أعجبني كثيرًا القيادي البارز ب"البناء والتنمية" د. طارق الزمر، حين انتقد في قناة "العربية" اصطفاف القوى السياسية في مصر على "أسس دينية"، واستقبح التصنيف التقليدي لها بين "إسلامي" و"علماني" وقال إن الخلاف والاتفاق في العمل العام، ينبغي أن يكون على أجندة سياسية وليست دينية. الإسلاميون يتحدثون عن "الجبهة الإسلامية".. والعلمانيون يتخندقون خلف مظلة "الجبهة المدنية".. وهو منحى يتجه نحو مأزق "التمييز" سواء أكان "دينيًا" أو "علمانيًا". قد لا يلتفت البعض إلى أن المسألة بالغة الخطورة فعلًا على مفهوم "الدولة الديمقراطية".. إذ يستبطن الجميع نزعة تمييز لا تليق في مصر ما بعد الثورة.. ولعل البعض يتذكر كيف يدرج اليسار المصري كل من هو"إسلامي" خارج التصنيف المعتمد عنده ل"المثقف" ول"الوطنية" أيضًا.. إذ جعلهما حصريًا، صفتين لكل من كان يساريًا أو علمانيًا في المطلق. فيما يتطور موقف الإسلاميين من "القوى المدنية" إلى اتجاهات قد تفضي إلى جعل الإسلام "حصريًا" أيضا على الإسلاميين فقط!! القوى الوطنية تشمل كل ألوان الطيف الأيديولوجي، وهي تتفق وتختلف على أرضية سياسية في المقام الأول.. صحيح أن لكل منها مرجعيته الأيديولوجية أو الثقافية، وهي ظاهرة لا تخرج عن التعدد والتنوع الذي من المفترض أن يثري ملكات الإبداع ويفجر طاقات الأفكار الخلاقة بين القوى المتنافسة على السلطة. لا يمكن بحال أن يظل الوضع الحالي أسير "التكفير السياسي" الذي تمارسه القوى المدنية.. و"التكفير الديني" الذي يهدد وسطية التيار الوطني الإسلامي الغالب في مصر الآن، ويسيء إليه ويخصم من رصيده كبديل آمن للحكم. ولعل الظاهرة المثيرة للدهشة، أن القوى المدنية هي التي تبادر الآن في اتباع سبيل الاصطفاف على أسس تميل إلى إعلاء منطق "التمييز" القميء، بالدعوة إلى ما يسمى "بالتحالف المدني" في مواجهة "الإسلاميين"!. ولئن كان ثمة جدل وحوار داخل الحالة الإسلامية لبناء تحالفات على أسس "الشراكة الدينية".. فإنه كان من واجب التيار المدني أن يترفع عن التورط في مثل هذا المنحى الذي يؤجج صراعات ستنتهي حتمًا إلى ما يشبه "الحروب الدينية" بين القوى السياسية المصرية. وإذا كان من مسؤولية التيار الإسلامي، اتخاذ مواقف تبرق برسائل طمأنة للجميع بقدرته على التعايش والتسامح والدخول في شراكة مع الكل على أسس سياسية وليست دينية.. فإن من مسؤولية التيار المدني أن يقدم ما يعزز صدقيته كتيار كما يدعي حاملٍ لرسالة الدولة المدنية التي تنبذ التمايز بين أبناء الوطن الواحد، وألا يحمله الخوف من الانتخابات على أن يتنازل عن "المثل العليا" التي تقوم عليها الدول الديمقراطية. [email protected]