الجوع والغضب , لقمة العيش الغائبة و الكرامة المهدرة , هذا هو ما دفع الشاب محمد بوعزيزى الى اشعال النار فى جسده ,الى أن تهون عليه حياته بعد أن فقد لقمة عيشه ومصدر رزقه البسيط وفقد معها كرامته بعد أن صفعته موظفة البلدية فى تونس على وجهه حين ذهب محاولا استرجاع عربة الخضروات التى كانت مصدر رزقه الوحيد بعد أن فقد الامل فى الحصول على وظيفة رغم انه خريج جامعة ,دفعه الغضب على كرامته المهدرة ولقمة عيشه التى انتزعت منه الى أن يشعل النار فى نفسه فكان غضبه وانتحاره الشرارة التى دفعت الملايين من أبناء الشعب التونسى الذين يعانون نفس الظروف الى الثورة على من ظلمه وظلمهم و من خضعوا لقهره سنوات فظن انه امتلكهم بالجوع والفقر والقهر واهدار الكرامة. كان زين العابدين بن على كغيره من الحكام يستبعد أن يتحرك شعبه ويغضب ويثور ضده , يظن أنه قادر على أن يحبس هذا الغضب داخل أسوار القهر, تلك هى جريمة كل حاكم يأمن غضب شعبه حتى وان استكان هذا الشعب وتحمل القهر والظلم لسنوات طويلة , وفى لحظة قد يستهين بها الحاكم تنطلق شرارة الغضب من الصدور فيدمرعروشا ويطيح بحكام وملوك مهما كانت قوتهم وحصونهم وأمنهم .الجوع والغضب حين لا يجد الناس أبسط حقوقهم وحين تهان وتنتهك انسانيتهم وكرامتهم حتى وان مرت سنوات طويلة يظن فيها الحاكم وحاشيته ان الناس اعتادوا الجوع وانتهاك الكرامة وليس بوسع أى منهم أن يرفع صوته أو يعلن التمرد على الظلم , لكن كل هذا لا ينمحى أبدا من ذاكرة الشعوب , تظل نيرانه مشتعلة فى النفوس تحت الرماد حتى ينفجر بركان الغضب فيستدعى كل مواطن ما مر به من ظلم وقهر ويتحول الغضب الى نيران تحرق الظالمين . يصبح من السذاجة ألا يشعر أى حاكم أو مسئول بالقلق رغم ما يعانيه شعبه من حرمان وظلم وأن يستبعد أن يتكرر فى بلده ما حدث فى تونس.لذلك أثارت تصريحات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط حول أحداث تونس واحتمال تكرارها فى مصر الدهشة والتعجب حيث وصف المخاوف من تأثر دول عربية بالأوضاع في تونس بأنها "كلام فارغ"وأن لكل مجتمع ظروفه قائلا " أما هؤلاء الذين يتصورون أوهاما ويضعون الكثير من الزيت فوق لا شيء فان الزيت سيلوث ملابسهم ولن يحققوا أهدافهم وأن الضرر سيلحق بهم أنفسهم " ورغم أن وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد أكد فى تصريح له أن أحداث تونس تعزز التوجه للعمل الاقتصادي المشترك لمحاربة الفقر والبطالة في الدول العربية، لأن جزء من أسباب الأحداث هو العنصر الاقتصادي الا أنه أكد أن ما حدث فى تونس لا يمكن أن يحدث في مصر !! ويبدو أن ما يصرح به السادة المسئولون هو ما ينقلونه فى تقاريرهم الى السيد الرئيس ,ورغم أن معظم الحكومات العربية أدركت الدرس وأيقنت أنها لابد أن تقلق وأن ترفع الأعباء عن شعوبها حتى ان الكويت رغم ارتفاع مستوى الدخل بها قررت صرف منحة مالية للمواطنين، بقيمة إجمالية تبلغ 4 مليارات دولار، وتقديم المواد الغذائية بالمجان لحاملى البطاقة التموينية من بداية فبراير المقبل , كما تعهد ملك السعودية بزيادة ميزانية المملكة أكثر وأكثر لتحقيق الازدهار للسعوديين، على الرغم من أن متوسط دخل الفرد فى الكويت 45920 دولار سنويا ومستوى دخل الفرد فى السعودية 19345 دولار سنويا فى حين أن متوسط دخل الفرد فى مصر2748 دولار سنويا ,ورغم هذا لا يشعر وزراء حكومتنا بالقلق ولا يتعلمون الدرس ويضعون فى بطونهم شوادر بطيخ صيفى ولا يخشون غضب الشعب المصرى , يرفعون تقاريرهم الهادئة الخالية من كل دواعى القلق وينامون فى سلام ولا يدرون أن الجوع والغضب قد ينفجر بين ليلة وضحاها فى وجه من يغتصبون أقوات الشعوب ويهدرون كرامتهم . فحذار أيها الغافلون من جوع الشعوب وغضبها ,فحالها تماما كما وصفها الشاعر المبدع محمود درويش فى قصيدته "سجل انا عربى" والتى حملت لافتات المظاهرات التى قام بها الشعب التونسى وبعده شعوب أخرى بعض أبياتها فى وجه حكامهم محذرين من خطر الجوع والغضب لذلك نسوق بعض ما جاء فيها فهل يلتفت الغافلون للتحذير ؟! سجل أنا عربي أنا اسم بلا لقبِ صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها يعيشُ بفورةِ الغضبِ أبي.. من أسرةِ المحراثِ لا من سادةٍ نجبِ وجدّي كانَ فلاحاً بلا حسبٍ.. ولا نسبِ! يعلّمني شموخَ النفس قبلَ قراءةِ الكتبِ وعنواني: أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ شوارعُها بلا أسماء وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ فهل تغضبْ؟ سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى أنا لا أكرهُ الناسَ ولا أسطو على أحدٍ ولكنّي.. إذا ما جعتُ آكلُ لحمَ مغتصبي حذارِ.. حذارِ.. من جوعي ومن غضبي [email protected]