فجأة و بلا مقدمات تراجعت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية عن قرارها بعدم الاعتداد بأحكام القضاء الإداري ، و توجهت إليه بطعن على حكمين أصدرهما : الأول بأحقية منظمات المجتمع المدني في المراقبة علي الانتخابات و الثاني استبعاد وحيد الأقصري عن خوض انتخابات الرئاسة . طبعا لا ندري لم تراجعت اللجنة بعد أن أصرت على أنها لا معقب لحكمها ، و إن كانت الدلائل كلها تشير إلى أن من وقف وراء تأسيسها ، و جعلها ذات سلطة أعلى من سلطة القضاء ، هو ذاته من وقف وراء تراجعها و اعترافها ضمنيا أنها "جهة إدارية" يجوز الطعن على قرارتها أمام القضاء الإداري . هذه واحدة أما الثانية .. و اللافتة للنظر أن الذي تولى الطعن نيابة عنها ، هي "هيئة قضايا الدولة" ، و الأخيرة معروف أن عملها هو الترافع بالوكالة عن الحكومة أمام المحاكم ! هذا الموقف في حد ذاته دليل "إدانة" و يكفي وحده في تعزيز مشاعر القلق من حيدة و نزاهة اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية . إذ ماذا يعني أن يدافع محامي الحكومة "هيئة قضايا الدولة" عن هذه اللجنة ؟.. تعني بداهة إنها جهة حكومية تتبع السلطة التنفيذية و من ثم فهي بالتبعية لجنة غير محايدة ، و أنها لجنة إدارية يسري عليها ما يسري على أية جهة حكومية ، بدليل أنها وكلت محامي الحكومة في الدفاع عنها أمام المحاكم ! هذا ما نفهمه من هذا التصرف الذي لجأت إليه اللجنة . صحيح أن المحكمة الإدارية العليا قبلت مساء أمس الثلاثاء ، طعن اللجنة المشرفة على الانتخابات و لكنها في الوقت ذاته أهابت بالمشرع أن يعيد النظر بجدية في نص المادة ة 76 بحيث ترجع الى النص العام والمبادئ المستقرة في شأن عدم تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء العادي. و حكم المحكمة هنا يعتبر إدانة واضحة لترزية القوانين ممن لا ضمير لهم و لاخلاق الذين وضعوا البلد كلها عشية إجراء الانتخابات الرئاسية على مفترق طرق بالغ الخطورة ، عندما فصلوا قوانين جعلت من "القرار الإداري" حجية و شرعية تفوق حجية و شرعية الاحكام القضائية ، و صاغت موادا في الدستور ، ضد الدستور نفسه ، لتحيل الدولة إلى فوضى ، و لتصطدم المؤسسات القضائية و الدستورية فيما بينها ، على نحو يضع شرعية الرئيس القادم موضع نزاع قانوني ، و ما يحمله هذا الوضع من نذر شؤم و شر و عدم استقرار و قلاقل سياسية تنذر بسوء العاقبة لم يكن ثمة صعوبة في إدراك معنى و مغزى و قصد ترزية القوانين حين أعطوا لقرارت جهة إدارية أسند إليها إدارة الانتخابات الرئاسية قداسة تفوق قداسة الوحي المنزل من رب العالمين و لايجوز مراجعتها أو الطعن عليها أو مناقشتها أو الاعتراض على ما تقوله و تقرره ، حتى و إن كان معيبا ، إذ كان في حقيقته تفصيلا قانونيا جاء على مقاس رغبة النظام في تأسيس مؤسسات بديلة تحل محل القضاء الطبيعي ، يحمي سيناريوهاته في إخراج مسرحية الانتخابات على الشكل الذي يريده هو، و ليس على النحو الذي يريده قضاة مصر الشرفاء من نزاهة و شفافية ... فهل في كل مرة تسلم الجرة كما يقول المثل الشعبي المصري؟