منذ بضعة أشهر طلع علينا بعض الحاقدين على ديننا الحنيف، بفيلم أثار حفيظة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وممن شجّع على الاحتجاج على هذه الإساءة بشدة مجموعات من الإسلاميين. لقد كان الحكم بشنق هؤلاء السبعة الذين صنعوا الفيلم المسيء إلى رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، من الأحكام التي أثلجت صدر كل المسلمين في جميع أنحاء العالم، حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر. فقد اعتبر المسلمون أن هذا الفيلم قد أساء إلى رسولنا وشوّه صورته أمام العالم أجمع، مما قد يجعل العالم يفكر أنه إذا كان رسول المسلمين بهذه الصورة التي صوروه بها وهو قدوة المسلمين، فماذا تكون أخلاق من اتبعوه! ولقد أجمع معظم المسلمين بأننا حتى نمحو هذه الصورة السيئة التي ألصقها بالرسول فئة لا أخلاق لهم، هو أن نقوم بعمل أفلام توضح الصورة الصحيحة عن الرسول والإسلام والمسلمين، وأن يقوم المسلمون في جميع أنحاء العالم بالعمل كسفراء للمسلمين لإظهار الطبيعة السمحة والخلق الحميد، وما في أخلاق المسلمين التي حثنا عليها القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام. فنزيل الصورة النمطية التي انطبعت لدى الكثيرين في أرجاء العالم بأن المسلمين يتسمون بالعنف والإرهاب والتخلف والجهل، وقد كانت الفكرة صائبة وبدأ الكثيرون وخصوصا من يعيشون في بلاد أجنبية في العمل على محو هذه الفكرة السيئة. حتى ظهر ذلك الإعلان الدستوري -نعم لا تتعجب عزيزي القارئ، ففي الفترة المتزامنة مع ظهور هذا الإعلان تغيّرت أمور كثيرة- وقلب كل الموازين التي كنا نحاول بها تصحيح الصورة السيئة عن المسلمين، والتي رسخت في العقول منذ مئات السنين من إظهار ما في الإسلام من نقاء وسماحة وعدم العنف والتخلف والجهل، وتوصيل الصورة الصحيحة التي نزل بها الإسلام إلى الأذهان.
لقد أساء التيار الإسلامي إلى ديننا الحنيف وإلى المسلمين أجمعين بما فعلوه، عندما خلطوا بين الدَعَوي والحزبي، وعندما بدئوا يتكلمون عن كون أفعالهم السياسية التي تخطئ وتصيب هي واجهة للدين، ولها علاقة بالجنة والنار والثواب والعقاب، وأنهم الإسلام وأن معارضيهم العلمانية. وهكذا بدلا من أن يتم تقييمهم داخليا وخارجيا وفقا لأدائهم السياسي تم تصنيفهم وفقا لموقفهم الديني. وهكذا عندما بدأ بعض المنتمين إلى هذا التيار في الكذب والنفاق والعنف والجهل، بل وإرهاب المواطنين وإظهارهم مصر بصورة في قمة التخلف عن التي من المفترض أنها دولة من أعرق الدول وأكثرهم حضارة. بدأ الجميع يتحدث عن فشل التجربة الإسلامية وعن إساءة الإسلام للمرأة وعن عدم ملائمة الإسلام للعصر.. والإسلام بريء من هذه الأفعال التي ترتكب باسمه. بل لقد أظهر بعض المنتمين إلى الإسلام السياسي وجها عنيفا كنا ظننا أنه قد انتهى، ولمن تم تصدير هذا الوجه؟ لإخوانهم المصريين وأمام العالم أجمع بصورة لو أراد أكثر الناس كرها للإسلام، بل أصحاب الرسوم المسيئة والفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام وغيرهم، ما استطاعوا تشويه الإسلام والمسلمين بهذه الصورة المشينة أكثر من هذا. هل من المعقول أن من كانوا حاملي كتاب الله في صدورهم، والذين قاموا بعمل المسيرات من أجل الاحتجاج على الفيلم الذي يسيء إلى الرسول، وبالتالي يسيء إلى الإسلام والمسلمين، هم أنفسهم من يصدر هذه التصريحات العنيفة لإخوانهم المصريين المسلمين مثلهم، فيكفروهم تارة ويقفون بالسلاح تارة أخرى، ومنهم من يتلفظ بألفاظ نابية تنبئ عن سوء الخلق. وأخيرا الطامة الكبرى، تلك التجاوزات التي حدثت في التصويت على الدستور من منع المصوتين دخول اللجان وخصوصا المسيحيين، والقيام بتسويد البطاقات بأنفسهم حسب رغبتهم، وإغلاق اللجان قبل ميعاد إغلاقها، وهي كلها تجاوزات تدخل تحت بند الغش والخداع والكذب، وهي الصفات المذمومة دينيا، وأيضا بكل أسف تحسب أفعالهم هذه على الإسلام. عندما قامت حرب الكويت لعن المسلمون والعالم العربي بأكمله صدام حسين لأنه اعتدى على دولة شقيقة وهي الكويت، فماذا نقول اليوم عن من يقوم بالاعتداء على إخوته في نفس البلد؟! الآن وقد فعل الإخوان من تشويه للمسلمين ولدين الإسلام وإظهار المسلمين بالعنف والإرهاب والتخلف والجهل، بأكثر مما فعله المسيئون إلى الدين أنفسهم، فما هو المفترض أن يفعل بكل من أساء إلى الدين منهم ألا يجب تقديمهم للمحاكمة أسوة بصانعي الفيلم المسيء لينالوا نفس الجزاء؟ ولا حزن أو رأفة بهم، فهذا ما حكمه هم أنفسهم وطالبوا به على من أساءوا إلى الدين. أما مصر فلها الله من هذا التكالب على الكرسي الذي أضاع من قبلهم، وسوف يضيعون هم و يضيعون الدين من أجله.