نَزَلتْ كلماتهم علي قلبي برداً وسلاماً ومنحتني طاقة روحية أعانتني علي الخروج وعلي حد وصفك من شرنقة الأحزان التي جثمت فوق صدري منذ أن فقدت الحبيبتين: أمي وزوجتي!! ولم أتمالك نفسي وسالت دموعي ازاء مشاعرهم الفياضة.. إنهم قراء نافذتك الذين أمدوني بكلماتهم ونصائحهم في كيفية الخروج من دائرة الحزن التي أحاطت بي منذ رحيل الأم والزوجة في أقل من ستة أشهر. .. وكم هزني نداء رفيق الدرب الكابتن رضا حجازي وهو يشد من أزري قائلاً "اثبت يا كابتن".. لقد فاجأني بتعليقه علي رسالتي الأولي إليك وأعترف أنه أكثر صلابة مني عند الشدائد والابتلاءات وأتذكره كيف كان مؤمناً ومحتسباً حينما فقد ولده الغالي "حسن" ابن السابعة؟! وفي الحقيقة ما دفعني للكتابة إليك مرة أخري ليس فقط لتسجيل امتناني بتلك المشاعر النبيلة التي أحاطني بها القراء وإنما للاجابة علي السؤال الذي ظل يطرحه عليّ كل من يقابلني سواء في العمل أو النادي منذ أن طالعوا حكايتي في نافذتكم الكريمة. سألوني عن سر الوفاق العجيب الذي ربط بين عائلتي وعائلة زوجتي الراحلة؟ هذا الوفاق الذي يجعل أمي تمرض لمرض زوجتي.. ويجعلني أقطع إجازتي لأكون بجوار "حماي" في مرضه الأخير! وأقول لهؤلاء إن ما أشرته في رسالتي الأولي إليك كان قليلاً من كثير وأن هناك ماهو أنبل وأعظم فأتذكر أن بعد عقد قراني مرض أبي مرضاً شديداً ففوجئت بحماتي وكانت مربية فاضلة "ناظرة مدرسة" تأتي وتعرض عليّ مصاغها لأواجه نفقات علاج أبي.. فلم أجد سوي تقبيل يدها مثلما كانت زوجتي تقبل يد أمي. وأتذكر أيضاً عندما طلب عمي أقصد والد زوجتي كتابة القائمة قمت بالتوقيع له علي بياض.. ومن جانبه لم يكتب فيها إلا ما اشتريناه بالفعل دون زيادة أو نقصان حتي الهدايا التي كنت أذهب أثناء فترة خطوبتي كانت حماتي تنصحني بألا أضيع فلوسي عليها قائلة: بيتك الجديد أولي به!! وبعد الزواج رأيت كيف تكون المرأة سيدة بيت بحق فأم أولادي لم أكن أسمع لها صوتاً.. ولم أجدها يوماً تتأفف من زيارة الأهل والأقارب ولا تضج من رعاية أم زوجها في مرضها. حتي.. حتي راتبها من وظيفتها الحكومية كانت تُصر علي انفاقه كاملاً في البيت وحين ألفت بأن هذا من مسئولياتي يأتي ردها "المركب واحد"!! ولا أنسي كيف كانت تعينني علي تحمل طباع الآخرين وإن صادفتنا مقابلة فاترة من أحد الأهل أو الأقارب لا تعلق كثيراً وتلتمس له العذر قائلة: الله أعلم بظروف الناس!!. كذلك لا أنسي دفعها لي وللأولاد علي المواظبة في مواعيد الصلاة خاصة صلاة الفجر وحرصها الدائم علي ألا تغضبني في شيء! ولا أتذكر أن غضبت منها يوماً وهي بنت البيت الطيب والنسب المشرف.. الذي أدعو كل شاب مقبل علي الزواج أن يبحث عنه جيداً حتي يحظي بنعيم الدنيا باختياره الزوجة الصالحة مثلما حباني الله بها وأسأله سبحانه أن يجمعني بها في جنة الآخرة.. اللهم استجب. الكابتن: محمد عبدالكريم إمام المرج المحررة: سألوك عن سر المحبة والوفاق!! وأسهبت في الرد والاجابة وكيف لا تسهب والحديث يأخذك للحبيبتين الأم والزوجة اللتين يعوًّل عليهما دائماً استقرار البيوت ودفئها. وفي حالتك تأصل الود بينهما فصارت الحماة أماً.. وزوجة الابن "ابنة" ساعد في ذلك أن العائلتين من العائلات المحترمة المشهود لها بالأخلاق ومعرفة الأصول والواجبات. ولأنك أصيل يا كابتن "إمام" لم تنس أن تؤدي واجب الشكر لكل من وقف بجانبك في محنتك ومنهم قراء النافذة "وتستمر الحياة" كما لم تبخل بالكشف عن سر الوفاق الذي جمع بين عائلتك وعائلة زوجتك رحمها الله في زمن تسوده الماديات وتغلبه روح الجشع والطمع. وفي الحقيقة إن ما أسعدني في رسالتك هذه المرة وربما يشاركني القراء في ذلك أنك لم تستغرق كثيراً في اجترار الأحزان وسعيت نحو تسليط الضوء علي كل الجوانب المضيئة التي ملأت حياتك لعل غيرك يهتدي بها فقدمت لبنات اليوم نموذج الزوجة المثالية مثلما وجدته في زوجتك الراحلة.. وأسديت النصح للشباب المقبل علي الزواج كيف يكون الاختيار. لكنك ودون قصد منك أبهرتنا بوفائك العظيم فلم تنكر فضل "أم أولادك" عليك حتي بعد مماتها.. جزاك الله عنها خير الجزاء.