‘‘ يومياً ذهاباً وإياباً أمر مُستظلاً بجدار هذا المبنى العريق المُشرف على بداية شارع قصر العيني ، لم أكن أعرف أنه المجمع العلمي المصري بكل ما يضمه من كنوز نادرة .. لم يكن ينتمي إلىَّ ، وفى المقابل أنا لا انتمى إليه ‘‘!!.. لست عدائياً تجاهه رغم ما بيننا من اغتراب وجهل حتى أشعل فيه النيران ، ولست سلبياً حتى أقول دعوه ( يولع بجاز )!! ولكنني ربما أكون أكثر عدوانية إذا ما كان مصدراً لقتلى .. في كل الأحوال أظل أحد الرافضين للعب أي دور حتى لو كان دور البطولة في فيلم أنتجه ويروجه إعلام الثورة المضادة عن حرق هذا المبنى أو تخريب سواه في أحداث موقعة مجلس الوزراء .. فيلم الإعلام المضاد وأقصد به ‘‘تجميعة‘‘ المقاطع المصورة والمرفق مع بيان المجلس العسكري رقم 90 بخصوص موقعة فض اعتصام مجلس الوزراء ، والذي من المُفترض أنه سيبرر للعالم كله ما ارتكبته قوات الجيش بتشكيلاتها المتعددة من (أشياء) لن أُسميها خشية انفلات الألفاظ أو الكلمات الخارجة .. الفيلم المُعجزة أفردت له جريدة ‘‘الشروق‘‘ الموقرة !!، وكثير من وسائل الإعلام ، ووسائط الدعاية الإعلامية الأخرى التي أعف عن ذكر أسمائها .. الفيلم أو المقطع المصور ورغم كل وضوحه ودقة تفاصيل وجوه المخربين المُفترضين في الحقيقة والواقع لا قيمة له تُذكر ، ولا يعنى شيئاً على الإطلاق ، ومثله الكثير إن أراد المجلس نفسه الحصول عليها حتى يبرَّ ويفي بوعده للجماهير في المقدمة الصامتة للفيلم بأنه سيتم نشر المزيد منها تباعاً لإيضاح الحقيقة أمام الرأي العام!! عشرات ومئات المقاطع الشبيهة تتوافر بعدسات عشرات كاميرات المراسلين والصحفيين الأكثر تقدماً واحترافاً والتي ظهرت تقوم بعملها بكل سلاسة ونعومة في المقطع الانفرادي الخاص بالمجلس نفسه لحظة اقتناصه لوقائع تخريب وحرق وتدمير المنشآت العامة .. مئات المقاطع والصور لمجموعات الغاضبين الذين يتم استفزازهم ، بقنصهم من داخل المبنى كما في حالتنا تلك، أو المخربين الجاهزين الذين يتم تسييرهم وتوجيههم وتحديد توقيتات هجومهم وتدخلهم بمعرفة عناصر سرية إما للتخريب ، وإما لخطف الثوار أو تتبعهم ورصدهم وتصويرهم تمهيداً لمطاردتهم ، وإما لإحداث الوقيعة والانشقاق بينهم ،، وهذا أضعف الإيمان .. حقيقة أولية وبديهية يعرفها كل مَنْ في الميدان ، ويرتاب فيها ويشتم رائحتها عن بُعد حتى زائر المرة الواحدة .. إن التدقيق في السير الذاتية لشهداء موقعة مجلس الوزراء ، وفى طريقة اغتيالهم وقنصهم واستهدافهم ، ثم التدقيق في السير الذاتية للمعتقلين والمختطفين والمغيبين وهم بالعشرات ثم هؤلاء الذين تم تأديبهم تعذيباً لساعات داخل مباني مجلس الوزراء والبرلمان قبل إطلاق سراحهم شابات وشباب ، وشيبة ربما يكشف عن مدى تطور قدرات تلك العناصر السرية وفرق التتبع والرصد عالية التدريب والمهارة .. لن تكون وقائع ضبط العشرات من عناصر الأمن السرية من قبل المعتصمين والثوَّار دليلاً عندي على تبعيتهم للتحريات العسكرية أو لأمن الدولة حتى لو تم ضبط هوياتهم الرسمية الدالة على طبيعة أعمالهم ، وحتى لو كان شهود هذه الوقائع مرشحو رئاسة جمهورية أو شخصيات اعتبارية موثوق فيها ، ولكن الدليل في الإجابة عن السؤال أصلاً حول طبيعة مهام تلك الأجهزة إن لم تكن التتبع والرصد والقدرة على الحشد والتوجيه نحو فعل ما ، إما إيجاباً أو سلباً في ظروف كهذه .. هذا فضلاً عن الاستعانة بكل خبرات وإمكانيات جهاز أمن الدولة في اختراق ليس صفوف المتظاهرين والمحتجين وقيادة الغاضبين نحو أي فعل تخريبي فحسب ، بل قدرته على تتبع الثوَّار والنشطاء كما أثبت كفاءته وأظهر آخر ‘‘كراماته‘‘ منذ أيام في اختراق حسابات البريد الإليكتروني الشخصية لعدد منهم في قضية ( سى دى التمويل ) الأخيرة التي انفردت بها جريدة ‘‘المصري اليوم‘‘ الموقرة أيضاً !!، وتبعها طابور من وسائل ووسائط الدعاية الإعلامية بالضرورة .. موضوعنا مازال عن الإعلام شهداء ومعتقلو موقعة مجلس الوزراء لم يسقطوا جميعاً عشوائياً ، بل هُم مرصودون ومحددون ومعروفون بالاسم والصفة ، أو على الأقل بالاشتباه ، وبنسبة تحقق عالية جداً ترتفع يوماً بعد يوم ، وموقعة بعد موقعة . لماذا لم تضم قوائم الشهداء والمعتقلين في أغلبها أسماءً ووجوهاً مثل تلك التي ظهرت في فيلم المجلس العسكري رغم كل وضوحها وتلبسها واكتمال أركان جريمتها المُفترضة ، ورغم دقة التصوير ، بينما ضمَّت ، وغيَّبت عنَّا وجوهاً لآخرين على معرفة تامة بالمجمع العلمي وكنوزه ؟! ربما كانوا الآن متشبثين بأسواره الحديدية في دروع بشرية للدفاع والصدّْ عنه حتى تحت وقع قنص جنود العسكري من داخل نوافذه .. وجوه شباب ورجال دين إما طُمست معالمها الإنسانية بفعل التعذيب الوحشي ، أو شاء الله أن تبقى على حالها من الوضاءة والطهر والنقاء لتطاردنا وتقض مضاجعنا كالذنوب والخطايا إن نحن أهدرنا أو غدرنا بثورة آمنوا بها وضحوا من أجلها ؟ ببساطة ، قوات الجيش أو الأمن لا تصدّْ مثل هؤلاء الغاضبين الذين يظهرون في فيلم العسكري الذي يصدره ويروجه الإعلام المُضاد للثورة ، ولا تتعقبهم ، بل تكون منشغلة فيما هو أهم ( مطاردة الثوار والنشطاء ) في الشوارع الخلفية أو رصدهم فرادى إن حاولوا التدخل لمنع التخريب !!.. أما تنفيذ مثل هذه التسجيلات المصورة التي نسبها المجلس العسكري لنفسه فهي مهمة عناصر أخرى ، ويظل المجلس متمسكاً بنسبها لنفسه في بياناته الرسمية رغم سوء إخراجها ، على ما يمتلكه من إمكانيات إعلامية ودعائية وشؤون معنوية ضخمة ، وهذا مصدر دهشة بالنسبة لكثيرين !!.. موضوعنا يظل عن الإعلام كيف يمكن استفزاز المستنيرين والمثقفين والتقدميين ونخب المجتمع على اختلاف تنويعاتها فضلاً عن رأى عام عالمي معنى بالتراث الإنساني والحضارة ؟، وكيف تتحول كل هذه القوى لمعسكر المعادين للثورة ، أو تنسلخ رسمياً عن تأييدها وتعاطفها ومواكبة حركة الثوَّار وهذا أضعف الإيمان ؟ وهل هناك ما هو أكثر وقاراً من صحيفتي ‘‘ المصري اليوم ، والشروق‘‘ حتى يتم تصدير الرسالة الإعلامية من خلالهما ؟! وكيف أوفّْر مادة إعلامية دعائية تحريضية على رداءتها تظل صالحة للاستهلاك وسهلة الهضم والتداول وبسيطة بالنسبة لقطاعات مجتمعية عريضة من القوى المضادة والمعادية للثورة ، وقوى أخرى لأغلبية تظل غائبة عن المشهد ؟ الإجابة.. ‘‘ يوَّلع المجمع العلمي بجاز‘‘ ويتم صناعة فيلم يُرفق ببيان رسمي للرأي العام !! فشلت الأجهزة الأمنية للداخلية وانهزمت في معركتها مع الثورة والثوَّار ، فكيف تكون الاستفادة من تجارب العسكر وأجهزته النوعية في اليمن وسورياً مثلاً والتي تظل ناجحة تماماً في شرخ الشعوب ، والرأي العام الداخلي والعربي والدولي شرخاً مُرعباً حول انتفاضات ثوارها ؟ الإجابة.. قطع البث المباشر لجميع الفضائيات ، واصطياد ومطاردة واختطاف وتتبع واعتقال وتعذيب عشرات الصحفيين والمصورين خاصة النشطاء منهم ، والتي وصلت ذروتها خلال موقعة شارع ‘‘محمد محمود‘‘ ثم فجاجتها في موقعة مجلس الوزراء الدائرة الآن . كل هذا لا يصلح ( إلا ) دليلاً على تلك النية المبيتة على ارتكاب جرائم من المطلوب أن تظل غامضة وبلا شهود .. إن من تهون عليه حُرمة أجساد الفتيات المصريات الثائرات الطاهرات العفيفات ليُحقّرها ويعرّيها ويدوسها بالبيادات العسكرية الثقيلة ، سوف تهون عليه كتب التراث ، وربما كتباً أخرى قيّمة مقدسة مصاحف كانت أو أناجيل .. موضوعنا يظل عن الإعلام بشيء من التدقيق في تفاصيل فيلم المجلس العسكري سوف نجد خليطاً شديد الانضباط لما ينبغي أن تكون عليه جماعة من الغاضبين ، ومن الثانية الأولى ( مُلتحين وأطفال شوارع وخليط من وجوه شبان وفتيات ليست لهم هوية أو مطلب مُحدد سوى الاعتداء ، أو ردّ الاعتداء ومنعه ) فمهما بلغت دقة التصوير ووضوحه لن تتمكن من كشف النوايا بين الصدور .. من منكم بإمكانه أن يمثل دوراً ولو هامشياً فيظهر بوجهه في هذا الفيلم الهابط أمام عشرات عدسات الكاميرات المُترصدة الظاهر منها والمخفي ؟ دعونا نلاحظ أخيراً أن فيلم الإعلام العسكري الانفرادي ليس له أي علاقة بموقعة فض اعتصام مجلس الوزراء ، أو لمواجهات بين قوات الجيش بمختلف تشكيلاتها ومجموعات من المحتجين الغاضبين ، بل كان مشهداً جانبياً وأُحادياً على هامش الأحداث تم توفير كل الظروف المناسبة حتى يخرج على هذا النحو من الإدهاش والإبهار حدّ الصدمة . هل يمتلك الإعلام المُضاد بكل مؤسساته وإمكانياته شجاعة القدرة على بث المزيد من خزانة مقاطع وصور عُرى وبشاعة المواجهات الحقيقية ؟ شخصياً لا أعتقد ، ولا أثق سوى في إعلام ثوري ، وإعلام شعبي تفشل كل مؤسسات الجيوش والأنظمة في تحجيمه ، أو قطع بثه المباشر أو غير المباشر فيكون المادة الخام الأولية لحقيقة ما يدور في الميدان .. على ما أذكر أن مروحيات القوات المسلحة تدخلت لإطفاء مباني مجلس الشورى التاريخية ومحيطها والتي ظلت مُحترقة لأيام في أوج وعظمة وقوة نظام المخلوع ، وللمفارقة مازال الجاني حُرَّاً طليقاً رغم أنه خلف أسوار السجون .. وبافتراض كل النوايا الحسنة ، لماذا لم تتدخل مروحيات المجلس العسكري هذه المرة بينما كان مشغولاً وحريصاً أكثر على رصد وتتبع المخربين والمندسّين والمأجورين على أمن البلاد من الداخل والخارج عبر كاميرات إعلامه العسكري وشؤونه المعنوية لتوفير كادرات احترافية وتسجيلات خاصة به حسب مقدمة الفيلم الساقط من عناوينه الأولى ؟! وقبل أن أنسى ،، لا أمنح أي مبرر لأي صحيفة أو مؤسسة إعلامية خاصة أو رسمية مهما كانت درجة وقارها قامت بنشر مقطع فيلم المجلس العسكري مرفقاً بالتقرير المكتوب شبه الموحد والمُعد بمهارة وسوء نية في الآن نفسه .. دون حتى تعليق موضوعي واحد.. أقول لكم مُكرراً ..،، إما أن تنطقوا بالحقيقة أو تصمتوا ... واللهم إني صامت !!..