه ناظرا نحو أنفه فقط فاقدا شعلة القيادة وكيفية المنافسة، اما الاعتدال والاعتداد بآراء الآخرين فدائما مايكون المخرج والملاذ الآمن والتوجه الصحيح نحو تحقيق الهدف المرجو، وينطبق الأمر على الفرد والجماعة وشخص الدولة فهناك الدولة المعتدلة والدولة المتعصبة والتاريخ حافل بنماذج كثيرة. ووفقاً للفترة الانتقالية المرحلية في عملية التغيير والإصلاح التي نعيشها أو نحياها بين دولة ذهبت وأخرى قادمة قد يقتلنا التعصب. فإذا كان الوعي الاجتماعي وعناصر الحكمة لم يتجذروا في وعي مايطلق عليهم النخبة، نجدها تختار إما الاصطدام غير الواعي والمتعجل مع الواقع، وبالتالي استعداء المجتمع لها، وإما أن تعيش عقدة عدم فهم الواقع لها، ما يجعلها تتأزم نفسيا وتختار العزلة وتعادي الطرف الآخر بتعصب أعمى وأحمق. ونحن في مصر نتعصب لرأينا لدرجة التطرف ليس بعد الثورة بل قبل اندلاعها أيضاً تلك حقيقة يجب ان نعترف بها قبل ان نبحث عن الحلول لتعصبنا والذي قد يجنح في بعض القضايا والمشاكل التي نعاني منها وصل إلى (العنصرية) ان جاز التشبيه، فالبعض لا يرى الا نفسه، والبعض يحقر من يختلف معه ويعاديه لمجرد انه ليس على هواه ومبتغاه ومسعاه المتطرف. القضية اكبر مما نتصور ولا يمكن معالجتها ما بين يوم وليلة، لأن كل ذلك متعلق بسلوك وطباع مكتسبة أو تم اكتسابها بمجرد الايمان بفكر جماعة ما، أو حزب أو غير ذلك،وكلنا نمارس التعصب بكل اشكاله نحن اصحاب الانتماءات فطبيعة كل شخص منتمٍ حتى المستقل فأنه يستقل لرأيه ورؤاه وأفكاره وفي النهاية تجده هو الآخر متعصب عندما تتناقش معه. وإذا أردت أن تتأكد من تعصبنا فانظر إلى ما يدور على الساحة في مصر بعد الثورة فكل طرف سياسي يتعصب لرأيه ويرى في رأي الآخرين جهلاً مطبقاً، حتى لو كانت تلك الرؤى صائبة والأخذ بها سيحل بعض من مشاكلنا وهنا الكارثة في أن يلغي كل طرف الآخر ويراه وهماً قائماً، حتى لو كان يملك العدد والعتاد.. وهو ما قد يدفع بنا جميعاً إلى أن نعيش في وضع غير مستقر جماعياً على صعيد كل القضايا التي نعاني منها داخلية أو خارجية، لتترهل الدولة وتعاني الانفصام في الشخصية والهوية. ومشكلة التعصب التي قد لا يعترف بها البعض أو يراها غير ذلك، لن تجد الحلول سوى بضرورة الإيمان بأننا جميعاً قوام هذا المجتمع بمختلف اطيافه وثقافاته وأيدلوجياته، لنتمكن بعد ذلك من الوصول الى نقطة الالتقاء وهو المهم الآن، فليس من المنطق ان يتخوف كل طرف من الآخر حالة توليه حكم مصر وشعبها، بل يجب على هذا الطرف المتخوف أن يثق في الطرف الذي على غير استراتيجيته وفلسفته وما يعتنقه من فكر وأعني هنا كل طرف دون ذكر مسميات وهي معروفة للجميع. ولماذا هذا التخوف إذن؟ الاجابة عن هذا السؤال بسيطة جداً..فكلنا متفقون على شكل الدولة المقبلة بأنها ستكون دولة ديمقراطية كمبدأ اساسي ومطلب شعبي بعد حكم شمولي دام ستة عقود من الزمن، وكلنا ايضا سنحترم خيار الشعب، فلماذا لا نتفق في ان حالة تولي طرف ما السلطة وهو أمر وارد لكل الأطراف على ضرورة احترامه طوال الفترة التى سيكون فيها المسئول الاول عن تشكيل سياسة مصر على الصعيدين الداخلي والخارجي، وفي حالة نجاحه سيجبر الجميع والمختلفين معه على الاتفاق بأنه جدير بالقيادة وحالة فشله سنقدم له الشكر وسيأتي الشعب بما هو أجدر منه ونتخلى عن تعصبنا وإلغاء الآخر.