السياسة كانت تلعب أمس أيضا في المونديال، وان كانت قد اتسمت بالطرافة والنكتة في التشجيع الذي حصل عليه منتخب تشيكيا في مباراته مع منتخب الولاياتالمتحدةالأمريكية، ثم في رسائل المحمول ومنتديات الانترنت التي اتسمت بالفرحة والشماتة في الوقت نفسه بالهزيمة الأمريكية التي حدثت على ايدي دولة شيوعية سابقة كانت متحدة مع سلوفاكيا فيما كان يعرف في زمن الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي باسم تشيكوسلوفاكيا، وهي الدولة التي أمدت مصر في الخمسينيات بالسلاح في عهد عبدالناصر عندما أوقفت أمريكا والغرب اي صفقات أسلحة لمصر لتركيع النظام الناصري! رسائل المحمول كانت تحمل خبرا عاجلا يقول إن بوش سيدعو مجلس الأمن لاجتماع عاجل بعد القصف التشيكي والصواريخ الثلاثة التي هزت أمريكا، وانه سيطالب بتحالف دولي للحرب على الارهاب في تشيكيا والبحث عن علاقة (القاعدة) واسامة بن لادن بهذا الهجوم الارهابي الكروي! بقايا اليساريين كانوا أيضا شامتين جدا وسعداء لأن أمريكا التي اصبحت القوة العظمى الوحيدة بعد انتهاء الحرب الباردة باختفاء الاتحاد السوفياتي وتفكك الدول الشيوعية، لم تستطع أن تفوز في حوار حضاري كروي، وكانت عاجزة عن محاورة تشيكيا باللغة الانسانية الوحيدة التي يتكلمها كل العالم وهي كرة القدم! المشجعون العرب والمسلمون السعداء بفوز تشيكيا بثلاثة أهداف نظيفة، لا يعرفون الكثير عن تشيكيا ولا يهمهم هذا المنتخب في حد ذاته، لكن سر فرحتهم أن المهزوم هو المنتخب الأمريكي، وأن الدولة التي اذاقتهم وتذيقهم المر في البر والبحر والجو، وتفرض هيمنتها على العالم، انكسرت انكسارا مريرا! الانكسار حدث بالطبع في مباراة كرة، لكن العطشى للانتصار على أمريكا جعلوا منها موالا معزوفا بموسيقى النصر وأهازيج الفاتحين! والعجيب أن السعداء لم يكونوا العرب فقط ولا المسلمين في أنحاء العالم، بل أيضا سكان دول أطلق عليها المحافطون الجدد في ادارة البيت الأبيض "أوربا الجديدة" وهي الدول التي كانت تدور سابقا في فلك الاتحاد السوفياتي وعضوية حلف وارسو! الأمريكيون أيضا لعبوا الكرة في ميدان السياسة، فقد أرادوا أن يثبتوا أن ميليشيات المحاكم الاسلامية التي سيطرت على مقديشو عاصمة الصومال، هي صورة أخرى لطالبان، وانها تؤوي مقاتلين من تنظيم القاعدة، فطيروا خبرا يقول إنها منعت سكان مقديشو من مشاهدة مباريات كأس العالم، واغلقت ميليشياتها دور السينما والمقاهي التي تعرض هذه المباريات! نشرت كثير من الصحف الأمريكية والعربية ومنها جريدة "الشرق الأوسط" هذا الخبر، ومعه ما يشير الى غضب سكان عاصمة الصومال من ميليشيا اسلامية جاءت بغرض حفظ الأمن والاستقرار، فبدأت أول افعالها بمنع مشاهدة المباريات في التليفزيون! خبر مثل هذا يعيد الى الاذهان ما فعلته طالبان عندما منعت التليفزيون تماما، ويدعم ما قاله بوش بأن ميليشيات المحاكم الاسلامية، طالبان جديدة في القرن الأفريقي! تحدثت هاتفيا مع زعيم هذه المليشيات الشيخ شريف شيخ أحمد رئيس اتحاد المحاكم الاسلامية في الصومال، وهو شاب في الثانية والاربعين من عمره، عالم شرعي تعلم في السودان وليبيا ويحمل شهادة جامعية في الشريعة والقانون، وينتمي لأسرة صوفية أدخلت الطريقة الادريسية الى الصومال! سألته عن حقيقة ذلك فاجابني بلغة عربية سليمة وجميلة: ولماذا كل ذلك. أنت تحدثني الآن والناس تشاهد المونديال بحرية كاملة، لا دخل لنا ولم نغلق دورا للسينما أو مقاهي تعرض المباريات! لم يكن شريف شيخ أحمد عرف ما نشرته الصحف واستغرب بشدة. قال لي مستغربا: نحن وسطيون اسلاميون ولسنا متطرفين فكيف نمنع الناس من مشاهدة كأس العالم.. ما علاقة العداء الأمريكي لنا بمباريات المونديال؟! قلت له مازحا أيضا: إنها السياسة.. الوجه الآخر لكرة القدم! [email protected]