التحالفات بين القوي السياسية ذات الأهداف المشتركة أو المتقاربة خطوة إيجابية يتعين تشجيعها للخروج من حالة التفتت والتشرذم التي تتيح لتيارات بعينها الهيمنة علي الساحة السياسية واحتكار مواقع السلطة المختلفة. من هذا المنطلق، رحبت غالبية المصريين بجهود دمج الأحزاب والحركات والمنظمات في كيانات أكبر تمثل تيارا محدد الملامح واضح القسمات مثل محاولة تشكيل تحالف يضم 16حزبا تنسق مع حزب الدستور والدكتور محمد البرادعي وكان الأساس الذي قام عليه هذا التنسيق هو رفض الدولة الدينية أو العسكرية والسعي لتطبيق الديمقراطية. وظهر أيضا تحالف الأمة المصرية الذي ضم مرشح الرئاسة السابق عمرو موسي وحزب الوفد وعدد اخر من القوي السياسية دعما لهدف إقامة دولة ليبرالية. وهناك أيضا التيار الشعبي الذي تجمعت فيه قوي عديدة مع مرشح الرئاسة السابق حمدين صباحي لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تسعي إليها هذه القوي. وفي جميع الاحوال، كانت هذه التحالفات تتم علي اساس سياسي بعيداً عن اي محاولة للتمييز او التفرقة بين المصريين. ولا شك أن هذا الاتجاه من شأنه اثراء الحياة السياسية المصرية خاصة إذا كانت هذه التحالفات تؤمن بالديمقراطية كسبيل لتحقيق رؤيتها لمستقبل الحياة في مصر بالاضافة إلي رفضها لأي أساس ديني أو عرقي أو طبقي للتحالفات التي تدعو إليها والشرط الوحيد الذي تطلبه هو الانتماء لمصر والاعتراف بالاخر كشريك أو منافس يسعي هو أيضا لصالح مصر ولكن من خلال وجهة نظر مختلفة. المشكلة أن بعض القوي ربما تنظر إلي التحالفات السياسية الجديدة باعتبارها ساحة أو مرحلة أخري للصراع بين التيارات المختلفة وبالتالي فإن توحيد الصفوف هنا يأتي في إطار الحشد الذي يلجأ إليه كل تيار استعدادا للمواجهة الكبري التي يتحقق فيها النصر الحاسم لتيار بعينه يتمكن من سحق بقية منافسيه السياسيين. هذا المفهوم، عبر عنه بوضوح قطاع لا يستهان به من التيار الديني الذي دعا إلي توحيد القوي الاسلامية استعدادا لمواجهة ما أسماه الحشد الليبرالي العلماني ضد الاسلاميين. فقبل أيام أطلق عدد من رموز التيار السلفي بينهم مرشح الرئاسة المستبعد الشيخ صلاح ابو اسماعيل مشروعا تحت اسم "حراس الشريعة" قالوا إن هدفه هو توحيد العمل الدعوي ونبذ الخلافات الفقهية بين التيارات الاسلامية. ودعت القيادات السلفية في اجتماعها الأول بمحافظة الدقهلية إلي توحيد جبهة الاسلاميين للدفاع عن الشريعة التي قالت إنها تتعرض لأخطار ناتجة عن محاولات العلمانيين والليبراليين توحيد صفوفهم! اعتبرت القيادات السلفية أن جهود التيارات الليبرالية والعلمانية للتكامل والتنسيق فيما بينها استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة عملا يشكل خطرا علي الشريعة الاسلامية وإلي الدرجة التي تستدعي أن يوحد الاسلاميون صفوفهم لمواجهة هذا الخطر. هكذا، ظهر تقسيم جديد للمصريين هو الاسلاميين والليبراليين وأصبح المطروح هو تشكيل جبهتين أساسيتين يدور الصراع في مصر بينهما سواء كان سياسيا أو أيديولوجيا الأولي هي التيار الديني الاسلامي والثانية هي التيار الليبرالي العلماني. هذا المفهوم يهدد باشعال فتنة جديدة في مصر تستهدف تقسيم قواها الوطنية بطريقة جديدة ربما كانت أشد خطورة من كل التقسيمات السابقة بما في ذلك الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط. فالقيادات السلفية صاحبة مشروع "حراس الشريعة" أعلنت صراحة أن الليبراليين يتعمدون تشويه صورة الاسلاميين من خلال منشورات ووسائل من شأنها أن تخلق كراهية لدي الناس ضد الشريعة بدعوي المدنية والحداثة. هذا الطرح يتهم الليبراليين والعلمانيين صراحة بمعاداة الاسلام وهو اتهام خطير لأن دعاة الدولة المدنية ليسوا كفارا كما يراهم بعض رموز الحركة الاسلامية، كما أن الانتماء للاحزاب الليبرالية لا يمكن أن يكون نشاطا معاديا للاسلام او للشريعة كما يزعم البعض. مصر، أيها السادة، بحاجة للتنوع.. وجميع المصريين بمختلف انتماءاتهم مدافعون عن العقائد والأديان والمقدسات، ولكن الاختلافات السياسية شيء اخر وبدونها لا يمكن الحديث عن الحرية او الديموقراطية وما تحتاجه مصر الان، بكل تأكيد، هو تشكيل جبهة عملاقة تضم جميع أبناء الوطن تحت شعار "حراس مصر" ترفض مفاهيم التفرقة والتمييز والتكفير وتؤمن فعلا بأن الدين لله والوطن للجميع.