كشفت مصادر سياسية وقانونية مطلعة النقاب عن أن حالة من الذهول والصدمة أصابت دوائر عديدة في قمة هرم السلطة في مصر والقائمين على الحملة الانتخابية للرئيس مبارك ، عقب سلسلة الأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري أمس ، وألقت تلك الأحكام ظلالا قاتمة من الشك حول شرعية الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في السابع من الشهر الجاري ، حيث فتحت هذه الأحكام الباب أمام صدور حكم قضائي نهائي بعدم شرعية هذه الانتخابات وبالتالي إعادتها من جديد ، وهو ما يضع النظام السياسي بكامله في ورطة سعت أجهزة الإعلام الحكومية للحد من تأثيرها عبر الادعاء بأنه سوف يتم الطعن في تلك الأحكام . وأوضحت المصادر أن النظام حاول منذ البداية تجنب الوقوع في هذا المأزق ، من خلال حشد ترزية القوانين ، الذين حاولوا " تحصين " النصوص التي يريدها النظام من خلال ضمها إلى النص الدستوري نفسه ، وبالتالي تجنب الطعن عليها بعدم الدستورية ، كما أن النظام لجأ إلى نمط غير مسبوق في الرقابة على دستورية القوانين ، من خلال النص على العرض المسبق لقانون الانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية ، بينما النظام المعمول به داخل المحكمة الدستورية العليا ، وغالبية المحاكم الدستورية في العالم ، ينص على الرقابة الدستورية اللاحقة على القوانين . ولفتت المصادر إلى أن خطورة الأحكام التي أصدرتها محكمة القضاء الإداري أمس ، لا تتوقف عند الأثر القانوني لتلك الأحكام ، حيث إن الحكومة سوف تقوم -بالتأكيد - بالطعن عليها أو حتى تتجنبها بشكل كامل ، لكن الخطورة الحقيقية تتمثل في الدلالة المعنوية والأخلاقية لها ، وهو أمر يمتد تأثيره إلى الدوائر الخارجية التي تراقب العملية الانتخابية ، ويضاعف من أهمية ذلك ، أن التقارير التي تعدها البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر كانت تؤكد دوما على أن قضاء مجلس الدولة ومحكمة النقض يتمتعان بدرجة من الاستقلالية تفوق غيرهما من الهيئات القضائية الأخرى في مصر ، وهو ما أعطى أحكامهما درجة من التقدير و الاحترام سواء داخليا أو خارجيا. في السياق ذاته ،أكدت مصادر قانونية أن محكمة القضاء الإداري من خلال الأحكام التي أصدرتها أمس قضت تماما على أسطورة الحصانة التي تتمتع بها اللجنة العليا المشرفة على انتخابات الرئاسة ، وما روجه البعض من أن قرارات اللجنة لا يمكن الطعن عليها إلا أمام اللجنة نفسها ، حيث أكد الحكم الأول الذي أصدرته المحكمة على أن نشاط اللجنة لا يمتد إلى قضية الإشراف على الانتخابات ، وقررت المحكمة بطلان القرار الذي أصدرته اللجنة بمنع أعضاء منظمات المجتمع المدني التي تسعى لمراقبة الانتخابات من دخول اللجان الانتخابية . وأشارت المصادر إلى أن الحكومة كانت تكرر دوما أنها لا تقبل الإشراف الخارجي على الانتخابات لأن الرأي العام والقانون المصري لا يقبلان بذلك ، لكنها الآن تبدو أمام حكم قضائي واجب التنفيذ ، حتى لو تم الطعن عليه ، يسمح للمنظمات الأهلية المصرية بلعب دور المراقب للعملية الانتخابية . وجدير بالذكر أن أحكام محكمة القضاء الإداري واجبة النفاذ فور صدورها ودون إعلان من تصدر بحقهم ولا يجوز طلب وقف تنفيذها إلا أمام المحكمة التي أصدرتها لكن جهات حكومية عديدة تمتنع بين وقت وآخر بحجة أو بأخرى عن تنفيذ أحكامها. وفي حكم آخر ، قررت محكمة القضاء الإداري استبعاد وحيد الأقصري رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي من خوض انتخابات الرئاسة ، كما قضت المحكمة أيضا بإلزام الأقصري بإعادة مبلغ النصف مليون جنيه التي تسلمها من الخزانة العامة للدولة نظير حملة الدعاية الانتخابية . وأوضحت المحكمة في أسباب الحكم أنها سبق لها الحكم بعدم الاعتداد بالاقصري رئيسا لحزب مصر العربي الاشتراكي لكن لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى أعطته شهادة بأنه رئيس للحزب تقدم بها إلى لجنة الانتخابات الرئاسية التي اعتمدته مرشحا. وأكدت المحكمة أن "لجنة شئون الأحزاب السياسية أهدرت حجية الحكم حين منحته شهادة بأنه رئيس للحزب". وفي حكم ثالث ، أحالت محكمة القضاء الإداري قانون الانتخابات الرئاسية إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدى دستورية سبع من مواده ، وأكدت المحكمة أن "المراقبة السابقة على مشروع القانون لا تمنع المراقبة اللاحقة على صدوره." ومن شأن صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية أي من المواد السبع المطعون عليها إثارة الشكوك في قانونية إجراءات ونتيجة الانتخابات الرئاسية. وفي دعوى رابعة ، أحالت المحكمة إلى هيئة مفوضين طعنا تقدمت به الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" على نتيجة الاستفتاء الذي أجري على التعديل الدستوري في مايو لإعداد تقرير تستند إليه المحكمة في نظر الدعوى بجلسة 29 نوفمبر القادم. ولو أوصى تقرير هيئة المفوضين بإبطال نتيجة الاستفتاء وأصدرت المحكمة حكما بناء على التوصية تبطل نتيجة الانتخابات الرئاسية. من جانبهم ، أكد محللون سياسيون أن مجموعة الأحكام القضائية التي أصدرها القضاء الإداري تطعن في شرعية الانتخابات الرئاسية القادمة وتلقى شكوكا كبيرة في مصداقية اللجنة المشرفة على الانتخابات وتعد لطمة لترزية القوانين الذين حاولوا تحصين قرارات اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية من أي رقابة. وقال الدكتور محمد السيد سعيد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية إن قرار حق منظمات المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات الرئاسية يعد ضربة شديدة للنظام الذي خالف جميع المواثيق الدولية التي تنص على أحقية هذه المنظمات في مراقبة جميع أنواع الانتخابات. وأضاف أن قرار القضاء الإداري بإعطاء منظمات المجتمع المدني الحق في الرقابة التي تعد حقا ثابتا من حقوق الإنسان يعد طعنا في شرعية تعديلات المادة 76 واللجنة القضائية التي شكلت على أساس هذه التعديلات ، ويخلق حالة من الارتباك للنظام ، الذي سوف يسعى إلى الطعن في الأحكام ، وهنا ستكون الكارثة فتعديل المادة 76 وطعن النظام المتوقع سيضعه أمام مأزق دستوري يتمثل في تناقض نصوص الدستور مع بعضها البعض فالمادة 68 من الدستور تعارض تحصين أي قرار من المساءلة القضائية وهو ما سيضعف من شرعية الانتخابات القادمة حتى قبل إقامتها. وشدد سعيد على أن منع الأقصري من خوض الانتخابات الرئاسية يقدح أيضا في شرعية اللجنة الانتخابية التي أكدت أهليته لخوض المعركة كما أنه يلقى مزيدا من الشك حول السلطات الممنوحة لهذه اللجنة التي حولها النظام إلى لجنة مقدسة رغم أنها لا تزيد عن كونها لجنة إدارية. من جانبه ، أوضح حافظ أبو سعده رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن هذه الأحكام تعد ضربة شديدة للنظام الحاكم الذي أراد تفصيل الانتخابات الرئاسية على مقاس معين ليسهل له تزوير إرادة الأمة والتلاعب بإرادتها. وأكد أن قرارات القضاء تعد لطمة للجنة الانتخابية التي وجهنا إليها خطابات لنمارس دورنا الطبيعي في الرقابة على الانتخابات ولم تكلف نفسها حتى الرد علينا ، وهو ما يسيء إلى شخصية القائمين على هذه اللجنة وعلى شرعية العملية الانتخابية برمتها . وتوقع أبو سعده أن تلجأ الحكومة إلى الطعن في أحقية المجتمع المدني في الرقابة على الانتخابات وفي هذه الحالة فستقضي قضاء مبرما على أي شرعية للعملية الانتخابية . وشدد على أن الأحكام الثلاثة الصادرة أمس تعد إنذارا للنظام وتهدد الشرعية للرئيس الفائز بالانتخابات أيا كانت النتيجة ومن هنا فعلى الدولة أن تنتبه إلى خطورة هذه الأمر وتحترم أحكام القضاء. وأضاف أن إحالة قانون الانتخابات الرئاسية إلى المحكمة الدستورية العليا يزيد من مأزق النظام وترزيته الذين حاولوا حصر الأمر في الرقابة السابقة وهو ما رفضته المحكمة الدستورية سابقا مشيرا إلى أن هذه الأحكام ستشجع منظمات المجتمع المدني على الاستمرار في الشوط لآخره وستواصل معركتها القضائية مع النظام لفرض رقابة منظمات المجتمع عليها مهما اتخذ النظام من إجراءات.