إذا لم تتغير السياسات فلا فائدة من تغيير الأشخاص .. هذا هو الدرس الذي يجب أن نستخلصه من التغييرات والتقلبات الكثيرة التي مرت بنا منذ ثورة 25يناير حتي الآن .. والتي تركتنا علي حالنا دون تغيير .. ما كنا نشكو منه منذ عشر سنوات .. بل منذ عشرات السنين .. هو نفس ما نشكو منه اليوم. والغريب أن كل الاطراف تشعر أنها مظلومة وغير مسئولة عن الوضع الذي انتهينا إليه .. المسئول يقول إنها أخطاء وأوضاع متراكمة .. والمواطن يقول من لا يقدر علي المسئولية وعلي تحمل كلفة التغيير الحقيقي فليترك موقعه لمن يقدر. والتغيير الذي نتطلع إليه بعد الثورة صعب جداً جداً .. لأنه يتطلب تغيير السياسات المستقرة الرتيبة .. وإذا كان الحديث المتكرر عن التغيير يرضي الساخطين الذين يفرحون بإسقاط هذا المسئول أو ذاك فإن التفكير الموضعي يجب أن يتجاوز هذه المناطحات الشخصية ويتجه مباشرة إلي مناقشة السياسات التي تستدعي التغيير .. وعندئذ يكون السؤال : كيف يكون التغيير ولماذا يحدث التغيير وليس من يجب أن يخرج في التغيير ومن يأتي. لماذا التغيير وكيف يكون؟! .. يعني علي أي أسس يتم .. وبأية رؤية يتحقق .. وفي أي اتجاه يسير .. وما هي الأهداف التي نريد أن نحققها من وراء التغيير .. وما هو الخلل الذي من أجله يحدث التغيير؟! واليوم .. لدينا حكومة جديدة تسمي حكومة الانقاذ الوطني .. ولديها صلاحيات هائلة لانجاز التغيير الكبير الذي طالبت به ثورة 25يناير وتم تأجيله أكثر من 11 شهراً .. كنا خلالها تائهين في دوامات الكلام والتصريحات ومعارك الوثائق والتحالفات .. ولم نتقدم خطوة واحدة جادة في طريق التغيير الحقيقي المطلوب علي الأرض لكي يشعر به الناس. صحيح أن بعض القرارات والمراسيم التي أصدرها المجلس العسكري وضعت أسسا جيدة للتغيير علي مستوي التنظير فيما يتعلق بمدة رئيس الجمهورية واطلاق حرية تشكيل الأحزاب واجراء انتخابات حرة نزيهة .. لكن حكومة الدكتور الجنزوري مطالبة بالتوجه إلي إحداث تغييرات جذرية في بعض السياسات مثل : * اختيار القيادات التنفيذية بخلفية بيروقراطية .. حيث أثبتت التجارب أن هذا الأسلوب أوجد لدينا مسئولين صاروا جزءاً من المشكلة وليس من الحل .. ومن ثم يجب أن نجرب اختيار القيادات علي خلفية سياسية توفر لهم رؤية شاملة للإصلاح والتغيير .. علي أمل أن يكونوا أقرب إلي نبض الجماهير فينحازوا إليها. * الإسراف في تدليل المستثمرين ورجال الاعمال بدعوي تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات .. وقد أدت هذه السياسة إلي تكوين طبقة رهيبة من أصحاب المصالح المتشابكة لا علاقة لهم بالهدف الذي من أجله قدم لهم النظام السابق امتيازات لا حصر لها .. وقد أدرك بعض هؤلاء المستثمرين خطورة هذا الاسراف في التدليل فأصبح يطالب بالضريبة التصاعدية وإلغاء الاعفاءات الجمركية والتنازل عن الامتيازات والابتعاد عن السياسة .. وبالتالي يجب وبسرعة إعادة النظر في الوسائل والاساليب التي ابتدعها نظام مبارك لصناعة المليونيرات والعودة إلي مفاهيم العدالة الاجتماعية وتقريب ولا أقول تذويب الفوارق بين الطبقات. * تحويل الخصخصة من وسيلة إلي هدف لبيع أصول الدولة والتخلص من عمال شركات قطاع الأعمال العام مما جعل كلمة "الخصخصة" سيئة السمعة ومرادفة للفساد .. والنهب .. والتغيير المطلوب هنا هو أن تعود الخصخصة إلي حجمها الطبيعي ودورها المعروف كوسيلة من ضمن وسائل عديدة لإصلاح الاقتصاد .. ولا تطبق إلا في حالة الضرورة القصوي. * التعامل مع الخدمات الأساسية للمواطنين علي أنها سلعة استثمارية يجب أن تغطي تكاليفها وتحقق مكاسب مضاعفة دون ضوابط .. وتحويل الجهاز الحكومي إلي تاجر يبيع الخدمة بأعلي سعر .. ومن هنا اشتعلت أسعار خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمياه والصرف الصحي والكهرباء والغاز والمواصلات والاتصالات مثلما ارتفعت أسعار الفواكه والخضراوات .. وأصبح الشعب لا يفرق بين الحكومة وبين التجار .. لذلك يجب أن يشعر المواطن بأنه يحصل علي حقه من الخدمات المكفولة له من الحكومة .. ويجب علي الحكومة أن تشعر بأنها تؤدي واجبها المستحق عليها للمواطن. * الاهتمام بالمؤسسات التي تدافع عن التجار وأصحاب الأعمال في مقابل اضعاف المؤسسات التي تدافع عن حقوق العاملين والطبقة الدنيا .. خصوصاً العمال والفلاحين والمهنيين والمنتجين. * ترك الأزمات بدون حسم لمدة طويلة بما يعطي انطباعاً للمواطنين بأن حكومتهم لا تهتم وأنهم بلا صاحب وعليهم أن يأخذوا حقوقهم بذراعهم .. وأقرب مثال لذلك أزمات رغيف الخبز واسطوانات البوتاجاز والتصريحات التي تراكمت في هذا الشأن بدون فاعلية. * تضارب السياسات وعدم وجود رؤية شاملة في إدارة الدولة كما لو كنا بالفعل نعمل في جزر منعزلة. * التساهل في حسم فساد المحليات وتفشي الرشوة والتقليل من هيبة الأجهزة الرقابية. لو استطاع الدكتور الجنزوري وحكومته تغيير هذه السياسات أو بعضها لقدموا لمصر انجازاً عظيماً يكافيء الثورة ويحقق أهدافها.