أعجبتني جملة وردت في تعقيب لقارئ كريم على مقال لي الأسبوع الماضي، قال فيها إننا بعد ثورة 25 يناير نعيش عصر "ما بعد الجماعات". تعبير دقيق لخص وببراعة، ما ينبغي أن يكون عليه المشهد السياسي المصري في السنوات المقبلة. ومنذ أيام التقيت مع ناشط وباحث سلفي واعد، ودار بيننا نقاش طويل، حول المستقبل السياسي للسلفية المصرية، وكان رأيه الذي نقله عن مرجعيات سلفية كبيرة، يكاد يتطابق مع هذا التعقيب الذي ذكرته في مستهل المقال وأن مصر اليوم ودعت عهد "الجماعات" ودلفت إلى عصر "الأحزاب". ويبدو أن التيار السلفي، كان يتابع عن كثب، أدبيات "نقد الإخوان" سواء تلك التي كانت تأتيها من خارجها من نخب ترى ضرورة انخراط الجماعة في العمل العام، أو من داخلها من التيار الإصلاحي الذي كان يعتقد بأن شرط ولوج الحركة منطقة التقاطع مع الجماعة الوطنية المصرية، هو فصل "الديني" عن "السياسي".. أو فصل الجماعة ك"تنظيم" عما هو سياسي "الحزب".. ويبدو أيضا أن هذه "النصيحة" تلقفتها التيارات السلفية أو على الأقل القطاع الأكبر منها، وسمعت بأنها قد استقرت على أن يكون لها واجهة "مدنية" تحتفظ بمساحة كبيرة عن نشاطها "الديني" تدخل بها الانتخابات القادمة. وهذا تطور مهم، بل إنني اعتبره منعطفا تاريخيا في مسيرة السلفية المصرية، التي تكاد تكون خبراتها محصورة في العمل الدعوي والخيري، وحُرمت طوال تاريخها من خبرات سياسية كثيرة، تحاول اليوم ستعادتها، من خلال قراءة التراث النقدي الذي تعرضت له جماعة الإخوان المسلمين خاصة في السنوات العشر الأخيرة والاستفادة منه، في تطوير أدائها السياسي، واللحاق باستحقاقات اللحظة الراهنة والتعلق في تلابيبها والحرص على عدم تفويت الفرصة. وفي هذا السياق، فإن المسألة في تقديري تحتاج إلى "ورش عمل" لنقل الخبرات السياسية من الجماعات والشخصيات التي تتمتع سيرتها الذاتية بخبرات سياسية ثرية، إلى النشطاء السلفيين، لإضاءة الوعي بالفارق بين العمل الخيري، والنشاط الحزبي، لأن التجرية أثبتت أن جماعة الإخوان المسلمين رغم خبراتها الطويلة في العمل العام، والتي تمتد إلى ما يقرب من تسعين عاما، وقعت أثناء أدائها السياسي في مأزق الخلط بين الإثنين، إذ تصرف نوابها في المجالس النيابية، بخبرة العمل الخيري، وليس السياسي، ما يجعل "المجلس النيابي" في الوعي السياسي الإخواني محض "جمعية خيرية"، وهو الوعي الذي كانت محصلته الصفرية مضرة إلى حد كبير في الحكم على نتائج وجودهم في البرلمان. ومع ذلك فإنه لا يمكن أن ننكر بأن أهم ما اكتسبه الإخوان، هو نضج الوعي بمنزلة التنظيم من الجماعة الوطنية المصرية، باعتباره جزءا منها، وليس منفصلا عنها، وهو الوعي الذي يمهد الآن، لتأسيس حزب يكون أكثر رحما بها ويحتفظ بمسافة مع الجانب الدعوي يحفظ للحزب حسه المدني، وهي الخبرة التي يحتاجها الآن وبإلحاح التيار السلفي، لتجاوز عتبة "الجماعة" واللحاق بعصر "الأحزاب". [email protected]