خلال أسابيع قليلة، ستختار مصر ولأول مرة رئيسًا منتخبًا للجمهورية.. وهو أخطر استحقاق سياسي، وأهم حدث تاريخي، سيضع المصريين جميعًا أمام اختبار "وطني" بالغ الدقة والحساسية. ثمة قلق بالتأكيد، من "التحيز".. وما إذا كان المصريون سينحازون إلى "المصلحة الوطنية" أم إلى المصالح "الأولية" شديدة الالتصاق بمرحلة ما قبل "الدولة الحديثة". وسط هذا القلق، فإن ثمة ما يُفرح في المشهد الرئاسي، خاصة تلك المتعلقة بالقوى السياسية الجديدة، والتي جاءت بخبرات "دعوية" و"خيرية" مستقلة عن أية خبرات سياسية متزامنة معها.. ومع ذلك اتبعت سبيل "الحداثة السياسية" متجاوزة بذلك جماعات وتنظيمات أقدم منها خبرة في العمل العام. الدعوة السلفية تعالت على "الأيديولوجيا" وانحازت إلى "الوطن".. واختارت رئيسًا للجمهورية من خارج النسق السلفي، تمتد أصوله الفكرية إلى مدرسة حسن البنا ! الإخوان والسلفيون.. فضاءان متوازيان، ويتنافسان على شرعية تمثيل "الإسلام".. ويختلفان بالتأكيد في الخبرات السياسية.. ومع ذلك أظهر اللاعبون الإسلاميون الجدد "السلفيون" مهارات سياسية لافتة، حين تعالَوْا على "الولاءات التنظيمية" وانتصروا ل"المصلحة الوطنية" وفق رؤيتهم الخاصة. لا يمكن بحال أن تكون تجربة "السلفية السياسية" متطابقة مع "الموقف الإخواني".. بزعم "الرؤية الخاصة"؛ لأن الدعوة السلفية اختبرت استقامة نياتها بشكل جيد في النموذجين : الشاطر ومرسي.. وهما رافدان إخوانيان، ما يُضفي على المنطق السلفي بشأنهما قدرًا مدهشًا من الإبهار السياسي. السلفيون أيُّدوا الإخواني "خيرت الشاطر"؛ لأن الأخير كان مخرجًا من "مأزِق" المرشح القوي حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي كان مرفوضًا من أعلى سلطة سياسية ودينية داخل التيار السلفي.. وعندما استُبعد انتفى السبب الذي جعل السلفيين يتحركون تحت "ظل" الإخوان؛ ولذا تحول التأييد من مرشح الإخوان الاحتياطي "مرسي" إلى "المناوئ" له "أبو الفتوح"، ليس من منطق الرغبة في الاحتفاظ بالتمييز والتباين والمفاصلة.. وإنما وفق معايير انتصرت في النهاية لمقتضيات اللحظة الراهنة. أعلم أن ثمة غضبًا "مكتومًا" داخل جماعة الإخوان المسلمين بسبب الموقف السلفي من مرشحها، وخارج الجماعة يتبع أتباعها لغةً وخطابًا عنيفًا وعدوانيًا بشكل يسئ إلى التنظيم الأهم والأكبر في مصر الآن.. والذي من المفترض لوزنه الكبير أن يتحلى مؤيدوه بالمسؤولية، ويتخلقوا ب"أدب الخلاف"؛ خاصة أنه وقع داخل "البيت العائلي" وليس خارجه. هذا الغضب "المنفلت" وضع الجماعة في قامة أقل كثيرًا من التيار السلفي.. وقد تخسر بسببه جزءًا من رصيدها الذي تراهن عليه في الشارع.. فضلاً عما خلَّفه من انطباع قد يفضى إلى فتور الحماس داخل الرأي العام لها، إذ يظل هذا العنف وهذه العصبية تكئة لخصوم الجماعة، قد تساعدهم على رسم صورة شديدة التطرف والديكتاتورية لأي نظام حكم في المستقبل قد يشكل الإخوان قوامه الأساسي. [email protected]