يبدو أن البعض التبس عليه ما قلته يوم أمس في مقالي ب"المصريون".. لم أكن أقصد فصل "المدني" عن "الديني" بمعناه العلماني: فصل الدين عن الدولة.. لأن مثل هذا الفصل لا يوجد أصلا في التجربة السياسية الإسلامية، لأن الإسلام "السياسي" إذا جاز التعبير هو "مدني" الفحوى و الممارسة، فيما تظل "العلمانية" منتجا غربيا، أفرزته الثورة على "المسيحية السياسية" في أوروبا. موضوع المقال كان يتكلم عن نية السلفية المصرية، الانتقال من مرحلة "الجماعة" إلى الانخراط في "حزب" سياسي، وهي النية التي تقتضي وضع الفواصل والحدود بين "الدعوي" و"السياسي" على أساس أن خبرة "الدعوة" تختلف تماما عن خبرة "السياسة" سيما وأن الحركة السلفية المصرية، ليس لها أي رصيد سياسي، يمكن أن تعتمد عليه في تأسيس حزب يملك مهارات العمل السياسي الاحترافي، إذ يُخشى أن يقع السلفييون في مأزق الخلط بين "الدعوي" و"السياسي" على نحو يجعل من الأخيرة ممارسة "منبرية" أو "وعظية" أو شكلا من أشكال "الإكراه الديني" وحمل الناس على التشبه بالسلفيين وجعل ذلك معيارا لمدى استقامة إسلام المواطن من عدمه، وهي ممارسة حال فُرض لونها على الواقع السلفي فإنها ستكون كارثة قد ينعكس ضررها على الديمقراطية المصرية الوليدة، وربما تساهم في إلحاق انتكاسة كبيرة لمكتسبات ثورة 25 يناير. لقد لاحظت من خلال مناقشاتي "تفهم" السلفيين لهذا الإشكال، وأكدوا لي بأنهم فعلا بصدد الفصل بين "الدعوي" و"السياسي" من خلال الدفع بشخصيات ذات روح ونفس مدني وأكثر قربا بخبرات السياسيين لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة.. وقلت يوم أمس بأن السلفيين قد اكتشفوا فيما يبدو أهمية مثل هذا الفصل، من التجربة الإخوانية التي انتهت بعد الثورة بوضع أسس جديدة للجماعة تفصل بين "التنظيم" و"الحزب" المقرر التقدم به لاحقا. وفي هذا السياق أيضا، لا يمكن لأحد أن ينكر فضل الإخوان، في الحفاظ على الحضور الإسلامي وبقوة في المشهد السياسي المصري على مدى العقود الأربعة الأخيرة، رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهتهم في بيئة أمنية شديدة التطرف في التعامل على الحالة الإخوانية، باعتبارها الجماعة الأكثر تنظيما والأخطر على النظام السياسي السابق، ولكن ثمة مشكلة ينبغي أن تتقبلها الحركة بسعة صدر، خاصة وأن الجماعة بدت هذه الأيام أكثر الجماعات السياسية رحابة صدر بل قل الأكثر ليبرالية من تلك التي تأسست أصلا على "الشرعية الليبرالية" في صيغتها الغربية، حتى فيما يتعلق بالأقباط والمرأة.. والمشكلة التي أقصدها هي أن جانبا من الوعي السياسي الإخواني تعاطى مع البرلمان فعلا باعتباره امتدادا لتراث "الجمعيات الخيرية".. والمسألة هنا ربما لا تتعلق بوعي غريزي وإنما صنعته "مرحلة الاستضعاف" والقمع الأمني والتضييق على كل ما هو سياسي، بلغ حد أن مارست الأحزاب السياسية "المدنية" ذات الأنشطة الخيرية، واعتبرتها من جملة انجازاتها السياسية!. اعتقد ان مرحلة ما بعد الثورة أسست لوعي سياسي جديد، ستضع حدا حقيقيا لعهد "الجماعات" وستفرض على الجميع بما فيها التيارات الدعوية على اتساعها إلى أن تتحول إلى أحزاب سياسية، تعمل بالتوازي مع اجنحتها الدعوية كبنى مستقلة لا تكون عبئا على الحزب أمام شرعيته القانونية. [email protected]