بعد عامين من الثورة المصرية المجيدة ركن فيها ثوارها الى مغانم إغتنموها وسكنت نخبتها بيوت الفضائيات لامعة الوميض لعلها تبيض وجوههم، وخلد الجسد الثورى – عموم المصريين – الى راحة وإستراحة طال أمدها فطال أنين الميدان الذى أرتمى فى أحضانه مرتزقة كانوا بالأمس القريب يقذفونه بالرصاص والحجارة والمولوتوف من فوق الكبارى ومن أعلى العمارات أملاً فى وأد الثورة فى ميدانها بعد إقتحام فاشل – موقعة الجمل– أورث الثوار بغال وحمير كان يمتطيها بغال وحمير. بعد العامين، نجحت الثورة المضادة التى قامت على أنقاض النظام البائد من صفوفه التالية وأجهزته وأركانه ومؤسساته فى إعادة الروح الشريرة الى الجسد المتعفن طمعاً فى عودة إمبراطورية الظلم والفساد والإفساد. أيقنت الثورة المضادة بشياطينها ممن تزعموا منصاتها أنها لن تستطيع الوقوف فى وجه الثورة المصرية بتحدى صارخ صريح، فعمدت على التحايل بعدة ألاعيب شيطانية بخلق حالة من الفوضى والتسيب والإنفلات الأمنى والتى بدأت أولى خطواتها عشية جمعة الغضب بإنسحاب كامل من الشرطة من شوارع وميادين مصر، وإطلاق المساجين، ثم إستعانت بجيش من البلطجية تربى فى أحضان وبرعاية وكفالة الداخلية، حيث ظلت صاحبة الحق فى براءة الإختراع والمالكة لكتالوج تشغيله من إعداد وتمويل وإنفاق وإتفاق ومخابئ وجحوراً لدحر الثورة المجيدة. صنعت الثورة المضادة إسترتيجيتها على إفتعال الأزمات والمواقف التى ما ان تبدأ حتى تتحول الى كوارث دموية مقيتة مستغلة فى ذلك أموالنا المنهوبة وغباء سياسى مستحكم متحكم فى أطراف المعادلة السياسية والتى ساهمت بأخطائها فى نجاح مخططاتها. أرتدت الثورة المضادة قناع الثورة المصرية، فعمدت على قلب الموازين بتغيير المفاهيم التى ترسخت بمبادئ وقيم وأسس قامت عليها الثورة المصرية وآمن بها ثوارها من شيوخ وشباب ونساء وأطفال. إنقلب الحال رأساً على عقب، بعد تعمد على تشويه وجه الثورة، فصارت البلطجة عمل ثورى يشار اليه وله بالبنان، وتهلل له وتعظمه فضائيات الفلول التى من أجل ذلك أنشات، فتحول ميدان التحرير من مركز إشعاع للحرية والعمل الثورى والتعبير عن الرأى والتظاهر السلمى الذى أبهر العالم كله فجائته الوفود سريعاً من كل حدب وصوب لزيارة ذلك المعلًم والمُعلم لصانعى الحضارة والمستقبل والتاريخ، الى ميدان آخر غير الذى كان، فلقد أصبح شبهة بخاف المرء المرور به لفجاجة وفضاعة ما يدور بداخله حتى أصبح المار بجواره لا يأمن بوائقه، فضلاً عن ما قد يتعرض له إن أقدم على زيارته أو المشاركة فيه أو الإقامة به، بعدما أمتلأت جوانبه بأرباب السوابق والبلطجية ومدمنى المخدرات وأشكال الدعارة وحوادث الإغتصاب للحرائر الثائرات لكسر شوكتهن وطعناً فى شرف الثورة وتشويهاً مبتذلاً لوجهها الأبيض وتلطيخاً لثوبها النقى. استطاعت المضادة أن تحول الحرية الى بجاحة، والتظاهر السلمى الى عملية قرصنة والسلمية الى إطلاق نار وقتل وحرق وتدمير، والإعتصام الى إيقاف مؤسسات الدولة لإحداث سقوطاً لها، صار المولوتوف هو الشعار المرفوع على الرؤوس، والإقتحام هو النهج والمنهج المتبع، والإعتداء على الأخر شرف يزين جبين فاعليه، بعد تشجيع لكثير من رموز الثورة المضادة. أصبحت الدعوة للإضرابات والإضطرابات وحرق المؤسسات وسلبها ونهبها هو عمل بطولى يصور منفذيه على أنه عملية إنقاذ للوطن، وأنها الثورة الجديدة التى تستطيع بمن أرادت. عادت الى الأذهان عبارات الأجندة والتمويل والعمالة تهمة تلصق بالثوار والمناضلين وأصحاب المجد من التاريخ السياسى الطويل، فإن كان ذلك شئ مبرراً قبل تنحى المخلوع فإن ذلك يعد جرماً بعد تولى واحد من الثورة رأس الدولة. الحرق والتدمير والتخريب وهدم المنشآت وإهدار المال العام والسطو على الأفراد والمؤسسات صار هو العمل السائد، وفى ظل حالة التسيب والإنفلات الأمنى لدى المؤسسة المنوط بها حفظ الأمن والأمان والتى يقيناً تشارك فى إنجاح الثورة المضادة إما بتقاعسها أو تراخيها أو إضرابها عن تأدية وظيفتها إضافة عن عدم ملاحقتها لمحترفى الإجرام وهم من يملكون خرائط توزيعهم. أستمر المهرجون المهللون المتلونون من سدنة النظام البائد وخدامه والمنتشرين والمسيطرين على الفضائيات بالتصفيق والتهليل لهؤلاء المخربين على أنه إستمراراً للثورة المصرية وإمتداداً للمد الثورى، منددين بكل من يحاول أن يقف لهم أو يوقف أعمالهم التخريبية تحت غطاء حقوق الإنسان .. نعم الإنسان وليس المجرم أو المخرب، وإمعاناً فى وأد الثورة إنتشرت دعوات العصيان المدنى وإبرام توكيلات لدعوة الجيش للعودة الى منصة الحكم ليعيدوا لنا أمس الذى تخلصنا منه نكاية فى تيار من تيارات الثورة. عمد النظام البائد عن طريق إلباس الثورة المضادة قناعاً ثورياً مزيفاً الى تغيير وجه الثورة والثوار فى محاولة لخلق حالة من النفور لدى الناس وإحداث حالة من الزهق الثورى حتى يترحم الجميع على أيام المخلوع، فيزداد ذلك الشعور فيهبط علينا أحدهم بباراشوت فلولى ليصفق له الجميع وهو يتولى الحكم. صار التغنى والتمنى والتأسى على الزمن القبيح بماضيه الأسود ذو السنين العجاف ورداً لابد من المداومة عليه صباح مساء على أفواه وألسنة رواد المضادة فى بيوتها التى أنشأت من أجل ذلك. لا نعفى الثوار وشركاء الثورة وقادتها ورئيسها وحكومتها من المشاركة فى إنجاح تلك المخططات بأخاطئها وإن لم تكن متعمدة أو مقصودة إلاً أن عجلت بنتائج لم تكن للمضادة أن تحلم بها أو أن تصل اليها لولا النيران الصديقة التى أصابت الثورة فى قلبها. لابد من ثورة تصحيح تصحح فيها كل الأخطاء، ويستدل الستار على المهاترات، وتتضح معالم على الطريق لإنقاذ المواطن البسيط الذى ووحده يملك الحالة الثورية الحقيقية التى يغير بها من يقذف باليأس منه واليه، وأن يضرب بيد من حديد كل المخربين فقد أوشكت حالة التسيب والإنفلات الأمنى على الإيقاع بالدولة ومن قبلها الثورة المجيدة، فأولى وأهم خطوات بناء الدولة الجديدة هو توفير الأمن والأمان. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]