الزحام الشديد لصرف الحوالات الصفراء لا يمثل وحده معاناة للمستحقين. بل ان خلف كل حوالة صفراء قصة إنسانية عاشها صاحبها. أو كابدها ورثة. تجولت "المساء" في بنوك مصر والإسكندرية والأهلي فروع بني سويف المخصصة لصرف الحوالات الصفراء للعائدين من العراق والتقت مع بعض المستفيدين. قال أحمد عبدالله محمود "59 سنة" فلاح من اهناسبا المدينة أن هناك معاناة شديدة في صرف الحوالة فقد تجولت علي البنوك الثلاثة حتي أعرف أين اسمي وفي أي بنك حتي أتمكن من صرف الحوالة فلا يوجد موظف مخصص للاستعلام والرد علي الأسئلة. كما اننا نقف بالساعات في طابور طويل تحت أشعة الشمس بدون مقاعد أو مظلات. أضاف انه كان يعمل في شركة إطارات سيارات بالنجف منذ عام 84 حتي 25/9/1990 وترك زوجته وأولاده الثلاثة ومكث هناك 6 سنوات وعاد بعد الغزو وسوف يصرف المبلغ ليتمكن من تجهيز ابنه عبدالله لزواجه. أما مختار رجب شاكر "49 سنة" فلاح من طره ببا فيقول: حضرت منذ الثامنة صباحا ومعي ابن شقيقي عبدالله ليحجز دوري في الطابور وسوف أصرف الحوالة لاستكمال بناء منزلي. أضاف خالد أحمد طنطاوي "41 سنة" كنت أعمل في محافظة البصرة في أحد الفناددق وبعدها استطعت شراء مطعمين وسيارة إلي أن وقع الغزو وتركت مالي وممتلكاتي وعدت إلي مصر. وقد أعلنت هيئة الأممالمتحدة عن صرف تعويضات عن الممتلكات والمفقودات ولكن لم أتمكن من الصرف سواء التعويضات أو الحوالة الصفراء. يزيد: لم أتمكن من الزواج حتي الآن ولم أحصل علي وظيفة خاصة. أما جرجس جميل شفيق "23 سنة" كهربائي من بهبشين ناصر فيقول: حضرت لإمكانية صرف حوالة المرحوم والدي والذي كان يعمل بحي العامل بمحافظة الأعظمية بالعراق والذي سافر عام 1985 وتركني وأشقائي ووالدتي. وعقب عودته بعد الغزو قمنا ببيع قيراطين من نصف فدان نمتلكه للانفاق علي علاجه من مرض بالمخ حيث توفي عام 1997 بعد اصابته بالعجز والشلل. ونحن في حاجة لصرف الحوالة حتي أتزوج وشقيقي. قال عيد سعد عابدين "45 سنة" مشرف زراعي بجمعية طوه الزراعيه ببا أحمل حوالة باسم والدي الذي توفي عام 1995 ومطلوب مني عمل إعلام شرعي ولي شقيق متوفي و3 بنات ولكن شقيقي كان متزوجا والأمور معقدة. إجراءات وإعلام شرعي وغيره من الأوراق والمستندات ومطلوب إحضارها كلها. فماذا أفعل؟ الفيوم نبيل خلف: يقول محمد سيد أحمد نجار مسلح: بعد الغزو وعودتي إلي محل إقامتي بمركز ابشواي بالفيوم كانت معي حوالتان قيمتهما 150 ألف جنيه وهي تحويشة عمري في العراق. وظللت في الفيوم لا أجد عملا سوي يوم أو ثلاثة أيام في الشهر حتي طفلتي الصغيرة احتاجت إلي عملية ولم أستطع إجراءها لها لعدم وجود نقود معي بالرغم من وجود ورقتين بقيمة 150 ألف جنيه معها. يضيف إبراهيم ممدوح نقاش: عملت في العراق لأكثر من 4 سنوات وكنت أحتفظ بالورقة الصفراء دون أن أصرفها إلي أن تركت العراق أثناء حرب الخليج ورجعت إلي الفيوم وفوجئت بتوقف صرف الورقة الصفراء. وعشت سنوات مريرة حتي والدي المريض لم أتمكن من علاجه ولم أستطع الزواج لعدم وجود نقود معي. لكن والحمد لله سأقوم غداً بالصرف بعد أن جاءت التحويلات إلي البنوك المصرية. وسوف أكمل نصف ديني. يقول شوقي خليل سائق: كان يوم أسود يوم سافرت العراق وعملت هناك لأكثر من 5 سنوات في قيادة سيارة أجرة عند صاحب إحدي الشركات في العراق. وكنت أحتفظ دائماً بالأوراق الصفراء ولم أعلم انه سيأتي اليوم الذي يتوقف فيه صرف مثل هذه الأوراق. خاصة انني كنت قد رتبت حياتي ومستقبلي لشراء سيارة أجرة أعمل بها في الفيوم. ويضيف أحمد السيد عثمان كهربائي من مركز إطسا: تركت زوجتي وأولادي وعملت في العراق 4 سنوات متواصلة ذقت خلالها الأمرين وعدت إلي الفيوم بالأوراق الصفراء لكي أبدأ حياتي بتحويشة عمري. لكني صدمت أشد الصدمة بعد عودتي بعد أن علمت بوقف صرف هذه الأوراق وعشت ومازلت أعيش سنوات عجاف بسبب قلة العمل في الفيوم لكن الحمد لله ان تمت الموافقة علي صرف الورقة الصفراء أخيراً. المنوفية نشأت عبدالرازق: شهدت فروع بنوك الإسكندرية ومصر والأهلي المصري بالمنوفية لليوم الخامس علي التوالي زحاما شديدا وسط حالة من التخبط والارتباك بين أصحاب الحوالات الصفراء لعدم معرفتهم بمكان الصرف والأوراق المطلوبة. أكد السيد عبدالجواد أن النظام السابق تهاون في حقوقهم علي مدار أكثر من 20 عاما والفضل يرجع إلي ثورة 25 يناير التي أعادت إليهم مستحقاتنا. قال أسامة السيد فقدنا الأمل في صرف هذه الحوالات لدرجة ان بعضنا فقدها ولم يهتم بسبب مرور عشرات السنين ولم يتخذ قرار بشأنها وآخرين باعوها بأقل من نصف قيمتها عند عودتهم من العراق في أوائل التسعينيات. أضاف مسعد إبراهيم نعاني من الزحام وعدم النظام وصعوبة الاستعلام عن طرق وأماكن الصرف فضلا عن وجود المحسوبية والمجاملات من جانب موظفي البنوك لبعض أصحاب تلك الحوالات. مازالت الطواير الطويلة والازدحام الشديد أمام بنوك الأهلي والإسكندرية ومصر من أجل صرف الحوالة الصفراء حيث يضطر هؤلاء للحضور أمام البنوك منذ الصباح الباكر حتي يجدوا مكانا مناسبا وسط الطابور انتظارا لبدء الصرف ما هو معتاد كل يوم من الرابعة والنصف عصرا حتي السادسة مساء ويضطر الأغلبية منهم للعودة إلي منازلهم نظرا لاكتفاء البنك بأعداد معينة كل يوم والحضور في صباح اليوم التالي لاستكمال مسلسل المعاناة اليومية. عندما تطلب من مديري البنوك تخصيص شباك واحد فقط لأصحاب هذه الحوالات من الصباح حتي نهاية اليوم يخبرونك ان هذه تعليمات واردة إليهم من البنوك الرئيسية بالقاهرة فمصلحة البنك وشغله الرسمي الخاص بعملاته أهم عندهم ألف مرة من هذه الحوالات الصفراء والتي لا يستفيدون منها أي شيء. كتب نادر عمارة: وفي محافظة الدقهلية ودمياط واصلت بنوك إسكندرية ومصر والعربي الافريقي والأهلي صرف الحوالات الصفراء وسط زحام وإقبال شديد من جانب المستفيدين.