«الرجالة لما بينزلوا الميدان بسيبوا (الجماعة) فى البيت».. إفيه لاذع انتشر على «تويتر» و«فيسبوك» تعبيرا عن الحنق والغضب تجاه قيادات جماعة الإخوان. التورية مستمدة بالطبع من غطاء لغوى اعتادت شرائح الطبقة الوسطى على استخدامه عند الإشارة إلى اسم الزوجة. كان الحديث عن الزوجة باسمها يعكس تمردا على تقاليد استقرت لعقود. شريحة الأفندية وصغار التجار حافظت على العُرف.. تغير الغطاء بتغير العصر.. فهى مرة «الجماعة» وبعدها «الأولاد».. وفى عصر الانحطاط الحالى استوردت الشرائح القادمة من الخليج أغطية بدوية ومنها لفظ «الحُرمة»، بينما يصنع أبناؤها المراهقون أغطيتهم الخاصة، فإشارتهم إلى المحبوبة تغيرت أيضا بتغير العصور وثقافتها.. فهى«الجو» فى السبعينيات، و«السيكو سيكو» فى الثمانينيات و«المُزّة» منذ التسعينيات. تغيرت الأغطية اللغوية والأوصاف، لكن «الجماعة» كتنظيم شبه عسكرى ظلت كما هى.. لغتها وخيالها واستراتيجيتها واحدة وأخطاؤها ثابتة، لا تأخذ فى الاعتبار متغيرات التاريخ. رهانُ الجماعة على السلطة وتجاهلُ الشعب خطأ استراتيجى ثابت لا يتغير منذ التأسيس. باركوا الطاغية إسماعيل صدقى، وقال زعيمهم مخاطبا إياه (صدقى) «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا» وهو تأويل غير مسبوق لآى القرآن، فى وقت كان الوفد فيه حزب الجماهير الحقيقى يقف لصدقى بالمرصاد. بايع الإخوان الملك فاروق خليفة للمسلمين، نزلوا بشبابهم لمساندته فى أزمته مع النحاس. تكرر المشهد مع ناصر والسادات. تصبح الجماعة رأس حربة للأنظمة ثم تطعنها الأنظمة على طريقة ذَكَر النحل بعد استنفاد أغراضها. بعد زوال مبارك صمتوا على خطايا الفترة الانتقالية. طعنوا على من يعترض بتسمية زائفة فى جمعة 28 يوليو ونعتوها «جمعة الوقيعة بين الشعب والجيش» رغم أن التظاهر حق دستورى لا بد أن يؤمن به السياسى لخصومه حتى لو لم يكن مقتنعا بدوافعه. سريعا تكرر الخطأ التاريخى فى تظاهرة السبت ومليونيتى الثلاثاء والجمعة. رفضت الجماعة النزول، ثم وصمت من فى التحرير بأنهم شركاء فى مؤامرة لتعطيل الانتخابات. كانت أطياف مصر كلها فى الميدان، غضبا من القمع والغاز وجثث ما يقرب من أربعين شهيدا وضع بعضها فى الزبالة، بينما كان مانشيت جريدة «التنظيم» (الانتخابات هى الحل). ظهر الاستحقاق الانتخابى أهم من استحقاق الوطن.. «مليونية الأقصى» أهم من «مليونية الفرصة الأخيرة». الأخيرة رأس حربة موجهة إلى الأولى.. تكسب من «الأقصى» دغدغة لمشاعر المتدينين، وتكسب من العسكر صفقة محتملة.. ويخسر الوطن. حسابات المكسب والخسارة فى عقل مكتب الإرشاد تقول «حتى لو زادت حالات الانشقاق فى التنظيم.. وتمرد الشباب على القادة.. التاريخ يقول إن أسماء كثيرة خرجت مغضوبا عليها وبقيت الجماعة.. خرج محمد حبيب وعصام سلطان وأبو العلا ماضى، وأخيرا أبو الفتوح، وبقى التنظيم صارما صامدا.. يبقى مدرس التربية الرياضية الصارم.. ويخرج المنظِّر المؤسس الثانى للجماعة. السلطة والبقاء كوّنا رهانا تاريخيا للتنظيم، أملا فى إنجاز مهمة مقدسة تتخطى حدودها الوطنية المصرية حسب أدبيات الجماعة. لو فشلت المحاولة سيعود الأعضاء إلى السجون وهنا تنتعش ثقافة المحنة وتزيد من التماسك والبقاء.. فلا خسائر إذن. والعسكر شبح الإخوان الغامض. لم تنجح الجماعة فى اختراق العسكر سوى مرة فى نهاية الأربعينيات. لم يقتنع عبد الناصر كيف يحضر الضباط دروس الدين قبيل إعدادهم لمهام سياسية. أدرك أن دروس الدين والطقس اللاهوتى عقبة أمام انضمام أصحاب دين مغاير. انفصل ناصر وكان تنظيم الضباط الأحرار. لم يدخل إخوانى الجيش المصرى بعد ذلك.. ومنذ ستة عقود لا يعرفون عنه شيئا. منطق التمكين استراتيجية لم تتغير. كان الإخوان الفصيل الأكثر تقبلا للعبة الديمقراطية فى فصائل الإسلام السياسى.. أكثر من السلفيين والجماعات الجهادية. بين صفوفه مجددون، لكن المجددين تلفظهم صرامة التنظيم، وحقيقة أن بقاء الجماعة بشعبها وكتائبها أهم من اللعبة السياسية بكاملها، فالتنظيم أمامه فتوحات أخرى خارج الحدود. لن تنتهى اللعبة بمجرد فوز تابع لهم بحزب الأغلبية.. فاز «العدالة والتنمية» فى المغرب، و«النهضة» فى تونس.. تبقى ليبيا ويقترب حلم الخلافة. التمكين يزحف إلى النقابات. يحصلون على أغلبية المقاعد ويتركون النقيب مقيدا بأصوات مكتب الإرشاد. فى عصر المحنة يعيشون بمنطق الصفقات، وفى الفترات الانتقالية يحالفون الحكام الجدد فى صراعهم مع الشعب حتى تستقر الأحوال فيتحول الحليف إلى ضحية وتستمر اللعبة من السجن إلى سلم العرش. لا يصعدون إلى التاج أبدا.. تتبقى خطوة لكن الإصرار على تكرار الخطأ، يجرهم إلى الخلف مرة أخرى. هى الجماعة الباقية بقاء أخطائها وصفقاتها. جماعة بقيت أسيرة الماضى لغة وتنظيما واستراتيجية.. الحليف المؤقت للسلطة والخصم الدائم للشعب. لا تعرف الميادين إلا برفقة مَحْرَم من السلطة.. يحدد خطواتها.. ثم يعيدها وقت الغضب إلى بيت الطاعة.