دعوة نقلها لي صديق عبر الفيس بوك, أطلقتها مجموعة للتواصل الاجتماعي تدعو الي الاحتفال بذكري ثورة25 يناير الثالثة في2014 في البيوت, بعدما اهترأت الميادين بالانقسام والانفلات وقطع الطرق والحرائق والشجار الدامي منذ حلول الذكري الثانية للثورة المجيدة في يناير الماضي. وأول ماتبادر الي الذهن سؤال: هل سمحت تداعيات الذكري الثانية للثورة بالتفكير في أن تبقي ثمة رغبة من الآن في تأمل الذكري القادمة أو الاحتفال بها واستلهام روحها ودروسها كما تفعل الأمم مع معالم أحداثها, وكنا ومازلنا نفعل مع ذكري ثورة يوليو؟ وسؤال آخر مشروع بلا جدال, عما بقي من ثورة25 يناير, تبرره مشاهد الغل والكراهية التي نضحت في أقبح صورها بين شباب كان منذ عامين فقط نموذجا في البنيان المرصوص الذي تزين به وجه مصر في ميادين التحرير. لا أستسيغ حديث المؤامرات عن الانقضاض علي الثورة, ومحاولات قتلها, ومحوها من ذاكرة الوطن, وان كان له مايبرره من نقيضي الصراع السياسي القائم: سواء فيما يتعلق بأجندات الحليف الأمريكي راعي السلام مع اسرائيل وصاحب المعونتين العسكرية والاقتصادية, ومباركاته لخط الحكم الحالي, الذي حافظ علي الخط السياسي والاقتصادي المرسوم لمصر, واختطف من شعبها ثورته للوثوب الي الحكم بعد حلم دام عقودا, وهذه نظرية المؤامرة عند من يرون لماذا ذهب الحكم بعد مبارك للإخوان المسلمين تحديدا, أو فيما يتعلق من الجانب الآخر بمؤامرات الفلول بكل مكوناتهم من أركان مؤسسات النظام السابق لاسيما الأمنية منها, و رجال المال والأعمال ممن تضرروا من الثورة ثم بالأكثر من ثمرتها التي آلت الي الإخوان المسلمين, ويدفعون الغالي والرخيص لإجهاض المشروع كله مسلحين بأدوات البلطجة وآلة الإعلام الفضائي الخاص, ووقود من معارضة تخلت عن سلميتها بسبب ماتراه من حيل الأخوان وألاعيبهم لإحكام السيطرة علي مفاصل الدولة ومؤسساتها, وتلك نظرية المؤامرة عند الإخوان المسلمين ومن يؤيدونهم. أقول إن حديث المؤامرات طويل ولاينتهي في زخم الأحداث وزحمتها واللهاث وراء معرفة أسباب ماجري ويجري, ولكن كما علمنا أساتذتنا أنه لا سلطان لمؤامرات ولا نجاح لها مالم يكن الخلل والتقصير موجودا بالداخل, عائشا مع الأدوات والقدرة علي الفعل والتنفيذ, وقد كنت ومازلت أتساءل حتي اللحظة: مالذي منع اعلان25 يناير2013 مناسبة قومية رسمية وشعبية, تقام لأجلها الاحتفالات, وتتزين الميادين, ويحتشد المصريون, معارضة وموالاة في احتفالات سلمية تستلهم روح الحدث المجيد ودروسه, ولامانع من دراسة الأوضاع السياسية ومناقشة مواطن الاحتقان السياسي. وهل ثمة حل لإشكالية تزامن الذكري مع ما كان موروثا من احتفالات عيد الشرطة, أعلن الوزير محمد ابراهيم أنه يريد المناسبة القادمة احتفال توأمة بين عيد الشرطة وذكري الثورة! هل هذا ممكن؟ وأبدأ بالرئيس مرسي ومؤسسة الرئاسة التي لم تشر عليه بأن يدعو الي جعل اليوم مناسبة قومية كبري, يوجه فيه خطابا جامعا, للتذكير بفضل الالتحام الوطني في ثورة يناير علي وصوله الي سدة الحكم كأول رئيس مدني منتخب, خاصة أنها كانت الذكري الأولي للثورة التي تحل وهو رئيس للجمهورية, والبلاد في حالة من الانقسام الحاد منذ أزمة الإعلان الدستوري في نوفمبر وماتلاها من تداعيات, لم يفعل الرئيس شيئا من ذلك, وترك للإخوان المسلمين أن يحتفلوا علي طريقتهم الخاصة بالدعوة الي جعل المناسبة يوما لتقديم خدمات اجتماعية علي سبيل الدعوة الي العمل والانتاج. واكتفت التيارات الإسلامية الأخري بالقول انها لن تنزل الشارع مع خصومها من التيارات الليبرالية واليسارية والثورية حقنا للدماء. وكان حريا بها أن تجعلها مناسبة للدعوة بالتي هي أحسن الي رأب الصدع في الوطن والمبادرة الي المصالحة الشاملة كمنطلق لأي حوار سياسي. الموقف الثاني كان لجبهة الانقاذ تحديدا, ولا أحسبها تمثل كل الثورة وتياراتها, لكنها كانت تحمل لواء المعارضة الأقوي والأكثر تشددا...فدعا أحد قادتها الي جعل اليوم مناسبة للخروج الي الشارع للمطالبة باسقاط الدستور, وآخر قال لنجعلها ثورة ثانية لإسقاط حكم الإخوان. فغاب مرة أخري معني إحياء الحدث الفذ علي مستوي التاريخ المصري بشهادة العالم وتم بدلا من ذلك تكريس معاني الخصومة الي درجة الكراهية. ثم كان الموقف الثالث الذي ظهر فيه سياسيون من النظام البائد وشخصيات اتهمت صراحة في موقعة الجمل الشهيرة, لتعلن انضمامها الي ركب أحياء الذكري الثانية للثورة في ميدان التحرير وزايدت بفجاجة علي معاني القصاص لدماء الشهداء والمصابين في الثورة مستخدمين وسائل صوتية زاعقة مثل( دي جي) لم يستخدمه حتي الثوار في أوج الاحتجاجات علي نظام مبارك. وبدأ نصب خيام المعتصمين الذين اختلط فيهم مع الثوار أشكال وألوان لا يستطيع أحد أن يفسر معها حتي الآن, لماذا الأسلاك الشائكة وضرب طوق تعطيل الميدان والمجمع وممارسات الهجوم علي الشرطة وفندق سميراميس واشعال الحرائق في أبنية عامة وحرق المجمع العلمي ثانية وثالثة.... في ممارسات مريبة أبعد ماتكون عن أساليب الملايين الذين أحتشدوا في التحرير عام2011 وحولوا خلف شباب الثورة الميدان الي ملحمة من السلمية والتراحم والتلاحم والانضباط في حدث فريد. هذه دعوة أرجو أن تصل للتفكير في يناير2014 من الآن, لعل الرئيس والمعارضة ونشطاء النظام السابق والشرطة يرون فيها مناسبة لإصلاح ما أفسد الذكري الثانية فقط لثورة تبدو بعيدة مستبعدة كثيرا, وكادت تغيب وتتبدد معها أحلام الوطن وآماله! لمزيد من مقالات خليل على فهمى