وبدون شك فقد حدث تقدم كبير في أفغانستان منذ الإطاحة ب\"طالبان\" في عام 2001. ولكن هذا الأمر يعود بشكل رئيسي إلى أن الأمور كانت أكثر سوءاً إبان حكم \"طالبان\". ومن حسن الحظ أيضاً فإن الاستراتيجية الأمنية الحالية التي تنتهجها الولاياتالمتحدة وشركاؤها في حلف الناتو حالياً لم تذهب بعيداً للتأكيد على أن أفغانستان سوف تشهد ظروفاً أفضل عما قريب. ففي أوائل نوفمبر عام 2001 وعد الرئيس بوش في الأممالمتحدة بأنه: عندما يذهب نظام طالبان ستنضم أميركا إلى العالم في مساعدة شعب أفغانستان على إعادة بناء دولته. أما في أكتوبر عام 2002 فقد تعهد قائلاً: لدينا التزام كامل بمستقبل زاهر في التقدم والاستقرار لشعب أفغانستان. إلا أنه من الواضح أن الولاياتالمتحدة الأميركية قد فشلت في الإيفاء بهذه الوعود الرئاسية.وفي الحقيقة فهناك بعض الإنجازات المقدرة التي تم تحقيقها على أرض الواقع حيث تم التخلص من نظام \"طالبان\" الطاغية المتخلف. وبعد اجتماعين فقط لمجلس \"اللويا جيرغا\" تمكنت البلاد من استحداث حكومة مؤقتة وإقرار دستورها الجديد. وفي الأسبوع الماضي ذهب الشعب الأفغاني إلى صناديق الاقتراع من أجل اختيار أول رئيس للدولة يتم انتخابه ديمقراطياً. \r\n \r\n ومن ناحية أخرى فقد بلغت معدلات النمو في مجال الناتج المحلي متوسطاً يتراوح ما بين 20 و30 في المائة سنوياً. أما أعداد المسجلين في المدارس فقد أصبحت الآن أكثر بمقدار 300 في المائة عما كانت عليه قبل الحرب. على أن أفغانستان ما زالت تعيش نفس الظروف الشبيهة بإقطاعيات القرون الوسطى الخاضعة إلى لوردات الحرب. وقد تتفاوت الأحوال المعيشية بين المواطنين إلا أن الغالبية تشعر بالظلم والاضطهاد. وما زالت الجهود لم تثمر عن استحداث اقتصاد صحي معافى تماماً كما أن المواطنين لا ينعمون بمناخ أمني يدعي للاطمئنان. وقد اقتربت أعداد قوات المليشيات المسلحة من مستوى 90 ألف جندي دون إحراز تقدم كبير في سبيل نزع أسلحة وتسريح هذه المليشيات. \r\n \r\n على أن من حسن الحظ أيضاً أن القوات الأمنية الرسمية أصبحت تشهد نمواً مستمراً في أعدادها. فهنالك الآن قوات يبلغ تعدادها 15الف جندي في الجيش الأفغاني وحوالي 28 ألف عنصر في قوات الشرطة. وقد تمكنت هذه القوات وبنجاح في هذا الصيف من حل أزمة طاحنة لاحت بوادرها في الأفق في منطقة بالقرب من حيرات. إلا أن معظم الأجزاء الريفية للدولة حيث يعيش 80 في المائة من الأفغان ما زالت بمنأى عن سيطرة حكومة قرضاي. وما زالت الهجمات مستمرة على العاملين في الإغاثة وجهود إعادة الإعمار وهو الأمر الذي أدى بمنظمات طالما عرف عنها التحلي بالشجاعة والإقدام إلى مغادرة الدولة مثل أطباء بلا حدود. وقد تمخضت هذه المغادرة إلى ظروف إنسانية أكثر مأساوية حيث تشير الإحصائيات إلى أن 70 في المائة من الشعب الأفغاني ما زال يعاني من سوء التغذية بينما أن نسبة لا تزيد على 13 في المئة فقط بإمكانها الحصول على مياه نظيفة صالحة للشرب. أما معدل الذين ينعمون بخدمة الكهرباء فلا يتجاوز الستة بالمئة من تعداد السكان. \r\n \r\n وهنالك حوالي 20.000 جندي أميركي يشنون حرباً دموية شعواء ضد فلول طالبان في الجنوب الأفغاني. وفي هذا العام توفي 32 أميركيا في هذه الحملة العسكرية بعد أن لقي 12 منهم حتفهم في العام 2003. وبذلك يصل إجمالي القتلى خلال الثلاث سنوات الماضية إلى أكثر من مائة. وعلى الرغم من هذه التضحيات، لسوء الحظ فإن \"طالبان\" فيما يبدو قد استعادت الكثير من قوتها في أماكن متعددة وهو الأمر الذي يبرهن عليه الارتفاع الكبير في أعداد القتلى الأميركيين .. ووفقاً لمقابلة أجرتها صحيفة \"نيويورك تايمز\" مؤخراً مع رئيس الاستخبارات الأفغانية في أول أغسطس المنصرم فقد شهدت قوة \"طالبان\" تنامياً ملحوظاً بلغ معدل 50 في المائة منذ العام 2003. لقد مر عام كامل منذ أن فوضت الأممالمتحدة قوات حلف الناتو لتوسعة مظلته لكي تشمل مناطق خارج كابول العاصمة ولكن القوات التي اضطلعت بمهمة القوات الدولية لإسناد الأمن ما زالت متمركزة في كابول. وعلى الرغم من أن حلف الناتو عمد مؤخراً إلى زيادة أعداد هذه القوات من 6.500 إلى10 آلاف جندي وبشكل مؤقت لفترة الانتخابات إلا أن المزيد من قوات حلف الناتو تحتاج إلى الانتشار لفترة طويلة المدى بهدف ضمان الأمن في أفغانستان إلى عدد ربما يصل إلى 20 آلف جندي. \r\n \r\n إن تردي الأحوال الاقتصادية يعود بشكل رئيسي لرداءة الأوضاع الأمنية. وكان الاقتصاد قد شهد بعض الانتعاش في العام 2001 ولكن الضعف ما زال يساوره حيث يبلغ دخل الفرد حوالي 250 دولاراً في العام وهو معدل لا يمكن مقارنته إلا بأفقر الدول الأفريقية. ولقد ظلت المعونات الدولية تتدفق بحوالي مليار دولار في العام إلا أن هذا الرقم لا يمثل إلا نصف ما تعهد به المانحون لتقديم أقل ما يمكن من معونات لهذه الدولة التي مزقتها الحروب لثلاثة عقود متصلة من الزمان. والغريب أن معظم النمو الاقتصادي الذي تشهده أفغانستان قد نجم بشكل مباشر أو غير مباشر من إعادة استئناف تجارة المخدرات. فبعد فترة 4 سنوات تمكنت فيها \"طالبان\" وبشكل كبير من حظر زراعة الخشخاش يعتقد الآن أن الدولة تساهم بمعدل 75 في المائة من جمالي إمدادات المخدرات في العالم. وفي العام 2003 بلغت عائدات تجارة المخدرات الأفغانية نصف إجمالي الإنتاج المحلي للدولة بالنسبة للسلع الأخرى قاطبة. وبالإضافة إلى ذلك فإن تجارة الهيروين باتت تعتبر المورد الرئيسي لتمويل قوات \"طالبان\" وتنظيم \"القاعدة\" التي ما زالت تتخندق داخل الدولة. \r\n \r\n هناك الكثير من المنتظر فعله من إدارة بوش وشركائه في حلف الناتو. ولكن الأهم من ذلك انه قد تحقق الكثير أيضاً الذي يمكن أن يفتخر به الشعب الأفغاني..فأفغانستان لا تزال دولة فقيرة وغير آمنة! \r\n \r\n \r\n أدريانا لينز دي البكيرك \r\n \r\n باحثة في معهد \"بروكنجز\" \r\n \r\n مايكل اوهانلون \r\n \r\n زميل رئيسي في معهد \"بروكنجز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n