ينتاب بعض الثوار أحيانًا مجموعة من الأفكار السلبية مثل أنه لا داعي ولا جدوى من الخروج للمسيرات والتظاهر، وأحيانًا أخرى يريدون الإقدام على بعض الخطوات التي يرونها ناجحةً، إلا أن إحساسًا ينتابهم بعدم قدرتهم على ذلك، وأحيانًا يشعرون باللامبالاة أو بالاكتئاب ولا يرون بريق أمل في الأفق، وفي مثل هذه اللحظات يحتاجون إلى تحفيز أنفسهم من أجل تشجيعها على مضاعفة جهودها وتحقيق أهدافها. يقول حافظ إبراهيم مصورًا واقع الآيسين: لم يبق شيء من الدنيا بأيدينا إلا بقية دمع في مآقينا كنا قِلادةَ جِيدِ الدهر فانفرطت وفي يمين العلا كنا رياحينا حتى غدونا ولا جاهٌ ولا نسبٌ ولا صديقٌ ولا خلٌ يواسينا وسنحاول في الكلمات التالية التركيز على عدة نصائح تجنب الشباب الثائر الوقوع في شراك الانهزامية. لا تستمع لكلمات المرجفين: بعض الناس لا شغل لهم إلا الاستسلام والرضا بالأمر الواقع، هم يرفعون عبارات مثل: "مش احنا اللي هنغير الكون"، "عاوزين ناكل عيش"، "عاوزين نربي العيال".. والكثير من مثل هذه الكلمات المحبطة التي يبغون منها قتل من أمامهم بعد أن قتلوا أنفسهم، وهؤلاء لا ينبغي أن نستمع إليهم أصلاً، لأنهم بذاتهم مهزومون فاشلون، وما عليك إلا أن تصم أذنيك عن سماع أحاديثهم أو حتى التحاور معهم، وإلا أصابوك بدائهم، وثبطوك بخوفهم وانهزامهم. يُروى أن مجموعة من الضفادع كانت تقفز مسافرةً بين الغابات، وفجأة وقعت ضفدعتان في بئر عميق، فتجمع جمهور الضفادع حول البئر، ولما شاهدوا مدى عمقه صاح الجمهور بالضفدعتين اللتين في الأسفل أن حالتهما ميئوس منها، وأنه لا فائدة من المحاولة. تجاهلت الضفدعتان تلك التعليقات، وحاولتا الخروج من ذلك البئر بكل ما أوتيتا من قوة وطاقة؛ واستمر جمهور الضفادع بالصياح بهما أن تتوقفا عن المحاولة؛ لأنهما ميتتان لا محالة. أخيرًا انصاعت إحدى الضفدعتين لما كان يقوله الجمهور، وحل بها الإرهاق واعتراها اليأس؛ فسقطت إلى أسفل البئر ميتة. أما الضفدعة الأخرى فقد استمرت في القفز بكل قوتها، واستمر جمهور الضفادع في الصياح بها طالبين منها أن تضع حدًا للألم وتستسلم لقضائها؛ ولكنها أخذت تقفز بشكل أسرع وأقوى حتى وصلت إلى الحافة ومنها إلى الخارج وسط دهشة الجميع. عند ذلك سألها جمهور الضفادع: أتراك لم تكوني تسمعين صياحنا؟! شرحت لهم الضفدعة أنها مصابة بصمم جزئي؛ لذلك كانت تظن وهي في البئر أنهم يشجعونها على إنجاز المهمة طوال الوقت! حول المشكلات إلى فرص: يتعرض الثوار – أحيانًا - لكثير من المشكلات في تحركاتهم وتكتيكاتهم، تارة من شرطة الانقلاب، وتارة من البلطجية المؤجرين، وتارة من مؤيدي الانقلاب، وتراهم بعد انتهاء فعاليات اليوم يرجعون إلى بيوتهم وهم يشكون من انتفاش الباطل وعناد الانقلابيين. وينبغي على الثوار أن يتكيفوا في تعاملهم مع جميع الظروف والأحوال، وأمام كل الاستراتيجيات والتكتيكات، وحسب الزمان والمكان، فالمشاكل ليست نهاية الطريق، وإنما ينبغي استثمارها وتحويلها لتكون عاملاً إيجابيًا لا عاملاً سلبيًا. استوقفتني قصة رمزية طريفة قيلت في بعض الحيوانات الذي وقع في مشكلة واستطاع بدهائه أن يحولها إلى فرصة للنجاة، وترك من أرادوا الفتك به يتقاتلون فيما بينهم. تقول القصة إن مجموعة من الحِدآن والغربان اتفقت فيما بينها على تقاسم كل شيء يتم الحصول عليه من الغابة مناصفة؛ وذات يوم شاهدوا ثعلباً جرحه الصيَّادون مضطجعاً بلا حول ولا قوة تحت شجرة، فتجمهروا حوله، فقالت الغربان: سنأخذ النصف العلوي من الثعلب، وقالت الحدآن: إذن فسنأخذ نحن النصف السفلي. وعندئذ ضحك الثعلب وقال: كنت أظن دائماً أن الحِدآن متفوقة في الخِلقة على الغربان، وعلى ذلك فيجب أن يحصلوا على الجزء العلوي من بدني، الذي يشكل رأسي جزءاً منه، بما فيه من المخ وغيره. فقالت الحِدآن: نعم، هذا صحيح، سنأخذ ذلك الجزء من الثعلب، وقالت الغربان: كلا، أبداً، بل يجب أن نحصل عليه نحن، كما اتفقنا للتوّ. وهكذا نشبت حرب بين الطرفين المتنافسين، وسقط كثيرون من كلا الجانبين، ونجا القلائل الباقون بصعوبة، وبقي الثعلب هناك أياماً يقتات على مهل على الحدآن والغربان الميتة، ثم غادر المكان وهو مرحٌ بصحة جيدة، وقال: يستفيد الضعيف من مشاجرات الأقوياء. حاول أكثر من مرة: إن النجاح ربما تأخر، ولا يأتي من المرة الأولى، ولكن المحاولة باستمرار تجلب النجاح أو تترك أثرًا لا يمكن إغفاله أو التغاضي عنه. يقول إديسون: "ليس هناك ما يثبط همتي، فاستبعاد كل محاولة خاطئة ليس سوى خطوة إلى الأمام". ويقول الإمام ابن حزم الأندلسي: "نقطة الماء المستمرة تحفر عمق الصخرة". وقال بعضهم: "الناجحون لا يقلعون عن المحاولة، والمقلعون عن المحاولة لا ينجحون". اعْزِمْ وكُدَّ فإنْ مَضَيْتَ فلا تقفْ واصْبِرْ وثَابِرْ فالنَّجَاحُ مُحَقَّقُ ليسَ المُوَفَّقُ مَنْ تُوَاتِيْهِ الْمُنَى لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الثَّبَاتَ مُوَفَّقُ ثق في نفسك: إن الناس لا تنقاد ولا تحترم إلا لمن يثق بنفسه وبما عنده من حق ومبادىء وقيم وتغيير نافع، فالثقة بالنفس دليل القوة، وهي لا تعني الغرور والغطرسة، وإنما هي نوع من الاطمئنان المدروس إلى إمكانية تحقيق النصر والحصول على بعض المكاسب. والهزيمة النفسية هي بداية الفشل، بل هي سهم مسموم إن أصابت الثائر أردته قتيلًا؛ ولذلك يقول مونتغمري في كتابه (الحرب عبر التاريخ): "أهم مميزات الجيوش الإسلامية لم تكمن في المعدات أو التسليح أو التنظيم، بل كانت في الروح المعنوية العالية النابعة من قوة إيمانهم بالدعوة الإسلامية". ولما أرسل سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) ربعي بن عامر (رضي الله عنه) ليفاوض قائد الفرس رستم، دخل ربعي بثيابه الرثة ورمحه وبغلته على رستم في إيوانه وبين حراسه وجنده، ودارت مفاوضات قذفت الرعب في قلب رستم، وكانت بداية هزيمته، إذ سأل رستم ربعيًا فقال له: ما الذي جاء بكم؟ فقال ربعي بكل ثقة: ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فخاف رستم وأيقن أنه لن يستطيع أن يكسب الجولة مع هذا الصنف من البشر. ومن هنا فيجب أن توقنوا أن الله لن يترككم ولن يُضيعكم، وإذا ما تخلى عنكم كل من في الأرض فيجب أن تكون ثقتكم بما عند الله أكبر من ثقتكم بما عند الناس؛ لأنه لا حول لأي قوة في العالم ولا طول لها إلا بعد أن يأذن الله. كن بلطف الله ذا ثقة وارض بالجاري من القسم واصطبر للأمر تكرهه فلعل البرء في القسم اعتصم بالله تعالى: إن المؤمن لا يعرف اليأس ولا القنوط، إن له غاية عظمى وهدفاً سامياً ألا وهو رضا الله والجنة، وصدق الله حيث يقول الله: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء: 104). واليأس ليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: "وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف: الآية 87). والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يربي صحابته على التفاؤل وعدم اليأس مهما أُثيرت حول دين الله الشبهات، يقول: "والذي نفسي بيده ليفرجن الله عنكم ما ترون من الشدة، وإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمناً، وأن يدفع الله إلى مفاتيح الكعبة، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله " (رواه البخاري ومسلم). يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: "والذي ييأس في الضر من عون الله يفقد كل نافذة مضيئة، وكل نسمة رخية، وكل رجاء في الفرج، ويستبد به الضيق، ويثقل على صدره الكرب، فيزيد هذا كله من وقع الكرب والبلاء.. ألا إنه لا سبيل إلى احتمال البلاء إلا بالرجاء في نصر الله، ولا سبيل إلى الفرج إلا بالتوجه إلى الله، ولا سبيل إلى الاستعلاء على الضر والكفاح للخلاص إلا بالاستعانة بالله، وكل يائسة لا ثمرة لها ولا نتيجة إلا زيادة للكرب ومضاعفة الشعور به". إن المؤمن يتلقى الخطوب والمصائب التي تنزل به بنفس راضية وقلب مستريح، يقول الشاعر: مرحبًا بالخطب يبلوني إذا كانت العلياء فيه السببا يقول ابن القيم (رحمه الله): شهدتُ شيخ الإسلام (قدَّس الله روحه) إذا أَعْيَتْه المسائل واستصعبتْ عليه، فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللَّجَأ إليه واسْتِنْزَال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلَّما يَلْبث المَدَدُ الإلهي أن يتتابع عليه مَدَّاً، وتَزْدَلِفُ الفتوحات الإلهية إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ . يقول الشاعر: إذا لم يكنْ عونٌ من اللهِ للفتى فأولُ ما يَجْني عليه اجتَهادُهُ