تحت عنوان "براجماتية الإسلاميين فى دول المغرب" نشرت صحيفة "جابان تايمز" اليابانية مقالا للكاتب "موحا الناجى" رئيس مركز حوار الثقافات بين الشمال والجنوب فى المغرب وأستاذ علم اللغة والدراسات الثقافية، حيث أكد الكاتب أنه قبل عام من الآن انطلقت شرارة الربيع العربى التى أحدثت تحولا درامكاتيكيا فى منطقة شمال أفريقيا، كانت نتيجته النهائية، إزاحة الأنظمة العلمانية الديكتاتورية من السلطة، وانتخاب أنظمة إسلامية بدلا منها سواء فى مصر أو تونس أو ليبيا. وأشار الكاتب إلى أن أحد الأسئلة الجيوسياسية المحورية التى تطرح اليوم، هى " ماذا سيعنى ما حدث، لهذه البلدان ؟. وقال الكاتب إنه فى شمال أفريقيا تمكن حزبان إسلاميان من القفز على السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، وهما حزب النهضة فى تونس حيث المكان الذى انطلقت منه شرارة الربيع العربى وحزب التنمية والعدالة فى المغرب، وكلا الحزبين يقود حكومة ائتلافية فى بلده. وإذا كان التغيير فى تونس قد تم عبر ثورة شعبية، فإن المغاربة قاموا بعملية انتقال سلمى، أبقت على الملك فى موقعه، ولكن تم صياغة دستور جديد، تقاسم من خلاله رئيس الوزراء السلطات مع الملك، حيث أصبح مسئولا عن تشكيل الحكومة وتعيين الوزراء، وإدارة السياسات الحكومية والخدمات المدنية، وظلت سلطات الملك فيما يخص اختيار رئيس الوزراء من الحزب صاحب الأغلبية فى البرلمان وقيادة الجيش، وعلاوة على ذلك، مثل رؤساء الدول في الأنظمة البرلمانية الأخرى، لديه الحق في تعيين بعض وزراء الحكومة والسفراء وحل البرلمان وإقالة الحكومة. ورغم أن نجاح حزب التنمية والعدالة المغربى تم على أساس بناء مؤسسى من خلال ملكية دستورية، ونجاح حزب النهضة التونسى تم على أساس ثورية شعبية دستورية، إلا أن كلا الحزبين فاز فى الانتخابات الديمقراطية بعد أن تبنى معايير وأسسا معتدلة، تجاه الدستورية وتقاسم السلطة والحقوق المدنية وحقوق المرأة. ورأى الكاتب أن هذه الواقعية السياسية الجديدة فى بلدان المغرب ستضع أوروبا وخاصة فرنسا - المستعمر القديم للمنطقة – وجها لوجه مع حكومات إسلامية قررت صياغة نمط جديد من العلاقات. إلا أن هذه الدول لازال لديها الكثير التى تفعله فى الداخل، فهى تواجه مشاكل كثيرة منها ارتفاع معدل البطالة والفقر وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومن أجل ذلك وضع حزبا النهضة فى تونس والتنمية والعدالة فى المغرب أولويات فى أجندة العمل، منها إيجاد فرص عمل جديدة، وتحرير التجارة ودفع الاستثمارات الأجنبية ومكافحة الفساد الذى كان سببا وراء انتكاسة اقتصاديات هذه الدول. وأشار الكاتب إلى ان اول اختبار كبير لهذه الحكومات فى إدارة الاقتصاد، سيكون التعامل مع صناعة السياحة. فرغم أن السياحة تعتبر المصدر المهم لتوفير فرص العمل والعملات الصعبة فى كل من المغرب وتونس ، الا ان بعض الاسلاميين ينتقد السياحة ويعتبرها مصدرا لنشر المشروبات الكحولية وبعض السلوكيات والظواهر الاجتماعية التى تهدد القيم الاسلامية . وحتى الان يتعامل حزبا النهضة والتنمية والعدالة مع ملف السياحة ببراجماتية كاملة، حيث يدرك الحزبان أنه رغم أن معظم أنصارهم من الإسلاميين الورعين المتمسكين بالقرآن والسنة، إلا أنهما يدركان أيضا أنه لابد من توفير مصادر العيش، وان الفنادق الشاغرة والشواطئ الخالية تعنى كوارث اقصادية، ومن هنا تلقى القائمون على السياحة فى كلا البلدين تطمينات وتأكيدات من الحكومة، بأن قطاع السياحة سيعمل كما هو دون اى تغيير. ويتوقع بعض المحللين الاوروبيين انه على المدى الطويل سيحدث استقرار افضل بعد التغييرات السياسية فى هذه البلدان، وربما يعود ملايين المهاجرين فى اوروبا من تونس والمغرب الى بلدانهم إذا تحسن الاقتصاد هناك. ومع ذلك رأى الكاتب ان هناك العديد من الإشكاليات والتساؤلات التى تبحث عن اجابات، فمن المؤكد النظام المصرفى الإسلامى سيكون خيارا مفضلا للأنظمة الإسلامية الحاكمة، ولكن هل لا يؤثر ذلك على الاستثمارات الأجنبية فى ظل تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية، كما أن هناك مخاوف من عدم قدرة الإسلاميين ذوى الخبرة المحدودة على إدارة وزارات المالية . ولكن هذه المخاوف مردود عليها، حيث إن برجماتية هذه الحزاب ستجعلها لا تتخللى عن سياسات السوق الحر فى الاقتصاد ، وتبنى مفاهيم أكثر تحررا وجذبا للاستثمارات وتحرير التجارة، كا أنها ستسعى إلى حل خلافاتها الحدودية خاصة تلك الموجودة بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية من أجل إقامة تحالفات تجارية مع الجيران. وختم الكاتب مقاله قائلا "إن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وحزب النهضة فى تونس وحزب التنمية والعدالة فى المغرب ، ستعمل على تهميش التيارات الاسلامية المتطرفة، مثل السلفيين، من أجل تبنى مفاهيم أكثر برجماتية، فهم فى حاجة إلى الغرب كى ينجحوا اقتصاديا، ولن يقدم الغرب اليهم أى شىء فى ظل وجود أى تيار راديكالى . وربما تفقد هذه الأحزاب بعض أنصارها ، ولكن عليها ان تسلك الطرق الواقعية كى تستمر فى موقعها .