في مدينة ملأى بالفراغ والبطالة، قرر اللاهون إقامة سباق بين ضفادع الجوار، وكان على الضفادع المتنافسة أن تبذل ما بوسعها لبلوغ قمة البرج، ليتم تتويج الضفدعة التي تصل أولا ملكة على بني جنسها. كانت المنافسة صعبة للغاية، لكن الضفادع المتلهفة على اللقب بدأت السباق بحماسة غير معهودة، وظلت تقفز وتقفز وهي تنصت لهتافات الجماهير وصفيرها، وبين قفزة وأخرى كانت الضفادع تسمع من يعتبر بلوغ القمة أمرا مستحيلا، ويؤكد أن المسابقة تستنزف طاقة الضفادع بلا فائدة. وبعد فترة، بدأت قوى الضفادع تخور وعزمها يتضاءل، وصارت تتساقط على الأرض كأوراق التوت الذابلة يوم عاصفة خريفية، فتنكسر مقدمات أسنانها أو تنبعج أنوفها أو تتهشم جماجمها. لكن عيون المشاهدين ظلت معلقة على ضفدعة امتلكت مفاصلها حتى آخر نقطة على رأس البرج. تعالت الهتافات وارتفع الضجيج، وقرر المشرفون على المهرجان إقامة حفل تنصيب لملكة الضفادع يليق بجهدها غير المنكور في اعتلاء عمامة البرج. ويوم التنصيب، نادى مقدم الحفل على الضفدعة الفائزة، فلم تجب. نظرت الجماهير حولها، فرأت الملكة تجلس في مقدمة الصفوف، فزاد عجبهم. ظنوا أن الضفدعة الفائزة تزهد في التاج أو تشعر بالحرج، لكنهم اكتشفوا عندئذ أنها لا تسمع. على من يريد أن يحوز قصب السبق في سباق الرئاسة إذن أن لا ينصت لهتافات الاستحسان أو عبارات الاستهجان من فضائيات لا تملك إلا أصواتها ومن جرائد لا تملك إلا التسبيح بحمد رؤساء تحريرها. عليه أن يتقدم بتؤدة وثقة نحو قمة البرج كي لا تزل قدمه من فوق أحد الصواري فيصبح أضحوكة للرأي العام والشامتين. عليه أن يضع عينا على موضع قدمه وعينا على ناصية البرج كي لا يسقط مع الساقطين في سباق له ما بعده من تاج وسلطان وخدم وعبيد. وقد وعي الإخوان المسلمون الدرس جيدا، وحفظوه عن ظهر تجربة، ووضعوا نصب أعينهم منصة التتويج، فلم ينصتوا إلى تصفيق أو تهليل أو تحذير، واندفعوا بكل عنفوان نحو سباق ينتهي إلى حكم مصر والعالم وفي آذانهم وقر مصطنع. لكنهم غامروا حين وضعوا أصابعهم في آذانهم وأطلقوا سيقانهم للريح فلم يدركوا أن الصمم ليس خيرا كله، فلربما حذرهم صديق أو محب أو متعاطف من السقوط في فخاخ التاريخ وحفر الجغرافيا.
غامر الإخوان بكل ما بقي لهم من رصيد ثقة لدى الشعب ودفعوا بمرشحهم للرئاسة ليتحللوا من وعودهم التي قطعوها أمام الشاشات وفوق الجرائد، وغامروا بمشروع إسلامي نهضوي فقسموا رصيد الأصوات التي تريد أن تقيم شرع الله في دنيا الناس، وخالفوا من تحالف معهم من تيارات وثقت بهم من أجل الوصول أو قل من أجل عدم الوصول إلى سدة الحكم. لكن الوصول إلى قمة البرج ليست هدفا في ذاتها، لأن السقوط من القمم أكثر إيلاما وأشد وجعا. فإذا سقط مرشحهم وسقط معه آخرون أقدر وأجدر بتحقيق مشروع حلم بإقامة مجتمع فاضل على أرض مصر، سينالهم من الشعب ما يستحقونه ومن الله أشد العقاب. وإن وصلوا بميكافيللية غير أخلاقية إلى حكم مصر والعالم الإسلامي، فلا مرحبا بهم، لأن الناس تتشوف لخلافة أخلاقية لا لخلافة سياسية تجيد المساومة والبيع والشراء، فلطالما عرفت أروقة التاريخ الإسلامي بطش خلفاء حكموا الناس باسم الله وهو منهم براء. يقول المثل الدنماركي: "أشد الناس خداعا من يخدع نفسه".