عدد من مرشحى الرئاسة ممن يراهنون على الجماعات والكتل السياسية الكبيرة، هاجموا فكرة "الرئيس التوافقى".. واعتبروها "مؤامرة" عليهم تحديدًا، انطلاقًا من ثقتهم بالفوز، حال ترك الاختيار ل"التنافس" وليس ل"التوافق".. بل إن بعضهم راقَ له تسميته "فخامة" الرئيس.. وهو اللقب الذى بدأ يُتداول على "الإنترنت" بين مؤيديه.. وكأن الكرسى الرئاسى "بات" فى "جيبه"، ولم يبقَ إلا مراسم استلامه رسميًا بعد شهرين من الآن! الرهان على الاستقواء بالجماعات السياسية الكبيرة رهان خطر.. ولا يعى حجم الاختلالات التى أصابت كل القوى السياسية بعد الثورة.. والتى أعادت إلى عدم الوثوق فى "اليقينيات السياسية" اعتبارها.. وهى المشاعر العامة التى تقترب من المهارات السياسية الاحترافية، التى تميز المجتمعات الديمقراطية عن تلك التى مازالت تراوح مكانها عند مرحلة ما قبل الدولة الحديثة. هذا "الرهان" تم اختباره فى الانتخابات البرلمانية والنقابية الأخيرة.. وبدا التراجع فى هيبة "الأصوات الموجهة" جليًّا بالتدرج وبما يتفق وحداثة التجربة الديمقراطية فى مصر.. بدأت بالسقوط المدوّى للقيادى السلفى البارز عبد المنعم الشحات فى معقل السلفية المصرية بالإسكندرية فى انتخابات مجلس الشعب.. والقيادى الإخوانى الأشهر والأكثر جدلاً صبحى صالح فى انتخابات نقابة المحامين مؤخرًا.. وانتزاع القوى غير المسيَّسة لعدد من النقابات المهنية من أيدى جماعة الإخوان المسلمين.. ناهيك عن أكبر هزيمة سياسية للجماعة فى انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة.. إذ لم ينجح أحد من الزملاء الخمسة الذين رشحهم مكتب الإرشاد لعضوية مجلس النقابة. ما حدث لا يعيب الإخوان أو السلفيين.. ولا ينتقص من دورهم كقوى اجتماعية مازالت هى الأكثر تنظيمًا والأكبر حضورًا وجماهيريةً.. وإنما هى تحولات السياسة وتداول مراكز القوى كنتيجة طبيعية للمهارات الجديدة والوعى الجديد التى اكتسبتها أجيال ما بعد "المحنة" الخاصة بالإخوان.. وأجيال ما بعد "الصحوة" بالنسبة للتيارات السلفية والجهادية.. والتى باتت أكثر تمرُّدًا على تقاليد "التنظيمات الحديدية" وثقافة "السمع والطاعة"، و"عسكرة" الحركات الدينية وهى النزعات التى فارقت الخبرات الأمنية القديمة.. لتكون أكثر رحمًا وقربًا من الخبرات السياسية التى تحترم "الذات" وتثق بقدرتها على الاختيار والفرز بعيدًا عن أية وصاية تنظيمية. هذا الحراك فى الوعى التنظيمى يجعل الاعتماد على التنظيم فى الحشد والتعبئة رهانًا على أرضية هشة ومتحركة ولا يجوز "الوثوق" بولائها.. ولا يأمن تحولاتها المفاجئة، وهى ظاهرة عامة لم تسلم منها حتى التنظيمات والأحزاب المدنية ذات التاريخ والخبرات السياسية الكبرى.. كما حدث مؤخرًا فى حزب "الوفد" وانقلابه المفاجئ على عمرو موسى.. وتحوّله إلى منصور حسن. [email protected]